قلعة أربيل في التاريخ العراقي
هي قلعةٌ سحريّةٌ ممتدّةٌ على الأفق في أربيل ببلاد الرافدين فوق تلّة وسط مدينة أربيل تمامًا ، وتبلغ مساحتها 110 ألف مترٍ مربّعٍ، وتعتبر هذه القلعة منطقةً أثريّةً مهمّةً ، وقد تمّ اكتشاف عشرات المواقع المهمّة داخل القلعة ، كما تمّ إدراجها من قبل منظمّة "اليونيسكو" ضمن قائمة التراث العالميّ منذ 21 من شهر يونيو لعام 2014م .
مازال العمل جاريًا في إعادة إحياء قلعة أربيل الأثريّة رغم الأزمة الاقتصاديّة التي يشهدها إقليم كردستان العراق ، حيث تعدّ القلعة من أقدم المستعمرات البشريّة في التاريخ ، وقد مرّت عليها عصورٌ عديدةٌ وحضاراتٌ مختلفةٌ كالسومريّة والأكاديّة والبابليّة والآشوريّة، وتعرّضت هذه المنطقة لهجماتٍ متعدّدةٍ من جهاتٍ مختلفةٍ من حضاراتٍ أخرى مثل الأخمينيّة والساسانيّة ثم دخلها أخيرًا الفتح الإسلاميّ.
أهمّيّة قلعة أربيل على مدى التاريخ
تمثّل قلعة أربيل التاريخيّة كيانًا حضاريًّا مميّزًا مطلًّا على مدينة أربيل الحديثة عاصمة إقليم كردستان العراق ، وبالرغم من ذلك حافظت القلعة على نسيجها الحضريّ وطابعها المعماريّ على مدى آلاف السنين فتاريخ وجودها يعود إلى حوالي ستة آلاف عامٍ.
حيث يعود تاريخها إلى العصر الحجريّ الحديث ، وعثر فيها على أجزاءٍ من الفخّار يرجع تاريخها إلى تلك الفترة على سفوح التلّ.
وصف قلعة أربيل التاريخيّة
يبلغ ارتفاع القلعة ما بين 28 إلى 32 مترًا وهي ذات شكلٍ بيضاويٍّ ومساحتها تبلغ 11 هكتارًا. ويعدّ الطابوق اليدويّ المادّة الأساسيّة للبناء في القلعة ، أمّا النسيج الحضريّ فهو عبارةٌ عن مجموعةٍ من الأزقّة الضيّقة المتعرّجة والدور التقليديّة المتراصّة ذات الفناء الوسطي.
تصميم قلعة أربيل التاريخيّة من الداخل
للقلعة ثلاثة أحياءٍ رئيسيّةٍ:
-السراي: وتمثّل الجزء الشرقيّ وتضمّ المباني الإداريّة الحكوميّة ودورًا للأغنياء والوجهاء والمسؤولين الحكوميّين.
التكيّة: وهي الحيّ الثاني وتغطّي الجزء الأوسط والشماليّ من القلعة وكانت تضمّ الكثير من المباني الخاصّة بأداء الطقوس الدينيّة
الطونجانة: تمثّل الحيّ الثالث وتغطّي الجزء الغربيّ من القلعة ويسكنها الحرفيّون. ويرجع معنى اسم الطونجانة إلى وجود المدفع الذي يستخدم في الدفاع عن القلعة ضدّ المهاجمين.
أهمّ ما يميّز قلعة أربيل التاريخيّة
التّلة التي تعلوها القلعة هي نتاج التراكمات الطبيعيّة لبقايا الحضارات المتعاقبة على مدى التاريخ عبر آلاف السنين ، وتعود إلى الحقبة التي بدأ فيها الناس باستيطان القلعة التي اشتهرت بوجود معبدٍ للإلهة "عشتار" فيها، وقد ضمّ المعبد مدرسةً دينيةً ومرصدًا فلكيًّا، كما أوى كاهناتٍ لـ"عشتار" يتنبّأن بالمستقبل.
وفي عام 521 ق.م وحّد "داريوس الأول" الملك الأخميني امبراطوريّته إداريًّا وعيّن حاكمًا محلّيًّا لأربيل، أمّا "داريوس الثالث" فاختار أربيل قاعدةً له قبل هزيمته أمام "الإسكندر الأكبر" المقدونيّ في معركة "كوكميلا".
كانت القلعة مركزًا لليهود وبعد ذلك مقرًّا للأساقفة المسيحيّين وكانت القلعة ساحةً للكثير من المعارك بين إمبراطوريّة الروم والساسان واتّخذوا منها عاصمةً للإقليم، لكنّها سرعان ما استعادت أهمّيّتها بعد أن تمكّن من السيطرة عليها "زين الدين زنكي" عام 1126 م، وبعد عام 1190م أصبح السلطان "مظفّر الدين كوكبري" حاكمًا وجعل من أربيل مركزًا ثقافيًّا وتعليميًّا مزدهرًا في المنطقة.
ثم هاجم المغول عام 1232 م المدينة ودمّروها بشكلٍ كبيرٍ لكنّهم فشلوا في الاستيلاء على القلعة إلا بعد مفاوضات منذ عام 1258م إلى عام 1259م.
قلعة أربيل في التاريخ المعاصر
في عام 2012 قرّرت اللجنة العليا لصيانة وتأهيل القلعة أن تختار أماكن سبعةً لإقامة أعمال الحفريّات والتنقيب بها، واستمرّت تلك الأعمال على مدى السنين الثلاثة اللاحقة لذلك القرار حتى عام 2015.
أصبحت القلعة الآن تضمّ دارًا للأزياء الكرديّة ومتحفًا للأحجار الكريمة كما أن اليونيسكو أطلقت مشروع إحياءٍ للقلعة ليمتدّ لمدّة 25 سنةً قابلةً للتمديد، وتقدّم منظمّة اليونيسكو المساعدات الفنّيّة والمشورة في العمل وقد تمّ ترميم الواجهة الخارجيّة والأقسام الموجودة بين الأزقّة الداخليّة للقلعة، وبالرغم من كلّ تلك الأعمال التنقيبيّة إلّا أنّ القلعة مازالت تحمل الكثير من الأسرار عمّا عاشته بين كلّ تلك الحضارات التي اتّخذت منها مركزًا ومقرًّا لها رغم كل ما كشفته لنا من أسرارٍ وحكاياتٍ عن الماضي.