الرجل الأقل حظًا في العالم: نجا من قنبلتين ذرّيّتَين
كان المهندس البحري تسوتومو ياماغوتشي يعمل في مدينة هيروشيما اليابانية في عام 1945. وبينما كانت الحرب العالمية الثانية مستعرةً في المحيط الهادئ، تمكّن من الاستمرار في تصميم السفن وناقلات النفط للبلاد.
في 6 آب (أغسطس) 1945، بعدما أنهى مشروعًا مدّته ثلاثة أشهر وكان يستعد للعودة إلى منزله لرؤية زوجته وابنته، لاحظ ياماغوتشي طائرةً تحلّق في سماء المنطقة. سقط شيء من الطائرة، تمّ إبطاؤه بواسطة المظلة، وكان هذا الشيءُ قنبلةً ذرية.
قفز ياماغوتشي إلى خندق قريب عندما انفجرت القنبلة في السماء، وكانت الطائرةُ المُسمّاة إينولا جاي والتي أسقطت العبوة، قد استهدفت المدينة على بعد ميلين فقط من المكان الذي اختبأ فيه ياماغوتشي. أدى الانفجار إلى طيرانه ودورانه في الهواء، حيث هبط في رقعة بطاطس قريبة. عندما فتح عينيه، لم يتمكن من رؤية أي شيء، إذ كان العالَمُ أسودَ بالكامل.
لم يتسبّب الانفجار النووي في إصابته بالعمى، بل -بدلاً من ذلك- حجبَ الشمسَ بسحابة هائلة من الغبار. أصيبت ذراعا ياماغوتشي ووجهه بحروق بالغة وتمزقت طبلة أذنيه، ومع زوال الحطام شيئاً فشيئاً، رأى سحابةً شبيهةً بالفطر شاهقةً فوق المدينة.
الوصول للبيت
أدى الانفجار إلى مقتل حوالي 80 ألف شخص على الفور، ولكن بعد أن التقى ببعض زملائه الناجين في حوض بناء السفن ميتسوبيشي، شقّ ياماغوتشي طريقَه نحو ملجأٍ من الغارات الجوية. في الصباح، سمع أن محطة القطار نجت بطريقة ما وأن الناس كانوا يندفعون إليها بجنون، على أمل الهروب من المدينة.
كان ياماغوتشي لا يزال مصابًا، وشقّ طريقه عبر مدينة مليئة بالمباني المتهالكة والحرائق والجثث الذائبة في الشوارع. وفي مرحلة ما، كان عليه أن يسبح عبر نهر مليء بالجثث المحترقة. وصل ياماغوتشي في النهاية إلى القطار واستقرّ فيه ليلاً حيث نقله إلى مسقط رأسه في ناغازاكي.
العد التنازلي
عندما وصل ياماغوتشي إلى المنزل، لم تتعرف حتّى زوجتُه وابنته على الرجل المُحترق الذي كان يقف أمامهما. كانت زوجة ياماغوتشي على معرفةٍ بأن زوجَها كان في هيروشيما، واعتقدت أن جسدَه المُضمَّد قد يكون شبحًا. وبعد أن تلقى الرعاية الطبية أخيرًا، انهار في السرير طوال الليل.
في صباح اليوم التالي، عاد ياماغوتشي إلى عمله كأي يوم آخر، لكنّ رؤساءَه أجلسوه لاستجوابه بشأن الأحداث التي وقعت في هيروشيما. أوضح ياماغوتشي ما رآه، لكنّ رؤساءَه لم يصدقوه، إذ اعتقدوا أنه من المستحيل أن تسبّبَ قنبلةٌ واحدة كلَّ هذا الدمار.
خلال هذا الاجتماع أضاءت السماء بالنار مرة أخرى. تمّ تدميرُ المبنى وتطايرت ضماداتُ ياماغوتشي، ولكنه نجا مرة أخرى. هرع ياماغوتشي إلى المنزل قلقًا على عائلته، والحمد لله كانوا محظوظين بالقدر نفسِه.
ما بعد الكارثة
على الرغم من أن ياماغوتشي هو الناجي المزدوج الوحيد المعترف به رسميًا من القصف الذري، فقد اختبر وعانى ما يصل إلى 165 شخصًا كلا السلاحَين الذرِّيَّين بشكل مباشر. بالرغم من إصابة ياماغوتشي بالتسمم الإشعاعي، فقد بقي على قيد الحياة حتى عام 2010، وأصبح في نهاية المطاف نصيراً صريحًا لنزع السلاح النووي.