علماء الفيزياء يحددون كيفية تقطيع البصل بأقل كمية من الدموع

قليلٌ ما تُضاهي تجارب المطبخ إحباطًا من تقطيع البصل مع المعاناة من سيلان الدموع والشعور بالوخز. يحدث هذا التفاعل الشائع نتيجةً لإطلاق مركبات كيميائية عند تقطيع البصل، مما يُثير سلسلةً من الأحداث التي تُهيّج العينين. المُسبّب لهذا التهيج هو أكسيد سين-بروبانثيال-S، وهو غاز متطاير يتكوّن عند تعرّض خلايا البصل للتلف. يرتفع هذا الغاز في الهواء، ويتلامس مع رطوبة العين، مُثيرًا إحساسًا حارقًا، مما يدفع الجسم إلى إنتاج الدموع كآلية دفاعية. لطالما سعى الفيزيائيون وعلماء الأغذية إلى إيجاد طرق لتخفيف هذا التفاعل، من خلال دراسة الخصائص الكيميائية للبصل، وتقنيات التقطيع، والعوامل البيئية التي تُؤثّر على انتشار الغاز. وقد دفع فهم كيفية إطلاق خلايا البصل لهذه المركبات الباحثين إلى اقتراح استراتيجيات مُحدّدة يُمكن أن تُقلّل بشكلٍ كبير من تهيج العين أثناء الطهي. وقد استكشفت الدراسات الحديثة السلوك الجزيئي، وطرق التقطيع الميكانيكية، ومتغيرات درجة الحرارة لتحسين تجربة التقطيع وتقليل الانزعاج. بالإضافة إلى ذلك، استكشف العلماء دور العوامل الوراثية في تحديد قدرة البصل على إحداث الدموع. تُنتج أنواع البصل المختلفة مستويات متفاوتة من سين-بروبانثيال-إس-أكسيد، وغالبًا ما يُسبب البصل الأكثر حلاوةً تهيجًا أقل من الأنواع الأقوى والأكثر نفاذة. هذا يشير إلى أن التعديل الوراثي أو التهجين الانتقائي قد يؤدي إلى إنتاج بصل يُطلق موادًا مُهيجة أقل، مما يُقدم حلًا محتملًا طويل الأمد لهذه المشكلة.

صورة بواسطة Merve على pexels

تقنيات تقطيع مُحسّنة لتقليل الدموع

تلعب طريقة تقطيع البصل دورًا هامًا في التحكم في إطلاق المركبات المُسببة للدموع. تشير الأبحاث إلى أن تقطيع البصل على طول أليافه، بدلًا من تقطيعه عرضيًا، يُقلل من تمزق الخلايا، مما يُقلل من كمية الغازات المتطايرة المُنطلقة. تُرتّب طبقات البصل بشكل مُتمركز، ويُقلل التقطيع الموازي لهذه الطبقات بدلًا من التعامد من تنشيط الإنزيمات، مما يُقلل من مُعدّل انبعاث المُهيجات في الهواء. ومن الاستراتيجيات الأخرى الفعّالة استخدام سكين حاد بدلًا من سكين غير حاد. فالشفرة غير الحادة تُسحق خلايا البصل بدلًا من تقطيعها بدقة، مما يُؤدي إلى طرد المزيد من المُهيجات. في المقابل، تُجري السكين الحادة قطعًا دقيقة، مما يُقلل من كمية الغازات المُنطلقة ويُخفّض التهيّج بشكل كبير. يُوصي العلماء أيضًا بتبريد البصل قبل تقطيعه. فعندما يكون البصل باردًا، يتباطأ التفاعل الإنزيمي، مما يُقلل من مُعدّل إنتاج أكسيد سين-بروبانثيال-S. إن حفظ البصل في الثلاجة لمدة 30 دقيقة قبل تقطيعه يُحدث فرقًا ملحوظًا في تقليل إزعاج العين. في المطابخ الاحترافية، طُرحت طرق تقطيع عالية السرعة، مثل التقطيع بالليزر، كحل بديل. تُحدث هذه التقنية أدنى حد من الاضطراب الخلوي مقارنةً بالسكاكين التقليدية، مما يعني إطلاق مواد مُهيجة أقل. على الرغم من أن تقطيع البصل بالليزر ليس عمليًا بعد للطهاة المنزليين، إلا أنه يُقدم إمكانيات مثيرة لمستقبل تحضير الطعام دون دموع. علاوة على ذلك، جرب بعض الباحثين نقع البصل في الخل أو الماء المالح قبل تقطيعه، مما يُساعد على تكسير الإنزيمات المسؤولة عن إنتاج الغاز المُهيج. وبينما تُغير هذه الطريقة طعم البصل قليلًا، إلا أنها قد تكون مفيدة في الوصفات التي تُكمل فيها الحموضة الطبق.

