دراسة جديدة تعيد النظر في كيفية نشأة اللغة

ADVERTISEMENT

ربما تكون اللغة — النسيج الغني من الكلمات والقواعد النحوية والقصص والحجج والعواطف —السمةَ الأكثرَ تميزًا لجنسنا البشري. ولكن كيف نشأت، ومتى؟ تشير موجة جديدة من الأبحاث في عام 2025 إلى أننا قد نضطر إلى إعادة التفكير في الافتراضات التي طالما اعتنقناها. فبدلاً من أن تكون اللغة قد نشأت بـشرارة تطورية واحدة، ربما تكون نتيجة نسيج معقد من علم الأحياء والثقافة والتعاون والزمن.

ليست شرارة واحدة، بل خيوط عديدة:

لعقود من الزمن، اعتمد العديد من نظريات أصل اللغة على فكرة حدوث طفرة مورثية واحدة بارزة، تحسين منح البشر فجأة القدرة على الكلام. لكن هذا الرأي يواجه تحديات متزايدة. في تشرين الثاني / نوفمبر 2025، اقترحت ورقة بحثية واسعة النطاق ومتعددة التخصصات، نُشرت في مجلة Science، إطارًا جديدًا: بدلاً من جذر واحد، نشأت اللغة من تفاعل قدرات متعددة — حيوية وإدراكية واجتماعية وثقافية — لكل منها تاريخها الخاص.

ADVERTISEMENT

قراءة مقترحة

وفقًا للمؤلفين، ظهرت اللغة عندما اجتمعت ثلاثة شروط على الأقل:

• قدرة حيوية على تعلم الصوت والمرونة المعرفية،

• قدرة على التفكير النحوي أو التفكير الرمزي المنظم،

• بيئة اجتماعية وثقافية تدعم التعاون والتعلم ونقل الرموز.

في هذا النموذج، لم تكن هناك طفرة أو لحظة واحدة أنشأت اللغة. بدلاً من ذلك، نشأت اللغة ببطء — في تقارب حيوي ثقافي — على مدى أجيال عديدة وعبر العديد من السكان.

وهذا يعني أن اللغة قد لا تكون ثورة مفاجئة، بل هي تطور طويل متعدد المراحل.

إلى أي زمن تعود هذه القصة؟

دراسة منفصلة أجريت عام 2025 لم تركز على الآثار أو العظام، بل على مورثاتنا. من خلال دراسة البيانات المورثية لمجموعات بشرية من جميع أنحاء العالم، خلص العلماء إلى أن القدرة على اللغة يجب أن تكون موجودة منذ 135,000 عام على الأقل — وربما قبل ذلك. وحجتهم على ذلك إحصائية: نظرًا لأن جميع المجموعات البشرية الحديثة تتحدث لغات، وجميع اللغات تنحدر على الأرجح من لغة أصلية قديمة، فإن الانقسام بين المجموعات البشرية المبكرة يعني أنه بحلول الوقت الذي انقسموا فيه، كان أسلافنا يمتلكون بالفعل الأدوات المناسبة للغة.

ADVERTISEMENT

بالنظر إلى أن جنسنا البشري، الإنسان العاقل، ظهر منذ حوالي 230,000 عام، فإن هذا يدفع بظهور القدرة اللغوية إلى عمق الماضي، قبل ظهور الزراعة والكتابة والحضارة بوقت طويل.

ولكن المورثات تخبرنا عن القدرة، وليس بالضرورة عن التعقيد. تشير الدراسات إلى أنه في حين أن الدماغ والجهاز الصوتي ربما كانا ”جاهزين“، فإن الاستخدام الاجتماعي للغة مع قواعد نحوية كاملة ربما استغرق وقتًا أطول. التاريخ المقدر لبدء استخدام اللغة على نطاق واسع في المجتمع: منذ حوالي 100,000 عام.

الصورة بواسطة Europeana على unsplash

ربما نشأت الكلمات الأولى من الحاجة إليها – لوحة للفنان السلوفيني إيفان زابوتا

من أين جاءت الكلمات الأولى؟

إذا لم تكن اللغة طفرة مفاجئة بل ظهرت تدريجيًا، فربما تكون آثارها المبكرة مخفية في الحيوانات. كشفت دراسة ميدانية أجريت عام 2025 على الشمبانزي البري عن شيء مذهل: يجمع الشمبانزي بين النداءات البسيطة في تسلسلات منظمة — ليست ضوضاء عشوائية، بل تركيبات تغير أو توسع المعنى.

