ثقافة إثيوبيا بين شعبها وعجائبها وقهوتها المميزة

ثقافة إثيوبيا عالم لا ينتهي من المتعة والمعرفة والعجائب نحاول اكتشاف بعضًا من جوانبه. إثيوبيا هي مملكة أكسوم القديمة وقد عثر فيها على أقدم هيكل بشري وعمره أكثر من 4 ملايين سنة وكذلك عثر فيها على بقايا عظمية للإنسان العاقل الأول (هومو سابين) والإنسان الأول المنقرض (هومو سابينس إيدالتو)، وتعتبر الدولة الأفريقية الأقل استعمارًا والأكثر استقلالًا، فقد تم استعمارها لخمس سنوات فقط من الإيطاليين وعاصمتها أديس أبابا. كلمة إثيوبيا باليونانية تعني الوجه المحروق أو البني اللون. أما اسمها الأقدم وهو الحبشة فكان يعني الأجناس المختلطة وذلك إشارة لاختلاط الساميين والحاميين. ويعتقد بعض العلماء أن إثيوبيا هي الموطن لأول مجموعة بشرية تتحدث اللغة الأفرو آسيوية. وهي الثانية أفريقيًا من حيث عدد السكان والذي تعدى ال 120 مليون نسمة، والتركيبة السكانية يغلب عليها صغار السن، حيث 50 % من السكان تحت سن الخمسة وعشرين عاما. تنوع ثقافة إثيوبيا بشكل كبير بسبب وجود أعراق وقبائل ولغات وديانات متعددة لذلك يطلق عليها متحف الشعوب. إلا أنك ستلاحظ أن الشعب الإثيوبي كله يجتمع على تقدير هويته الإثيوبية بشكل كبير ويعتز بأصله وأخلاقه وإرثه الثقافي، ويشتهر الإثيوبيون بكونهم شعبًا مرحبًا ومتعاونًا. الطريف في الأمر هو إن الرحلة إلى ثقافة إثيوبيا هي رحلة عبر الزمن بالرجوع للماضي وذلك ليس على سبيل التشبيه وإنما هو واقع غريب حيث إن إثيوبيا الآن في عام 2016 وليس 2024 مثل كل دول العالم وذلك لإتباعهم تقويم مصري قبطي قديم مختلف عن التقويم المتبع في الدول الأخرى. وهذا التقويم يتكون من 12 شهر كل شهر 30 يوما بالإضافة لشهر 13 يكون 5 أيام فقط. ولا تنتهي الغرابة عند التقويم بل في طريقة حساب الوقت أيضًا فاليوم يبدأ في إثيوبيا عند شروق الشمس وليس بعد منتصف الليل مثل باقي الدول وبالتالي فأن الساعة 7 صباحا هي فقط الساعة 1 صباحا في إثيوبيا.

ثقافة إثيوبيا تبدأ من لغاتها مع أكثر من 100 لغة

قبل أن تسافر إلى أي دولة في العالم يأتي لذهنك سؤال ما هي اللغة التي تتحدثها الدولة؟ في معظم الأحيان تسمع بثلاث لغات أو أكثر في الدول التي بها العديد من القبائل أو الجزر إلا أنك نادرًا ما تسمع عن دولة تتحدث أكثر من 80 لغة. في ثقافة إثيوبيا أنت في متحف الشعوب وعلى موعد مع رقم لا نهائي من اللغات واللهجات.

نذكر أهمها وأكثرها انتشارًا الأورومية وهي لغة الأورومو الذين يمثلون أكبر مجموعة عرقية بنسبة 34 % من السكان. يشعر الأورومو بأنهم مهمشون رغم كبر عددهم ويطالبون دائما بمزيد من الحقوق ويتميزون باحترامهم الكبير لكبار السن حيث يعتبرونهم الأكثر حكمة ويعتمدون عليهم في أهم القرارات ولهم تقويم خاص بهم.

يليهم الأمهرة وهما 27 % ويستعملون اللغة الأمهرية ويشتهرون باستخدامهم للأساطير لتلقين الأخلاقيات للأطفال ويتبعون النظام الأبوي ويؤمنون بقوامة الرجل ويتبعون الإسلام. الأمهرية هي اللغة الرسمية للدولة وحتى القبائل الأخرى ذات اللغات المحلية الأخرى تستخدم اللغة الأمهرية كلغة محلية ثانية.

