اعتباراً من يناير 2024، بلغ الدين الوطني الأمريكي حوالي 34 تريليون دولار، وهو رقم ضخم يمثل ظاهرة شائعة بين الاقتصادات الكبرى التي تعاني من ديون هائلة في ميزانياتها. لفهم هذه الديون، من الضروري العودة إلى مفاهيم الاقتصاد الأساسية، خاصة مفهوم التدفق المالي، والذي يشير إلى الفرق بين الإيرادات (كالضرائب) والنفقات الحكومية.
عندما تتجاوز نفقات الحكومة إيراداتها، ينشأ ما يعرف بالعجز، مما يدفعها إلى الاقتراض. وتتم عمليات الاقتراض بثلاث طرق: من المواطنين، من الخارج، ومن نفسها.
الاقتراض من المواطنين يُعد الطريقة الأكثر أماناً وشيوعاً، حيث تقوم الحكومة بإصدار سندات بفوائد ثابتة تُعرف بالقسائم، والتي يمكن سدادها بشكل دوري أو في نهاية فترة الاستحقاق التي قد تصل إلى 30 عاماً. وتُصنف هذه السندات كأدوات مالية منخفضة المخاطر بسبب الضمانة السيادية. وتشارك صناديق الديون الاستثمارية أيضاً في هذا المسار، حيث تقوم بشراء هذه السندات، مما يجعل المستثمرين يساهمون بشكل غير مباشر في تمويل الحكومة.
قراءة مقترحة
أما الاستدانة من الخارج، فتتم من خلال إصدار سندات خزينة للمستثمرين الأجانب أو مؤسسات دولية كالبنك الدولي. إلا أن هذه الطريقة تنطوي على مخاطر، أبرزها تقلبات سعر صرف العملات، مما قد يزيد من عبء الديون في حال تغيرت القيم النسبية للعملات، كما يحدث مع دول مثل البرازيل عند الاقتراض بالدولار الأمريكي.
الطريقة الثالثة تتمثل في أن تقترض الحكومة من نفسها، تحديداً من وكالاتها أو البنك المركزي. فعلى سبيل المثال، إذا حققت هيئات مثل صندوق الضمان الاجتماعي فائضاً مالياً، تقوم بشراء السندات الحكومية. كما يمكن للبنك المركزي طباعة أموال جديدة لشراء هذه السندات. ومع ذلك، رغم أن هذا الإجراء قد يبدو حلاً سريعاً، إلا أنه غالباً ما يؤدي إلى التضخم المفرط، كما حدث في حالات مثل زيمبابوي، حيث فقدت العملة قيمتها بشكل حاد نتيجة الإفراط في الطباعة النقدية.
بالتالي، فإن آليات اقتراض الحكومات تختلف في مستويات الأمان والمخاطر، ويُفضَّل اقتصادياً الاقتراض من المواطنين أكثر من اللجوء إلى الأسواق الدولية أو البنوك المركزية.
