لماذا نتحدث أثناء نومنا؟ "إنه خلل".

ADVERTISEMENT

يُفترض أن يكون النوم وقتًا للراحة والتعافي والصمت. ومع ذلك، بالنسبة للكثيرين، يجلب الليل ثرثرة غير متوقعة - عبارات مُهمومة، ومحادثات مُطولة، وحتى جدالات مع أعداء غير مرئيين. هذه الظاهرة، المعروفة باسم "التحدث أثناء النوم"، شائعة إذ تُشير الدراسات إلى أن ما يصل إلى 66% من الناس يتحدثون أثناء نومهم في مرحلة ما من حياتهم، ويُعتبر الأطفال والشباب أكثر المتحدثين ليلًا. ولكن لماذا نتحدث أثناء نومنا؟ يعتقد علماء الأعصاب أن التحدث أثناء النوم قد يكون نوعًا من "خلل" - خلل مؤقت في بنية النوم المعقدة للدماغ. فأثناء النوم، يمر دماغنا بمراحل مختلفة، لكل منها غرضها الخاص. ويحدث معظم التحدث أثناء النوم خلال مراحل حركة العين اللاسريعة (non- REM)، عندما يكون الدماغ أقل نشاطًا ولكنه لا يزال قادرًا على إنتاج سلوك يشبه الكلام. إن التحدث أثناء النوم هو نسيان الدماغ مؤقتًا أن الجسم يفترض ان يكون خارج التغطية. فيشبه الأمر تشغيل جهاز كمبيوتر لعمليات خلفية تؤدي عن طريق الخطأ إلى ظهور نافذة منبثقة. النتيجة؟ بضع كلمات، جملة، أو أحيانًا مونولوج درامي لا معنى له لأي شخص - حتى النائم.

ADVERTISEMENT
صورة بواسطة Andrea Piacquadio على pexels

ماذا يحدث في الدماغ عندما نتحدث أثناء النوم؟

دعونا نلقي نظرة خاطفة على ما وراء الدماغ النائم. ينقسم النوم إلى نوعين رئيسيين: حركة العين السريعة (REM) ونوم حركة العين اللاسريعة (Non-REM). حركة العين السريعة هي عندما نحلم بوضوح، ويشبه نشاط دماغنا نشاط اليقظة. يشمل النوم غير الريمي مراحل أعمق، حيث يُصلح الجسم نفسه ويُرسّخ الدماغ الذكريات. يحدث معظم الكلام أثناء النوم خلال المراحل الأخف من النوم غير الريمي، وخاصةً المرحلتين الأولى والثانية. خلال هذه المراحل، ينتقل الدماغ بين اليقظة والنوم العميق. من الشائع أن تنشط القشرة الحركية - وهي الجزء من الدماغ المسؤول عن الحركة والكلام - لفترة وجيزة، على الرغم من أن بقية الدماغ تكون في وضع النوم. يمكن أن يؤدي هذا التنشيط الجزئي إلى إصدار أصوات دون وعي كامل. أما في نوم حركة العين السريعة، فعادةً ما يكون الجسم مشلولًا لمنعنا من تمثيل أحلامنا. ومع ذلك، في حالات نادرة، لا يكتمل هذا الشلل، وقد يتسرب الكلام. هذا أكثر شيوعًا لدى الأشخاص الذين يعانون من اضطراب سلوك نوم حركة العين السريعة، حيث يفشل الدماغ في قمع الحركة تمامًا أثناء الأحلام. غالبًا ما يكون التحدث أثناء النوم غير مترابط، ولكنه في بعض الأحيان يعكس محادثات واقعية أو حالات عاطفية. يشير هذا إلى أن الدماغ قد يعالج الذكريات أو التوتر أو الأفكار غير المحلولة، ويُصدرها صوتًا عن طريق الخطأ. ليس الأمر أن النائم يحاول التواصل، بل أن الدماغ يُجري صيانته الليلية، فتختلط بعض الإشارات.