ثالث لغة تنتمي إلى التيغراي وتمثل 6 % من السكان وتسمي التيغرينية (أو التيجرينية) وهم قبائل يحبون الشعر والألغاز والتسلية ولهم طقس خاص لتسمية الطفل ولا تقام جنازة للطفل إذ مات قبل تسميته. الصوماليون المستقرين بإثيوبيا يمثلون 6 % أيضًا لذا فأن اللغة الصومالية منتشرة بشكل كبير ومعروف عن الصوماليين بإثيوبيا اعتبارهم اليد اليمنى نظيفة واليسرى محرمه ويدينون بالإسلام.

في ثقافة إثيوبيا اللغوية نجد أيضًا اللغة العربية والتي لها وجود لا يستهان به، وقد دخلت قديمًا مع التجار قبل دخول اللغات الأوروبية مثل الإنجليزية والإيطالية. انتشرت اللغة العربية بالتجارة واستقرار الكثير من التجار على السواحل، ثم انتشرت بصورة أكبر مع دخول الإسلام. معظم الأثيوبيين المسلمين يتحدثون العربية حتى كلغة ثانية مع لغتهم المحلية وتدرس في بعض المدارس الخاصة الإسلامية أيضًا. أخيرًا تعتبر اللغة الإنجليزية هي اللغة الأجنبية بإثيوبيا وتستخدم في المدارس الثانوية والجامعات إلى جانب المعاملات التجارية والاتصالات الدولية.

ثقافة المطبخ الإثيوبي ومملكة التوابل

الطعام هو أحد أبوابك للتعرف على تراث أي دولة، والمطبخ الإثيوبي بصفة خاصة جزء لا يمكن إهماله من الهوية الأثيوبية. مع العدد الضخم من القبائل والثقافات والوصفات المختلفة ستتخيل مطبخًا معقدًا، ولكن في الحقيقة المطبخ الإثيوبي يميل بالأكثر لكونه السهل الممتنع. يكفيك أن تستوعب التوابل الغنية للمطبخ الإثيوبي حتى يمكنك تمييز معظم الوصفات الأثيوبية حتى إذا تناولتها في أي مكان في العالم.

entry-icon
entry-icon
entry-icon
entry-icon

يعتمد الإثيوبيون مجموعة من التوابل التي تدخل في معظم أكلاتهم، واختيارهم من التوابل مبني على فوائدها الصحية، علي سبيل المثال يختارون الزنجبيل لمساعدته علي الهضم، والثوم والفلفل اللذان يقويان الجهاز المناعي، أما الكركم لكونه مضاد طبيعي للالتهابات، وغيرهم الكثير من التوابل التي لا تخلو وصفة منهم.

خبرز الإنجيرا المصنوع من حبوب التف وهي أصغر حبوب في العالم هو قاعدة الطعام الإثيوبي في كل الوجبات وهو خبز إسفنجي خال من الجلوتين. صلصلة البربري المكونة من مجموعة من التوابل تدخل في معظم الوجبات إما بخلطها أو تقديمها كصنف جانبي يغمس فيه الطعام قبل الأكل.

ينقسم المطبخ الإثيوبي لمطبخ الشمال والذي يعتمد بصفة كبيرة على الأكلات النباتية مستخدما الخضروات كأساس وذلك حيث معظم السكان من المسيحيين والذين يتناولون الأكل النباتي لمدد طويلة طوال العام أثناء الأصوام الكنسية. أما المطبخ الجنوبي فمعظمه ينتمي للمسلمين من الإثيوبيين ومعظم الوصفات تستخدم لحوم البقر واللحم الضأن والدواجن.

