تراث الرباط مزيج بين القديم والحديث

تراث مدينة الرباط تراث ثقافي عالمي شهدت عنه اليونسكو بضم 8 من مواقعها لقائمة اليونسكو للتراث العالمي. وتتميز المدينة بإرث تاريخي وثقافي يمتد على مر العصور وحتى وقتنا هذا تتم إضافة المزيد للأجيال القادمة لتشهده. يمكنك أن تري تراث الرباط كمتحف حي تتجول بداخله لترى تاريخها القديم وحاضرها المثمر أيضا.

تقع المدينة على ساحل المحيط الأطلسي وتم تأسيسها في القرن الثاني عشر على يد خليفة الموحدين عبد المؤمن ابن علي. مزجت المدينة التقليد المغربي القديم مع الهندسة المعمارية الحديثة مما جعل من تراث الرباط شكل مميز يصعب أن يكون له شبيه.

عمارة المدينة وزخارف أبنيتها على مر العصور جعلتها مدينة غنية بالثقافة وفنون المعمار وقد تم المحافظة على هذا الإرث في التصميم الحديث للمدينة لخلق حالة فريدة من التناغم بين الماضي والحاضر وبين الثقافات المتعددة الأندلسية والإسلامية والأوروبية أيضا.

شالة أثر الحضارة الرومانية والفينيقية بالرباط

تعتبر شالة أحد المواقع التي تميز تراث الرباط وواحدة من ضمن قائمة اليونسكو وهي مقبرة إسلامية مبنية فوق حطام ما تبقى من تواجد الرومانيين والفينيقيين بمدينة الرباط. بها آثار القلاع التي تعود للقرون الوسطى لا تزال مرئية بعد أعمال الحفريات.

entry-icon
entry-icon
entry-icon
entry-icon

لا تزال شالة حاملة للعديد من الأسرار والكنوز التي تنتظر التنقيب عنها واكتشافها حيث تم التنقيب في مساحة 4 هكتار فقط بالمنطقة وهي مساحة ضئيلة من المساحة التي شغلها الرومانيين أثناء تواجدهم. وقد تحول الموقع لمقبرة ملكية في عصور لاحقة.

قلعة وحصن قصبة الوداية من تراث الرباط المميز

الصورة عبر freetour

قام أخر أمراء المرابطين وهم المؤسسين للمدينة ببناء حصن القصبة لحماية المدينة، ويعود الحصن للقرن الثاني عشر. بعد انتصار الموحدين على المرابطين قاموا بهدم الحصن وبناء ما يسمى بالقصبة الجديدة وتم توسعتها واستخدامها كمقر مؤقت لحكم الموحدين. تم اعتبار القصبة كنواة لبناء المدينة العتيقة وهي نتاج تراكم عمراني على ممر 1000 سنة.

قصبة الوداية أحد أهم علامات تراث الرباط القديم والتي تسمى أيضا بقصبة المهدية تطل على ساحل المحيط الأطلسي واسمها مأخوذ من أسم قبيلة صحراوية جندها الموحدون لشن هجمات على الأسبان. بعد الموحدين سكن الموريسكيين القادمين من الأندلس القلعة وشهدت بعدها تغيرات عديدة ويعتبر سورها وبابها الأثريين من رموز الفن المعماري الموحدي، وهما أحد أسباب إضافتها لقائمة اليونسكو للتراث العالمي.

صومعة حسان أحد أهم علامات تراث الرباط

الصورة عبر Wikimedia Commons

صومعة حسان هي مئذنة تاريخية لمسجد غير مكتمل بنيت في القرن الثاني عشر على يد السلطان يعقوب المنصور الموحدي وقد تعرضت للضرر أثناء زلزال المغرب وشهدت أعمال ترميم.

ضمت اليونسكو الصومعة لقائمة التراث العالمي. الصومعة مبنية على الطراز الأندلسي وارتفاعها 44 مترا ويوجد في محيطها ضريح الملك محمد الخامس. سميت الصومعة بهذا الاسم نسبة لبني حسان وهم من القبائل الجبلية الشهيرة بالمغرب. يوجد بمحيط الصومعة حدائق أندلسية و18 ينبوعًا للمياه.

