عندما افُتتحت أبواب الدورة الثالثة من الأسبوع السعودي الدولي للحرف اليدوية - المعروف أيضًا باسم بنان - بدا الجو أقل شبهاً بمعرض للحرف اليدوية وأكثر شبهاً بافتتاح ملتقى ثقافي. يُقام هذا الحدث في الرياض في الفترة من 13 إلى 26 تشرين الثاني / نوفمبر 2025، ويجمع أكثر من 400 حرفي من أكثر من 40 دولة، ما حوّل العاصمة السعوديّة إلى ورشة عمل عالمية للتراث والمهارات والتبادل الفني. لكن هذا العام كان له صدى خاص: فقد تم الترحيب بالصين كضيف شرف، ما يمثل علامة فارقة ثقافية مهمة بين البلدين.
تحت رعاية الهيئة العامة للآثار والمتاحف ووزارة الثقافة، تطوّر ”بنان“ من حيث الحجم والطموح. يقام هذا الحدث خلال العام الرسمي للحرف اليدوية 2025، ويعكس جهود المملكة العربية السعودية المتزايدة لدعم الحرفيين وإحياء التقنيات التقليدية وبناء اقتصاد ثقافي يتماشى مع رؤية 2030.
قراءة مقترحة
استُقبل الزوار الذين دخلوا قاعات العرض المترامية الأطراف برائحة الخشب الطبيعية، والوهج الناعم للمنسوجات اليدوية، وإيقاع الأدوات التي تشكل المواد الخام لتصبح جميلة. من الفخار النجدي والتطريز العسيري، إلى التقاليد الحرفية العالمية من إفريقيا وآسيا الوسطى وأوروبا، كان المعرض بمثابة موسوعة حية للتراث العالمي. ولكن في قلبه - مكانيًا ورمزيًا - وقف نجم هذا العام: الجناح الصيني.
الأواني الصينية المذهبّة الشهيرة
مزيّنًا باللون الأحمر الجريء، وهو لون مشبع بالدلالات الروحية والثقافية في الصين، وبتصميم من متحف الثقافة التقليدية الصينية، استقبلَ الجناحُ الصينيّ الزوارَ كفانوس مضيء، وقدم استعراضاً شاملاً للحرف اليدوية الصينية، مع التركيز على التراث الثقافي غير المادي.
تمت دعوة عشرين حرفيًا ماهرًا - يُعرفون رسميًا باسم ورثة التراث - لعرض حرفتهم في الزمن الحقيقي، ما شكل جسرًا بين الماضي والحاضر، والتقاليد والابتكار. وشملت المهارات المعروضة ما يلي:
• الأواني المطلية بالورنيش، بلمعانها العميق وطرق تشطيبها التي تعود إلى قرون مضت،
• صناعة المراوح الصامتة والدقيقة، وهي حرفة مرتبطة بالشعر والأناقة والفلسفة،
• المنسوجات على طراز الباتيك، حيث يخلق الشمع والصباغ أنماطًا معقدة،
• الفخار الأرجواني، وخاصة أباريق الشاي الشهيرة من ييشينغ، التي تُقدَّر لفنها الرفيع،
• نحت الخشب، الذي يحقق التوازن بين الرقة والقوة،
• التطريز والنسيج، الغنيّان بالرمزية والهوية الإقليمية،
• مسرح الظل، الذي يجمع بين الحرفية والتقاليد السردية
يمكن للزوار أن يراقبوا الحرفيين وهم ينحتون زخارف معقدة في الكتل الخشبية، ويقطعون أشكالًا دقيقة لدمى مسرح الظل، ويضعون طبقات من الطلاء بعناية فائقة. كانت كل قطعة بمثابة حوار: بين الصانع، والمواد، والجمهور، وقصة أسلافه.
هذا الشكل التفاعلي المباشر يميّز جناح الصين عن العروض المتحفيّة الثابتة. هنا، لم يعدِ التراث جامدًا، بل كان يتنفس ويتحرك ويستجيب. كان حيًا مثل الأيدي التي تشكّله.