ثقافة إثيوبيا في تقديم الطعام أن يكون هناك طبق كبير بالوسط ويشترك الجميع في الأكل منه. من أشهر الأكلات الإثيوبية نذكر الشيرو وهو حمص وفاصوليا بالثوم والبصل والفلفل الحار. فيرفير وهي بقايا خبز الإنجيرا والتي تطهي مع صلصة البربري أو البصل أو الزبدة، وكذلك فيت فيت وهي مزج الزبدة والتوابل مع الإنجيرا، ويقوم الإثيوبيون بصنع زبدهم الخاص والذي يضاف له التوابل أثناء إعداده، لذلك فطعمه مختلف عن أي زبد في أي مكان آخر في العالم. نذكر أيضا كيتفو وهو لحم بقر نيئ مطحون مع الزبدة الإثيوبية والتوابل مثل الفلفل الحار والملح. وكذلك تيبس وهي قطع لحم مقلية في الزبدة وتطبخ مع البصل الأحمر والفلفل الأخضر وصلصة البربري. ولا ننسي حساء دورو وات وهو حساء دجاج. وأخيرًا الوات وهو الطبق الوطني لإثيوبيا وهو عبارة عن يخنة حارة ويصنع من لحم البقر أو الدجاج أو الضأن أو السمك والنباتي منه يصنع من العدس أو الخضروات.

ثقافة الإثيوبيين وعادتهم تمثل هويتهم الوطنية

صورة من pixabay

لا يمكننا وضع قالب أو شكل محدد لثقافة إثيوبيا الشعبية، فعادتهم وتقاليدهم وثقافتهم متنوعة ومتباينة حيث كل إقليم يجسد شكل مختلف من التراث الثقافي والفني. تأثرت ثقافة إثيوبيا باليهودية والمسيحية والإسلام، إلى جوار التراث الشعبي الأسطوري المتأثر بمملكة الحبشة واليمن ومملكة سليمان الحكيم القديمة، إلى جوار التأثيرات الأجنبية التي دخلت عن طريق الأدب المترجم.

أطيب التمنيات

الاحتفالات والأعراس بإثيوبيا هي مهرجانات للرقص الشعبي والفلكلور، الذي يختلف باختلاف القبائل والمجموعات العرقية حتى الملابس التقليدية والموسيقي لها طابع خاص ومختلف في كل قبيلة. شرف العائلة في إثيوبيا يتأثر بتصرفات أفرادها، ويتمسك الشعب الإثيوبي بوحدة العائلة والاحترام المتبادل، ويعيش كبار السن مع المتزوجين من أبنائهم لتتم رعايتهم وينالون الاحترام بشكل كبير، ويلاحظ دائما الانحناء أمام كبار السن خصوصًا من الأطفال والغرباء. تلعب هذه العادات دورًا أساسيًا في تعزيز الهوية الوطنية. أما طقوس الزواج فتختلف باختلاف القبائل، إلا أن العرس يستمر لأيام ويتم تبادل الهدايا والاشتراك في الطعام بين الأسرتين. ويهتم الإثيوبيون بالأعياد الدينية بشكل كبير سواء المسيحية أو الإسلامية أو حتى العبادات المحلية الأخرى.

هرر مدينة الضباع المروضة بإثيوبيا

صورة من pixabay

هرر هي مدينة قديمة بإثيوبيا، وتعتبر أول مدينة إسلامية في إثيوبيا، وقديمًا لم يكن يسمح لغير المسلم بدخولها إلا أن ذلك قد تغير وأصبح المسلمون والمسيحيون يعيشون فيها سويًا والآن تضم المساجد والكنائس أيضًا، كما إنه ينتشر استعمال اللغة العربية في هرر.

تظهر ثقافة المدينة الإثيوبية هرر ، في طرازها المعماري المميز والذي يختلف عن كل مدن إثيوبيا، وهي محاطة بسور بالكامل عمره 500 عام وقد تم بناؤه لحماية المدينة من الهجمات البشرية والحيوانات المفترسة أيضًا، ولها خمسة أبواب ويسميها البعض مكة إثيوبيا ويعتبرونها رابع أقدس مدينة.

بيوت المدينة تقليدية تشبه في طرازها بيوت دمشق القديمة وفيها حس فني. البيوت عبارة عن ساحة في المنتصف وحجرات وتزين الحوائط داخل ساحة البيت بأواني الطهي الملونة ذات الزخارف. بعض بيوت المدينة عمره 900 عام لذلك يطلق البعض على المدينة متحف الحياة. المدينة بالكامل مسجلة في اليونيسكو كأحد مواقع التراث العالمي حيث تاريخ الألف عام.