حديقة التجارب النباتية

الصورة عبر medomed

تم تصميم الرباط كمدينة خضراء لذا؛ فلا عجب الاهتمام الكبير بالغطاء الأخضر بالحديقة العمومية الأكبر بالرباط. الحديقة عمرها 100 عام وتعد واحدة من المعالم التاريخية للمدينة وقد قام بتصميمها الفنان الفرنسي جان كلود نيكولا فوريستي .

حديقة التجارب النباتية مكونة من قسمين ويقطعها طريق وهي غنية بأشجار الزينة والفاكهة المحلية والاستوائية والصحراوية مثل أشجار التينيات. وتشمل الحديقة متحفا يبرز أهمية الماء والضوء كأحد عناصر الطبيعة ومصدر للحياة. وتضم أيضًا متحفا وطنيًا للفنون الجميلة بالإضافة لحديقة فرنسية وأخرى بريطانية ويوجد بالحديقة أيضًا مركز أبحاث. أنشطة الحديقة المتنوعة تشجع على تنمية السياحة البيئية واحترام الطبيعة وتقف شاهدًا على تراث الرباط الذي يجمع بين الطبيعة والفنون.

أسوار مدينة الرباط الموحدي والأندلسي

الصورة عبر alamy

حينما تكون في مدينة تراثية مثل الرباط، ثق جيدًا أن كل جانب فيها سيشهد على تراثها الخالد، وهذا بالفعل نجده في أسوار مدينة الرباط التراثية والتي تشتهر بها مدينة الرباط. قام ببنائها حكام المدينة عند تأسيسها وتم إجراء تعديلات عديدة على مر العصور وقيمة الأسوار التراثية هي في الفن المعماري المتنوع لكل حقبة ومزج هذه الفنون بوضوح في تصميم الأسوار وطريقة بناؤها.

السور الموحدي تم بناؤه على يد السلطان يعقوب المنصور الموحدي في القرن الثاني عشر وتم بناؤه كخط دفاع للرباط بخمسة أبواب ضخمة وبه أبراج دفاعية. وأحد أبوابه وهو باب الرواج يعد أكثر الأبواب جمالا وأكثرهم زخرفة لذلك له قيمة أثرية وتراثية كبيرة.

أما السور الأندلسي فقد تم بناؤه في القرن السابع عشر علي يد الموريسكيين وهم المسلمون اللاجئين الذين أجبروا على ترك الأندلس بعد انتهاء الحكم الإسلامي بها. يضم السور 3 أبواب ضخمة أهمهم باب سيدي مخلوف وتم أضافة أبواب أخري في عصور لاحقة. كذلك يضم السور 26 برج دفاعي. كلا السوريين وكذلك باب الرواج تم إضافتهم لقائمة اليونسكو للتراث العالمي.

تراث الرباط الحديث في مهرجان جدار "فن الشارع"

الصورة عبر cooltourspain

وفي حاضرنا لم تغفل الرباط تواجد مؤثر لها في عالم الفنون والثقافة لتحمل لنا تراث للحاضر والمستقبل، حيث تستضيف مدينة الرباط سنويا مهرجان جدار منذ عام 2015. وهو مهرجان عالمي لرسم الجداريات على حوائط المباني العالية بالشوارع وهو ما يسمى أيضا بفن الشارع. الأعمال الفنية للجداريات تزين شوارع مدينة الرباط وقد وصل عددها لأكثر من 100 عمل منذ بداية المهرجان حتى الآن.

يمتد المهرجان ل 10 أيام يزور خلالها فناني الشارع العالميين إلي جوار الفنانين المحليين مدينة الرباط لرسم الجداريات. ويجتمع الفنانين المشاركين سويًا في النهاية قبل نهاية المهرجان لرسم جدارية مشتركة.

المهرجان غني بالفعاليات الفنية الأخرى بجوار رسم الجداريات مثل ورش عمل السيريغرافيا وهو فن الطباعة الحريرية باستخدام أحبار ثابتة ودائمة وغيرها من الأنشطة الفنية.

