عندما تتجه أنظار عالم التصميم إلى النيل، فإن الأمر لا يقتصر على تصميم عمارة الأهرامات الشهيرة أو المعابد القديمة فحسب، بل يتعلق بمدينة تنبض بالحياة والزخم الإبداعي. في نوفمبر / تشرين الثاني 2025، تستضيف القاهرة النسخة الثالثة من أسبوع القاهرة للتصميم، وهو ما يشير إلى شيء أكبر من مجرد مهرجان: يشير إلى تحول في الطريقة التي ينظر بها التصميم العربي إلى نفسه، وكيف يريد أن يُنظر إليه.
في قلب أسبوع القاهرة للتصميم يقف هشام مهدي، الذي تعكس رحلته، من مصمم فردي إلى باني نظام بيئي، تطورَ القطاع الإبداعي في المنطقة. أسس مهدي المهرجان في عام 2022 بعد سنوات من صقل حرفته، وإدراكه أن المواهب الخام في مصر تفتقر إلى منصة واسعة. يقول: ”كان لدينا المواهب ولكن لم تكن لدينا منصة لعرضها. هكذا ولد أسبوع القاهرة للتصميم“. ويضيف: ”بالنسبة لنا، الهوية العربية ليست شيئًا يجب الحفاظ عليه خلف زجاج، بل هي حية ومتطورة. نحن لا نحاكي الاتجاهات العالمية، بل نساهم فيها من منظورنا الثقافي الخاص“.
قراءة مقترحة
هذه العقلية، المتمثلة في المساهمة بدلاً من التقليد، هي أمر بالغ الأهمية. لا يقتصر دور أسبوع القاهرة للتصميم على جلب التصميم العالمي إلى القاهرة، بل إنه يعلن دخول القاهرة في الحوار العالمي حول التصميم.
شهد أسبوع القاهرة للتصميم نمواً سريعاً. في سنتيه الأوليين، ركز المهرجان على إنشاء مركز للمواهب المحلية؛ والآن يمتد إلى عدة مناطق، وينشط المواقع التراثية، ويعمق التعاون الدولي. يقول مهدي: "اختبرت النسخة الأولى المياه؛ وأثبتت النسخة الثانية قدرتها على البقاء. الآن توسعنا إلى مناطق جديدة، ونشطنا المزيد من المواقع التراثية، وعمقنا التعاون. لم يعد أسبوع القاهرة للتصميم مجرد حدث؛ بل أصبح حركة".
ستكون نسخة 2025 هي الكبرى حتى الآن في تاريخ أسبوع القاهرة للتصميم، حيث ستشمل معارض وعروض أزياء وتركيبات فنية ومحاضرات تحت شعار ”صمّم، حتى أراك“. اختيار الشعار معبر: الرؤية، الاعتراف، المشاركة. التصميم ليس خلفية، بل هو مركز الصدارة.
إحدى السمات المميزة لأسبوع القاهرة للتصميم هي استخدام القاهرة نفسها كمساحة عرض. وفقًا لموقعها الإلكتروني، امتدت نسخة 2023 عبر هليوبوليس والزمالك ووسط المدينة، وحولت الشوارع والمباني إلى مختبرات تصميم في الهواء الطلق.
حي هليوبوليس
في عام 2025، تعود أحياء التصميم لتحتل مركز الصدارة مرة أخرى. ستصبح شوارع ومعارض ومواقع التراث في أحياء القاهرة الرئيسية - هليوبوليس والزمالك ووسط المدينة - مسرحًا واسعًا للتفكير التصميمي والحرف اليدوية والثقافة والحوار. لكن ما يحدث هو أكثر من مجرد مهرجان: إنه نظام بيئي قيد التكوين، ورؤية للتصميم العربي للدخول إلى الساحة العالمية بشروطه الخاصة.
حي الزمالك
من خلال ترسيخ التصميم بعمق في النسيج الحضري للقاهرة، يؤكد أسبوع القاهرة للتصميم أن التصميم العربي متجذر في المكان ولكن له مدى عالمي.
