يعتبر هدر الغذاء قضية حرجة تؤرق المجتمع العالمي، حيث تساهم بشكل كبير في التدهور البيئي وإهدار الموارد. وتشير التقديرات إلى أن ما يقرب من ثلث الغذاء المنتج للاستهلاك البشري يهدر كل عام. ومع استمرار نمو سكان العالم، وتكثيف الضغوط على الموارد الطبيعية، فإن إيجاد حلول مستدامة لمعالجة هدر الغذاء أمر بالغ الأهمية. وفي الآونة الأخيرة، ظهرت الفطريات كبديل محتمل لمعالجة هذه المشكلة المعقدة. في هذه المقالة، نستكشف حجم هدر الغذاء ونطاقه، وأسبابه، والحلول الحالية، وكيف يمكن للفطريات أن تلعب دوراً في التخفيف من حدة هذه الأزمة العالمية.

1. حجم مشكلة هدر الغذاء ونطاقها.

صورة من wikimedia
صورة من wikimedia

يعتبر هدر الغذاء قضية عالمية ضخمة، حيث يُقدّر إهدار 1,3 مليار طن من الغذاء سنوياً. ووفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، فإن هذا يعادل حوالي ثلث إجمالي الغذاء المنتج للاستهلاك البشري. إن التأثير البيئي لهذه القضية شديد جداً، حيث يساهم هدر الطعام في انبعاثات الغازات المُسبّبة للاحتباس الحراري، وإزالة الغابات، واستنزاف موارد المياه. وبالإضافة إلى الخسائر البيئية، فإن هدر الغذاء له تكاليف اقتصادية كبيرة، تصل إلى حوالي تريليون دولار سنوياً. وتشعر البلدان المتقدمة والنامية بعواقب مثل هذا الهدر، حيث تؤدي عدم الكفاءة في سلسلة توريد الغذاء إلى تفاقم المشكلة.

ADVERTISEMENT

2. أصول هدر الغذاء وأسبابه.

إن أصول هدر الغذاء متعددة الأوجه وتحدث في مراحل مختلفة من سلسلة توريد الغذاء، من الإنتاج إلى الاستهلاك. وتشتمل العوامل الرئيسية على:

أ. الإنتاج والحصاد: قد لا يتم حصاد المحاصيل غير الكاملة أو الفائضة، وخاصة في البلدان النامية، حيث البنية الأساسية ومرافق التخزين غير كافية.

ب. النقل والتخزين: يؤدي الافتقار إلى التخزين البارد الفعّال، والمناولة غير السليمة، وطرائق النقل الطويلة إلى تلف الغذاء وإهداره.

ت. البيع بالتجزئة والتوزيع: غالباً ما تتخلص المتاجر الكبرى والمطاعم من الطعام الذي يعتبر غير جذاب أو قريباً من تاريخ انتهاء صلاحيته، على الرغم من أنه يظل صالحاً تماماً للأكل.

ث. سلوك المستهلك: إن الإفراط في الشراء، والتخزين غير السليم، والافتقار إلى الوعي بتواريخ انتهاء صلاحية الغذاء تساهم جميعها في إهدار الطعام في المنازل.

ADVERTISEMENT

في العديد من البلدان المتقدمة، تتفاقم المشكلة بسبب ثقافة الوفرة، حيث يُنظر إلى الغذاء على أنه يمكن استبداله بسهولة، مما يؤدي إلى تقليل التركيز على الحفاظ على الموارد وإدارتها.

3. حلول مؤقتة لمشكلة هدر الغذاء.

صورة من wikimedia
صورة من wikimedia

تم اقتراح العديد من الاستراتيجيات لمعالجة مشكلة إهدار الغذاء. وتشمل هذه على:

أ. تحسين كفاءة سلسلة التوريد: يمكن للاستثمارات في طرائق التخزين والنقل والمناولة الأفضل أن تُقلّل من النفايات في المراحل المبكرة من سلسلة الغذاء.

ب. حملات التوعية العامة: يمكن لتثقيف المستهلكين حول أهمية الحد من النفايات، والتخزين السليم للغذاء، وأهمية تواريخ انتهاء الصلاحية أن تُخفّف من إهدار الغذاء في المنازل.

ت. إعادة توزيع الطعام: تهدف الجمعيات الخيرية والمنظمات مثل تغذية أمريكا (Feeding America) وصالح قبل الإتلاف (Too Good to Go) إلى جمع الطعام الفائض من تجار التجزئة وإعادة توزيعه على المحتاجين.

ADVERTISEMENT

ث. إعادة تدوير مخلفات الطعام: اكتسب استخدام بقايا الطعام لتغذية الحيوانات، أو التسميد، أو تحويل النفايات إلى طاقة حيوية زخماً كوسيلة للحد من العبء البيئي الناجم عن مخلفات الطعام.

وفي حين تبدو هذه الحلول واعدة، فإن النطاق العالمي للمشكلة يعني أن أي نهج وحيد لن يكون كافياً. وهناك حاجة إلى حلول أكثر ابتكاراً واستدامة لمعالجة مخلفات الطعام بشكل شامل.

4. كفاءة الحلول الحالية لمعالجة هدر الغذاء.

في حين شهدت المبادرات المذكورة أعلاه بعض النجاح، فإن العديد منها يواجه تحديات في توسيع نطاقها أو تحقيق تخفيضات كبيرة في مخلفات الطعام. على سبيل المثال، غالباً ما تعوق حملات التوعية العامة محدودية نطاقها أو المقاومة للتغيير السلوكي، وغالباً ما تواجه جهود إعادة توزيع الطعام حواجز لوجستية. وعلى نحو مماثل، لا يتم تنفيذ برامج إعادة تدوير مخلفات الطعام عالمياً وقد تكون غير فعّالة بدون البنية الأساسية المناسبة.