ADVERTISEMENT

سجل الباحثون أكثر من 12000 صوتًا وحددوا ما لا يقل عن 16 تركيبة مختلفة من نداءين. كانت بعض التركيبات من مفردتين (مثل ”طعام + راحة“)، وكان بعضها الآخر يحمل معنىً اصطلاحيًا مختلفًا عن الأجزاء المكوّنة لها. يشير هذا إلى وجود بناء جملة بدائي — القدرة على دمج الوحدات لإنتاج معاني جديدة.

لا تعني هذه النتائج أن الشمبانزي لديه لغة مثل لغتنا — فليس لديه قواعد نحوية ولا قواعد اشتقاقية. لكنها تتحدى الرأي القائل بأن البنية الشبيهة باللغة هي سمة فريدة للبشر. بدلاً من ذلك، تشير هذه النتائج إلى الاستمرارية: أن جذور التواصل الرمزي قد تكون أعمق مما كان يُعتقد سابقًا.

الصورة بواسطة Pixel-mixer على pixabay

رصد الباحثون 12000 صوتًا لدى الشمبانزي

من التعاون إلى المحادثة - لماذا الحياة الاجتماعية مهمة:

قد يكون أحد العوامل الرئيسية وراء ظهور اللغة هو الحياة الاجتماعية التعاونية. استخدمت دراسة أجريت عام 2025 محاكاة متعددة الشخصيات للبحث عن الطعام: كان على الشخصيات البسيطة ذات المعرفة المحدودة، أن تنسق للعثور على الموارد أو لأداء مهام جماعية. بمرور الوقت، طورت هذه الشخصيات بروتوكولات اتصال لها العديد من الخصائص المشابهة للغة البشرية كالتركيب، والقدرة على الإشارة إلى أشياء غائبة، والتبادلية، والمفردات البدائية، وحتى النحو البدائي.

ADVERTISEMENT

وهذا يدعم فكرة أن اللغة لم تتطور من أجل المحادثات أو الشعر، بل من أجل العمل الجماعي والتخطيط والبقاء. ربما كانت متطلبات التنسيق في الصيد وصنع الأدوات وتقاسم الطعام أو تربية الأطفال قد ميّزت الأفراد الذين أمكنهم التواصل بشكل أكثر وضوحًا ومرونة.

يتوافق هذه المنظور الاجتماعي-البيئي مع الإطار الحيوي-الثقافي الجديد: فاللغة لا تنشأ فقط من الدماغ والصوت، بل من الحاجة والضرورة والثقافة.

الصورة بواسطة Benis Arapovic على vecteezy

الحياة الاجتماعية التعاونية هي التي أنشأت اللغة عند الإنسان

لكن العديد من الأسئلة لا تزال مطروحة:

على الرغم من كل التقدم المحرَز، لا يزال أصل اللغة غامضًا. تُظهر المورثات القدرة، وليس القواعد النحوية. لدى الشمبانزي قواعد نحوية بدائية، لكنه لا يستخدم لغة معقدة. تُظهر المحاكاة الاحتمالات، لكن التطور الحقيقي ينطوي على عدد لا يحصى من المتغيرات غير المتوقعة.

ADVERTISEMENT

وما زلنا نفتقر إلى ”دليل دامغ“ أحفوري أو أثري. نادرًا ما تحافظ الأدوات الحجرية أو الفنون أو العظام على السلوك الصوتي. ️

علاوة على ذلك، إذا كانت اللغة قد ظهرت تدريجيًا في مجموعات سكانية مختلفة، فهل يمكننا تحديد ”متى“ أو ”أين“ بالضبط؟ قد يقول الإطار الحيوي الثقافي الجديد: ربما لا — لأن ما يهم هو كيف اجتمعت الخيوط المختلفة، وليس لحظة واحدة.

الخاتمة:

إن فهم كيفية نشأة اللغة هو أكثر من مجرد دراسة أكاديمية. إنه يمس قضايا عميقة حول ما يجعلنا بشرًا — الإدراك، والثقافة، والتعاون، والهوية.

كما أنه يؤثر على طريقة تفكيرنا في اضطرابات اللغة: إذا كانت اللغة قد تطورت تدريجيًا، فربما أمكن استعادة بعض القدرات ”المفقودة“ من خلال العلاج الذي يجمع بين البيولوجيا والثقافة.

علاوة على ذلك، قد تستفيد الجهود الحديثة في مجال الذكاء الاصطناعي — بناء أنظمة تتعلم اللغة — من الدروس المستفادة من كيفية ظهور اللغة البشرية، أي من التفاعل الاجتماعي والسياق والثقافة، وليس من قواعد نحوية مشفرة.

ADVERTISEMENT

في عالم ممزق بسبب سوء الفهم، تذكرنا قصة أصل اللغة بأن الكلام ولد عندما بدأنا نهتم بعضنا بالبعض الآخر، ونتعاون، ونتشارك المعاني.

    toTop