ما يجعل أسبوع القاهرة للتصميم جذابًا ليس حجمه فحسب، بل محتواه أيضًا. يجمع المهرجان بين التصميم العربي والاتجاهات العالمية، مع التركيز على التراث والهوية المحلية. تخيل أثاثًا ومنسوجات وتركيبات إضاءة ومشاريع معمارية تستخدم زخارف تقليدية أو مواد محلية، ولكنها تتحدث بوضوح إلى الجماهير الدولية. هذا هو الطموح. بعبارة أخرى، لا يتعلق الأمر بحرفيين منعزلين، بل بصناعة تصميم يمكنها تصدير الأفكار والمنتجات ووجهات النظر، وليس فقط الثقافة الشعبية.
ركيزة أخرى لهذه الحركة هي الاستثمار في المواهب والنظام البيئي بدلاً من مجرد العروض. تقدم نسخة 2025 مبادرة جامعات أسبوع التصميم المصري، المصممة لربط الطلاب والمواهب الناشئة والشبكات العالمية.
هذا أمر مهم: مهرجان تصميم لا يقتصر على عرض الأعمال فحسب، بل يساعد في بناء القدرات وخلق فرص وظيفية ودمج المواهب المحلية في الأسواق العالمية. بالنسبة لمصر والمنطقة العربية بشكل عام، يعد هذا تحولًا كبيرًا.
هناك مهرجانات تصميم أخرى في المنطقة العربية، لكن أسبوع القاهرة للتصميم يميز نفسه من خلال الاستفادة من تاريخ القاهرة الثقافي المتعدد الطبقات، وكثافتها السكانية، وتراثها المعماري. بفضل طموحه في أن يكون من بين أسابيع التصميم العالمية، يضع أسبوع القاهرة للتصميم القاهرة في مكانة مركز التصميم للمنطقة العربية وما وراءها.
شارع وسط القاهرة
بالطبع، لا يوجد نمو بدون تحديات. مع توسع المهرجان، تظهر الأسئلة التالية: كيف يمكن الحفاظ على الأصالة مع جذب الانتباه العالمي؟ كيف يمكن ضمان ألا تطغى العلامات التجارية العالمية على المصممين المحليين؟ كيف يمكن الحفاظ على المواقع التراثية مع تفعيلها؟ كيف يمكن الانتقال من حدث إلى نظام بيئي على مدار العام؟
والوعي بهذه التساؤلات موجود في هذا المهرجان: يجب أن يكون المهرجان أكثر من مجرد عرض، يجب أن يبني البنية التحتية والشبكات. إن الخطوة الرامية إلى إشراك الجامعات وتوسيع نطاق الوصول هي جزء من ذلك. ستكون الاستدامة والتأثير المحلي والظهور هي المقاييس المهمة للمضي قدمًا.
نقل التصميم المصري الحديث والقديم إلى العالم
لأن التصميم لم يعد مجرد زخرفة، بل أصبح ذا أهمية. إنه يشكل طريقة عيشنا، وشعورنا بالمدن، وكيف تصبح الحرف الصناعية صناعات، وكيف يصبح التراث ذا صلة. بالنسبة لمصر والعالم العربي، يعد أسبوع القاهرة للتصميم رافعة ثقافية واقتصادية: للاحتفاظ بالمواهب، ولتصدير الإبداع، وللتوفيق بين التقاليد والابتكار.
بقوله ”صمّم حتى أراك“، يقدم المهرجان التصميم العربي للعالم - ليس خفيًا أو متخصصًا، بل مشاركًا ومرئيًا.
عندما يأتي شهر نوفمبر وتضيء شوارع القاهرة بالتركيبات الفنية، وعندما تستضيف المباني التراثية أصواتًا جديدة، وعندما يقف المصممون الشباب جنبًا إلى جنب مع العلامات التجارية العالمية، فإن الرسالة تكون واضحة: التصميم العربي لا ينتظر أن يُكتشف. إنه يكتشف نفسه، ويدعو العالم إلى النظر إليه.
في قلب القاهرة، تحت أنظار عالم التصميم، دقت جرس ما بعد الدوام. فتحت بوابات ساحة المدرسة. مرحبًا بكم في المسرح العالمي.