مسرح الظلّ: مزيج من الفن والحكاية
لم يقتصر دور الوفد الصيني على عرض القطع فحسب، بل جلب معه تقاليد كاملة من الحركة والإيقاع والأساطير.
أضفت العروض اليومية أجواءً حماسية على المكان، ومنها:
• رقصة فوانيس طبول الزهور في آنهوي، مع التنانير المتدفقة والطبول المفعمة بالحيوية،
• رقصة الأسد المستيقظ في غوانغدونغ، المليئة بالألوان والألعاب البهلوانية،
• مسرح الدمى الكبيرة في سيتشوان، عرض ترفيهي لدمى كبيرة الحجم.
تجذب هذه العروض حشودًا كبيرة، وتحوّل المنطقة المركزية للمعرض إلى مسرح ثقافي. والنتيجة سرد قصصي متعدد الحواس: الحرف كحركة، والفن كاهتزاز، والتراث كمشهد.
منسوجات الباتيك
لم تكن دعوة الصين كضيف شرف عرضية، بل كانت متوافقة استراتيجياً مع عدة عوامل:
يصادف عام 2025 مرور 35 عاماً على العلاقات الرسمية بين المملكة العربية السعودية والصين، وهي علاقة توسعت من التجارة والبنية التحتية إلى الثقافة والتعليم.
أُطلقت هذه المبادرة للاحتفال بالذكرى السنوية، وهي تشجع التبادل الفني والمعارض والبرامج الإبداعية المشتركة. يتناسب أسبوع الحرف اليدوية تمامًا مع هذه الأجندة، إذ يوفر منصة رفيعة المستوى للانغماس الثقافي.
تضع دعوة الصين المملكة في موقع محور الدبلوماسية بين الثقافات. فمن خلال إعطاء التراث الصيني منصةً داخل القطاع الثقافي المتوسع في المملكة العربية السعودية، تُظهر الرياض انفتاحها وتوجهها العالمي، والتزامها بالتعددية الثقافية.
بالنسبة للصين، فإن الجناح له نفس الأهمية: فهو يمثل جهود البلاد لتعزيز بصمتها الثقافية في الشرق الأوسط، حيث تقدم نفسها ليس فقط كشريك تقني أو اقتصادي، بل كشريك حضاري.
أسبوع الحرف اليدوية ليس مجرد احتفال؛ إنه استثمار. تعد فعاليات مثل ”بنان“ جزءًا من جهد أوسع نطاقًا يهدف إلى:
• دعم الحرفيين المحليين،
• تعزيز وصول الحرف اليدوية السعودية إلى الأسواق العالمية،
• تشجيع السياحة الثقافية،
• تنمية ريادة الأعمال الإبداعية.
أتيحت مع وجود الصين فرص لعقد ورش عمل مشتركة وتبادل المعرفة والتجارة والشراكات المستقبلية. وقد أعرب بعض الحرفيين السعوديين عن حماستهم لاستكشاف تقنيات الصباغة الصينية وأساليب صناعة الفخار، أو تصميمات الحرف اليدوية التعاونية. بالنسبة للكثيرين، سيفتح هذا الحدث الباب أمام تبادل فني طويل الأمد.
تعدُّ النسخة الثالثة من الأسبوع السعودي الدولي للحرف اليدوية واحدة من أكثر الأحداث ديناميكية ثقافياً حتى الآن - حدث أضحى فيه التراث دبلوماسيةً، والفن حواراً، وأضاء حضور الصين المعرض كفانوس قرمزي في ليلة الصحراء. هذا الحدث أكثر من مجرد احتفال بالحرف اليدوية، فهو بمثابة لفتة رؤيوية للدبلوماسية والإبداع والتاريخ الإنساني المشترك. وتذكير بأن الحرف اليدوية - التي غالبًا ما يُنظر إليها على أنها متواضعة أو محلية أو تاريخية - هي في الواقع واحدة من أقوى وسائل التعبير عن الهوية والتفاهم الدولي.