يتم تنظيم المهرجان في فصل الربيع أو الصيف للتمتع بالجولات داخل المدينة واكتشاف ما سبق إنتاجه من الجداريات الرائعة بالمهرجانات السابقة. المهرجان يقدم بيئة مرحبة للفنانين ومحبي الفنون للتعبير عن أفكارهم وممارسة إبداعهم الحر. يمزج الفنانين المنتمين لأصول عربية وأوروبية وأمريكية فنهم بالفن المغربي متأثرين بزيارتهم للمغرب مما يعطي أعمالهم أثر متميز ونادر.

يعد المهرجان علامة من علامات الانتعاش الفني في مدينة الرباط وتعزيز الصداقة بين الشعوب من خلال الثقافة والفنون امتداد لتراث الرباط القديم.

الزربية التقليدية الرباطية فن قديم وصناعة حديثة في آن واحد

الصورة عبر kisas-atfal

الزربية هي نوع من السجاد التقليدي المحلي الصنع من تراث الرباط القديم. يوجد بالمغرب نوعين منها، زربية الأرياف وزريبة الحضر. يتم تصنيع زربية الحضر في مدينة الرباط وتتميز بكثافة صوفها. يتم عمل الزربية اليدوية عن طريق جز صوف الغنم وغسله وتنظيفه في مياه الوديان ثم تمشيطه وصباغته بالنباتات الطبيعية ثم غزل الخيوط الصوفية لتتحول إلى قطع فنية وحكايات مرئية على السجاد.

تتميز زرابي الرباط بأشكال الزهور المختلفة، وفى القرن الثامن عشر ظهرت به تأثيرات شرقية. وتحدد أرضية الزرابي الرباطية بأشكال مربعات أو مثلثات وزخارف نباتية والزريبة الرباطية تشتهر بلون أرضيتها الأحمر وتداخل الزخارف برسومات دقيقة في الوسط والحافة.

يمتزج تراث الرباط القديم والحديث في الزربية حيث تباع الزربية في زنقة القناصلة وقد تم إدخال الميكنة علي هذه الصناعة حديثًا إلا أن الزربية المصنوعة باليد تعد الأجمل والأقيم حتى الآن. تهتم وزارة الصناعة التقليدية بهذه الصناعة ولذلك تقوم بمراقبة الجودة على جميع القطع قبل بيعها في سوق زنقة القناصلة يومي الإثنين والخميس من كل أسبوع وبعد فحص كل قطعة يوضع ملصق على ظهرها لتحديد قيمة وجودة القطعة مما يحدد سعرها ولا يمكن بيع أي قطعة قبل وضع الملصق عليها.

المسرح الكبير تحفة زها حديد المعمارية

الصورة عبر time

المسرح الكبير بمدينة الرباط يعد تحفة معمارية وتراث رباطي مميز وهو من أحد الأعمال الفنية المميزة للمهندسة المعمارية والفنانة الراحلة زها حديد. وقد وضع المسرح مدينة الرباط على خريطة العواصم الثقافية العالمية. استوحت زها حديد تصميم المسرح من نهر الرقراق المغرب الذي يجري بين مدينة الرباط القديمة وسلا والذي يقع المسرح على ضفافه.

مبنى المسرح عبارة عن كتلة نحتية مميزة منسابة في خطوط منحنية. التصميم ساهم في دمج المسرح بالطبيعة من حوله. يتميز التصميم من الداخل بالشكل النحتي الغريب مع تداخلات الإضاءة الطبيعية وهو ما يميز معظم أعمال زها حديد. المسرح هو أكبر مسرح بقارة أفريقيا وتتسع صالته الرئيسية ل 2000 فرد وقد تم تجهيز المسرح بأحدث التقنيات البصرية والسمعية والتكلفة الإجمالية للمسرح 100 مليون يورو.

حينما تسير في شوارع الرباط تتنفس تراث الماضي العريق وتتأمل في تراثها الحديث.

المزيد من المقالات