ADVERTISEMENT
صورة بواسطة Ron Lach على pexels

ما يكشفه الكلام أثناء النوم عنا

مع أن الكلام أثناء النوم عادةً ما يكون غير ضار، إلا أنه قد يُقدم رؤىً مُثيرة للاهتمام حول حالتنا النفسية والعاطفية. يمكن أن يتأثر الكلام أثناء النوم أيضًا بالجينات. إذا كان والديك يتحدثان أثناء نومهما، فمن المرجح أن تفعل ذلك أيضًا. كما أنه أكثر شيوعًا لدى الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نوم أخرى، مثل المشي أثناء النوم، أو الكوابيس الليلية، أو الأرق. في هذه الحالات، قد يكون الكلام أثناء النوم جزءًا من نمط أوسع من اضطراب النوم. ومن المثير للاهتمام أن الكلام أثناء النوم لا يعكس دائمًا ما نفكر فيه أو نشعر به حقًا. قد يكون المحتوى عشوائيًا، أو غير منطقي، أو حتى متناقضًا. من المعروف أن الناس يتحدثون بلغات مختلفة، أو يقلدون الأصوات، أو يقولون أشياءً لم ينطقوا بها قط وهم مستيقظون. هذا يدعم فكرة أن التحدث أثناء النوم ليس نافذة على العقل الباطن، بل هو خلل وظيفي - تسرب عرضي من المعالجة الداخلية للدماغ. ومع ذلك، ففي بعض الحالات، قد يكون التحدث أثناء النوم عرضًا لمشاكل كامنة. قد تشير النوبات المتكررة والشديدة إلى التوتر أو الصدمة أو الحالات العصبية. إذا كان التحدث أثناء النوم مصحوبًا بحركات عنيفة، أو ارتباك عند الاستيقاظ، أو إرهاق أثناء النهار، فمن المفيد استشارة أخصائي نوم.

ADVERTISEMENT
صورة بواسطة Andrea Piacquadio على pexels

هل التحدث أثناء النوم مجرد خلل وظيفي - أم أكثر من ذلك؟

قد يبدو وصف التحدث أثناء النوم بأنه "خلل وظيفي" استخفافًا، ولكنه تشبيه مفيد. أدمغتنا أشبه بأنظمة تشغيل معقدة، تُشغّل ملايين العمليات كل ثانية. والنوم هو الوقت الذي يُجري فيه النظام التحديثات، ويمسح ذاكرة التخزين المؤقت، ويُعيد تنظيم الملفات. أحيانًا، يتسرب أمرٌ طائش، فنتحدث دون أن ندري. ولكن قد يكون لهذا الخلل غرضٌ أيضًا. إذ أن بعض الباحثين يعتقد أن التحدث أثناء النوم قد يكون جزءًا من التنظيم العاطفي. فمن خلال التعبير عن أجزاء من الأفكار، قد يكون الدماغ يختبر السيناريوهات، أو يتدرب على المحادثات، أو يخفف التوتر. يرى آخرون أن التحدث أثناء النوم من مخلفات ماضينا التطوري. ربما استفاد البشر الأوائل من التلفظ أثناء النوم - لتنبيه الآخرين للخطر، أو الحفاظ على الروابط الاجتماعية، أو تعزيز تماسك المجموعة. من هذا المنظور، يُعد التحدث أثناء النوم سلوكًا يبقى كأثر مثل الزائدة الدودية. وسواء كان خللًا، أو آلية تكيف، أو صدى تطوريًا، فإن التحدث أثناء النوم يُذكرنا بأن النوم ليس خاملًا. أدمغتنا نشطة، وديناميكية، وأحيانًا لا يمكن التنبؤ بها. في المرة القادمة التي يتمتم فيها شخص ما أثناء نومه، قد لا يعني ذلك شيئًا - أو قد يكون دماغه يعمل على شيء مهم، كلمة تلو الأخرى. التحدث أثناء النوم هو أحد الألغاز العديدة التي تجعل النوم ساحرًا للغاية. إنه تذكير بأنه حتى في حالة اللاوعي، لا تزال عقولنا تعجّ بالنشاط. سواءً أكان ذلك خللاً بسيطاً أم عمليةً ذات معنى، فإنه يُضيف لمسةً من التشويق إلى ساعات الليل الهادئة. لذا، إذا وجدت نفسك تتحدث أثناء نومك، فلا تقلق، فأنت ببساطة جزءٌ من سيمفونية الدماغ الليلية العجيبة والرائعة.

أكثر المقالات

toTop