أثناء الكتابة تُوقظ مناطق في الدماغ مسؤولة عن الفهم والتذكر، فتجد من يخطّون بأقلامهم يحفظون المعلومات أسرع من من يكتبون على الشاشة.
الكتابة على الورق تُعلّم أيضاً الانتظار والتفكير ؛ كل حرف يحتاج ثوانٍ وضغطاً، فيُبطئ الإنسان ويُراجع فكرته قبل الإمساك بالقلم التالي، بدل الانجراف وراء السرعة الرقمية.
نفسياً، الخط اليدوي يُقوّي معرفة الإنسان بنفسه ووضوح مشاعره ؛ يمنحه مساحة يومية يفرز فيها ما يدور في داخله، ولذلك يعتمد عليه المعالجون أداة داعمة للصحة النفسية.
الورق يفرض تسلسلاً منطقياً ؛ لا مجال للنسخ واللصق العشوائي، فيُلزم الكاتب بترتيب أفكاره أولاً ثم تسطيرها، فيخرج التخطيط أرشد والبناء الفكري أمتن.
محبو الورق غالباً يحملون حساً فنياً ؛ يرسمون حدود العناوين، يلونون الحواشي، ويرتبون صفحاتهم بعناية، فيعكس المخطط جانباً جمالياً من شخصياتهم.
الصفحة البيضاء تمنح صمتًا ذهنياً بلا إشعارات أو نوافذ منبثقة، فيُتيح للإنسان إنهاء فكرة واحدة دون مقاطعة، فيزداد التركيز ويطول التفكير.
يظهر لدى هؤلاء ارتباط وجداني بالكتابة اليدوية ؛ يحتفظون بدفاترهم كسجل حيّ للذات والذاكرة، ويفضلون الخصوصية المادية حيث لا تطلع خوارزمية على ما دوّنوه.
باختصار، من يختار الورق ليس رجعياً، بل إنسان يفكر بخطوات هادئة في عالم يجري، يُراعي ترتيب أفكاره ويصغي لنبضه قبل أن يُسقطه على الشاشة.
صوفيا مارتينيز
· 17/10/2025