في أيامه الأخيرة، طرح والدي سؤالًا لم أفهمه، ثم همس بالسلوفينية: "ماذا يسمونني؟". لم يعد يتذكر اسمه بعد أن أضعفه المرض، وسلب وظائفه الأساسية وذكرياته، حتى التعرف على أحبائه. صار صوته وسيلة التواصل الأخيرة، بينما ظلت الموسيقى رفيقه حتى النهاية.
جلست إلى جانبه أروي له قصة حياته باسمه، ونشأته في قرية صغيرة بوسط أوروبا، وعائلته، والمزرعة التي ورثها عن الأجداد. ذكّرته بوالده الذي هاجر إلى أمريكا عام 1925، ليعمل ويعود بالثروة، لكن الكساد الكبين منعه ولم يره من جديد. تذكرت طفولته حين جمع الفطر والجوز ليساعد والدته بشراء الأساسيات. رغم بساطة حاله، لاحظته فتاة من طبقة أعلى، فسعى لكسب رضاها، وتزوجها لاحقًا رغم معارضة والدته. استمر زواجهما 63 عامًا.
قراءة مقترحة
في عمر السادسة عشرة، بدأ رحلة البحث عن والده. التحق بألمانيا كعامل أثناء تجنيد الأجانب، وتدرّب ككهربائي بشركة BMW، وشارك لاحقًا بإدخال الكهرباء إلى قريته. كان أعسرا، لكنه أُجبر على استخدام يده اليمنى، فأتقن العمل بكلتا يديه، ما ساعده في عمله لاحقًا كمشغّل شفرة مورس. نقل عائلته إلى بلد المهجر، محققًا حلم والده الذي لم يتحقق.
مع اقتراب النهاية، طغت ذكريات الحرب العالمية الثانية عليه. كانت تراوده كوابيس ليلية مؤلمة. زوجته فقط كانت تهدئه، لأنها عرفته بعمق، ورأت فيه الإنسان رغم ندوب الحرب. تبادل أفراد العائلة السهر على راحته في أيامه الأخيرة، فكنت بجواره في الليلة الأخيرة، أستمع لأنفاسه، أراقب جسده الهزيل، وأفهم أخيرًا سؤاله: "ماذا يسمونني؟". لم يكن يبحث عن اسمه، بل عن هوية كان يخشى نسيانها - تلك التي تشكلت خلال مأساة لم تكن من اختياره.
مددت يدي ولمست كتفه هامسة: "أنت آمن، أنا هنا"، فهدأ وغاص في النوم. وحين غادرنا بهدوء، كان محاطًا بعائلته، بالحنان، بالأصوات التي أحبها، والذكريات التي نأمل أنها وحدها رافقته. كان اسمه مارتن - ابن، وأب، وجدٌّ، وإنسان عاش بكرامة.