ولكن عندما تسمع عنها ستسمع بالتأكيد عن الضباع والصقور وكيف تألف المدينة على وجودهم بشكل غريب. عند الليل تخرج كل الضباع للشوارع ويطعمها بعض سكان المدينة بأيديهم اللحوم النية، وتنتخب المدينة مجموعة من الأسر المسؤولة عن عملية إطعام الضباع. ترويض الضباع بتلك الطريقة تحمي أهل المدينة، حتى أن الضباع لا تأكل مواشيهم وتطيعهم أيضًا، أنها مروضة بالكامل. أما في الصباح فتري عددًا كبيرًا جدًا من الصقور التي تحلق في افق المدينة، ويطعمها البعض بأيديهم أيضًا. زيارة هرر حقًا هي تجربة فريدة لمحبي التاريخ والتراث وعجائب الحيوانات.

إثيوبيا موطن عشاق القهوة

صورة من unsplash

القهوة هي المشروب الثاني الأكثر استهلاكًا بعد الماء عالميًا، وإذ كنت من عاشقي القهوة مثل ملايين البشر فإنك ستتمتع بالقهوة الإثيوبية وأساطير نشأتها في موطنها الأصلي إثيوبيا، والذي تزرع به معظم القهوة المستخدمة عالميًا. تعود زراعة القهوة للقرن التاسع حيث اكتشفت حبوبها في مدينة كافا (والتي اشتق منها اسم القهوة) واستخدمت كغذاء ومشروب وحتى كدواء.

في ثقافة إثيوبيا نجد الكثير من الأساطير عن نشأة القهوة، أكثرها شيوعا قصة راعي الماعز الذي اكتشف نشاط غير طبيعي على قطيعه عند تناولهم ثمار القهوة فمضغ بعضها وشعر بنشوة كبيرة وأخذ منها لأحد الرهبان في دير قريب والذي بدوره رفض تناولها وألقي بها في النار فلاحظ باقي الرهبان انبعاث رائحة قوية من الحبوب عند تحميصها فخلطوها بماء ساخن وجربوا شربها وهنا ولد أول فنجان قهوة في العالم.

القهوة الأثيوبية تمثل 65 % من صادرات إثيوبيا ويتم إنتاجها بثلاث طرق. نظام الغابات وهو ينتج دون أي تدخل بشري، ونظام الكوخ (المزرعة الصغيرة) وهو الأكثر شيوعًا، حيث تزرع مجموعة من الأشجار في الفناء الخلفي للأكواخ وتحصد يدويًا، وأخيرًا نظام المزارع ويتم حصاده آليًا وهو منتشر بشكل أكبر الآن.

يفضل الكثير من الإثيوبيين حبوب القهوة الخضراء المطحونة لاحتوائها على حمض الكلوروجينيك الذي يبطئ امتصاص الكربوهيدرات ويساعد على تكسير الدهون. لا يفوتك بائعو القهوة في شوارع إثيوبيا حيث يعدون القهوة في إناء فخاري على الجمر، وتصب في فناجين صغيرة مميزة.

تتنوع القهوة الإثيوبية بين الطعم الحلو والطعم الحامض، ولها أنواع عديدة، نذكر منها قهوة هرار من مدينة هرر ولها تأثيرات عربية وهندية، وقهوة أرابيكا والتي تمثل 90 % من القهوة المزروعة وهي الأكثر انتشارًا عالميًا، ومذاقها معقد ولكن نكهتها ليست الأكثر قوة وتشبهها قهوة كاتورا . قهوة ميلوكاتوكوش وهي نوع نادر وتزرع على المرتفعات ويجب حصادها يدويًا، وقهوة شيروشوكلو وهي القهوة الوطنية لإثيوبيا وتتميز بحبوبها الكبيرة.

تحمص القهوة الإثيوبية بشكل غامق وبها نسبة عالية من الكافيين، والحقيقة أن طريقة إعدادها هي ما تضفي عليها مذاق ونكهة فريدة. ودخول القهوة السوق الإلكتروني وبيعها من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، أعطي دفعة كبيرة لنسبة مبيعاتها خاصة بين صغار السن وبصفة خاصة السريعة التحضير منها وهي قهوة منكهة ومخلوطة.

صورة من unsplash

ثقافة إثيوبيا بين شعبها وعجائبها وقهوتها المميزة، رحلة لا تفوتك سترى فيها من العجائب والغرائب والمعلومات التي لا تنتهي. ما بين ثقافة إثيوبيا اللغوية المتنوعة ومطبخها الغني بالتوابل وعجائب مدنها وأخيرًا قهوتها التي تميزها.

المزيد من المقالات