صورة بواسطة Aлександар Габона على pexels

استراتيجيات بيئية للحد من تهيج العين

إلى جانب تقنيات التقطيع، تلعب العوامل البيئية دورًا هامًا في تقليل الدموع الناتجة عن البصل. تُعد التهوية من أكثر الطرق فعالية لتشتيت المركبات المهيجة بسرعة قبل وصولها إلى العينين. يُؤدي تقطيع البصل بالقرب من مروحة تعمل، أو فتحة تهوية، أو نافذة مفتوحة إلى تحويل الغاز بعيدًا عن الوجه، مما يُوفر راحة كبيرة. ومن الطرق الأخرى تقطيع البصل تحت الماء أو شطفه قبل تقطيعه. يعمل الماء كحاجز طبيعي، يمنع أكسيد سين-بروبانثيال-S من الارتفاع في الهواء. يُوصي بعض الطهاة بارتداء نظارات واقية، تحمي العينين من التهيج، على الرغم من أنها غالبًا ما تُعتبر غير عملية للطهي غير الرسمي. ومن المثير للاهتمام أن بعض الفيزيائيين اقترحوا استخدام بيئات ذات ضغط هواء سلبي، حيث يتم التحكم في تيارات الهواء لسحب المركبات المتطايرة بنشاط بمجرد إطلاقها. على الرغم من أن هذا المفهوم يقتصر حاليًا على المطابخ الاحترافية والمختبرات التجريبية، إلا أنه قد يُلهم تصميمات مستقبلية للأجهزة المنزلية التي تهدف إلى التخلص تمامًا من الدموع الناتجة عن البصل. بالإضافة إلى ذلك، يستكشف بعض علماء الأغذية محيِّدات كيميائية يمكن رشّها على البصل قبل تقطيعه للتخلّص من المركبات المهيجة. يمكن تطوير هذه المحاليل إلى منتجات تجارية، مما يوفر طريقةً سهلةً للتخلّص من الانزعاج المصاحب لتحضير البصل.

صورة بواسطة cottonbro studio على pexels

ابتكارات مستقبلية في تحضير البصل دون دموع

مع استمرار تقدم علوم الأغذية، يستكشف الباحثون طرقًا لتعديل البصل وراثيًا للحد من آثاره المسببة للدموع. وقد نجحت بعض المختبرات في هندسة بصل منخفض التهيج يُطلق مركبات متطايرة أقل عند التقطيع، على الرغم من أن هذه الأنواع غير متوفرة على نطاق واسع حتى الآن. ومن مجالات البحث الواعدة الأخرى استخدام مُعادلات كيميائية تُقاوم أكسيد سين-بروبانثيال-S عند إطلاقه. ويدرس العلماء حاليًا استخدام بخاخات وطلاءات لألواح التقطيع قادرة على امتصاص أو إبطال مفعول المادة المهيجة قبل أن تنتشر في الهواء، مما يوفر حلاً عمليًا أكثر لطهاة المنازل. بالإضافة إلى ذلك، قد تتضمن تقنيات المطبخ المستقبلية أنظمة متقدمة لتنقية الهواء تلتقط المواد المهيجة وتُحيّدها فورًا قبل وصولها إلى العينين. قد تُمهد هذه الابتكارات الطريق لتجربة خالية تمامًا من الدموع، مما يُحدث ثورة في كيفية تحضير الطعام. ومع استمرار الباحثين في تحسين أساليب تقطيع البصل مع تقليل الدموع، من المرجح أن يُشكل الجمع بين تقنيات التقطيع المُحسّنة والتهوية الجيدة والتعديلات الجينية المُحتملة مستقبل تحضير البصل. إلى أن تصبح هذه الحلول المتقدمة شائعة، يمكن لطهاة المنازل اتباع أساليب استراتيجية - مثل استخدام سكين حاد، وتبريد البصل، وتحسين تدفق الهواء - لجعل تجربتهم في الطهي أكثر متعة. في نهاية المطاف، تتطور تجربة المطبخ مع الاكتشافات العلمية، ومع كل ابتكار، نقترب من جعل الطهي أكثر كفاءة وراحة. وبينما قد لا يتحقق حلم البصل الخالي من الدموع بالكامل بعد، فإن المستقبل يَعِد بإمكانيات مثيرة قد تُحوّل هذه المهمة المُرهقة إلى عملية سهلة وخالية من المتاعب.

أكثر المقالات

toTop