ADVERTISEMENT

هناك حاجة متزايدة إلى حلول جديدة وقابلة للتطوير يمكنها معالجة مخلفات الغذاء من جذورها بدلاً من إدارة عواقبها ببساطة.

5. الفطريات كحل بديل لنفايات الغذاء.

صورة من wikimedia
صورة من wikimedia

تتضمن إحدى الابتكارات الواعدة الفطريات، القادرة على تحلُّل المواد العضوية، بما في ذلك نفايات الطعام. وقد تم إجراء أبحاث على أنواع مختلفة من الفطريات، وخاصة فطر Aspergillus وفطر Trichoderma وبكتيريا Neurospora، لمعرفة قدرتها على هضم نفايات الطعام، وتحويلها إلى منتجات قيّمة مثل الأعلاف الحيوانية، أو الوقود الحيوي، أو حتى الأطعمة الصالحة للأكل القائمة على الفطريات.

تتمتع الفطريات بكفاءة عالية في تحويل النفايات العضوية إلى مواد قابلة للاستخدام. فهي تعمل على تفتيت الكربوهيدرات المُعقّدة والبروتينات والدهون في نفايات الطعام، مما قد يُحوّل الطعام غير المرغوب فيه إلى موارد مستدامة. وفي بعض الدراسات التجريبية، تم استخدام الفطريات لتحويل بقايا الطعام إلى بروتينات فطرية غنية بالبروتين، والتي يمكن أن تكون بمثابة مصدر بديل للتغذية.

ADVERTISEMENT

إن قدرة الفطريات الفريدة على تفتيت حتى بقايا الطعام القاسية مثل قشور الفاكهة، وبقايا القهوة، والحبوب المستهلكة تجعلها أداة فعّالة في الحد من هدر الغذاء على المستويين الاستهلاكي والصناعي.

6. تحليل نقاط القوة والضعف والفرص والتهديدات للفطريات كحل بديل لنفايات الغذاء.

نقاط القوة:

كفاءة عالية في تفتيت النفايات العضوية.

إمكانية إنتاج منتجات ثانوية قيمة، مثل الأعلاف الحيوانية أو الفطريات الصالحة للأكل.

مستدامة وصديقة للبيئة، مع الحد الأدنى من التأثير البيئي.

نقاط الضعف:

تتطلب معرفة متخصصة وبنية أساسية لتنفيذها على نطاق واسع.

قد تواجه المنتجات الغذائية القائمة على الفطريات تحديات تتعلق بقبول المستهلك.

قد تتطلب عمالة مكثفة واستثماراً أولياً كبيراً.

الفرص:

زيادة الطلب الاستهلاكي على البروتينات المستدامة والنباتية.

شراكات محتملة بين شركات إدارة النفايات الغذائية ومنتجي الفطريات.

ADVERTISEMENT

توسيع الصناعات القائمة على الفطريات، مثل التعبئة بمساعدة الفطريات (myco-packaging) والتغليف بمساعدة الفطريات (myco-textiles) أو المنسوجات الفطرية.

التهديدات:

المنافسة من تقنيات تحويل النفايات إلى منتجات أخرى، مثل التسميد والهضم اللاهوائي.

الوعي المحدود والبحث في التطبيقات الفطرية واسعة النطاق.

العقبات التنظيمية وإحجام السوق عن تبني المنتجات المشتقة من الفطريات.

7. مستقبل مشكلة هدر الغذاء.

من المرجح أن يتضمن مستقبل التخفيف من هدر الغذاء منهجية متعددة الجوانب تجمع بين التكنولوجيا، وتثقيف المستهلك، والحلول البيولوجية الجديدة مثل الفطريات. ومع تقدم الأبحاث حول تطبيقات الفطريات، من الممكن أن تصبح الفطريات جزءاً لا يتجزأ من حل مشكلة هدر الغذاء، وخاصة من حيث تحويل النفايات وإنتاج الغذاء المستدام.

وفي حين يتطلب حل مشكلة هدر الغذاء جهوداً جماعية من الحكومات والشركات والأفراد، فإن دمج الفطريات في أنظمة إدارة النفايات الحالية يمكن أن يُقلّل بشكل كبير من هدر الغذاء وتأثيراته البيئية. وعلاوة على ذلك، يمكن أن تكون الفطريات جزءاً من اقتصاد دائري (circular economy) يُعيد استخدام الموارد ويُقلّل من النفايات.

8. دور التعليم والمعلومات في حل مشكلة هدر الغذاء.

صورة من wikimedia
صورة من wikimedia

يُعدّ التعليم والمعلومات مكونين أساسيين لأي حل لمشكلة هدر الغذاء. ويجب تثقيف المستهلكين حول الآثار البيئية والاقتصادية والأخلاقية لنفايات الغذاء، وإعطائهم نصائح عملية حول الحد من النفايات في منازلهم. ويمكن للمدارس والحملات الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي أن تلعب دوراً محورياً في تغيير المواقف المجتمعية نحو الحد من النفايات.

بالإضافة إلى ذلك، يتطلب الترويج لفوائد الفطريات كمورد في إدارة النفايات نشر المعرفة حول تكنولوجيا الفطريات لكل من الجمهور وقادة الصناعة. إن الشراكات بين القطاعين العام والخاص، فضلاً عن الحوافز الحكومية، من شأنها أن تساعد في تحفيز الابتكار في هذا المجال.

إن هدر الغذاء مشكلة كبيرة ومتنامية تتطلب اتخاذ إجراءات عاجلة. وفي حين أن هناك العديد من الحلول القائمة بالفعل، مثل تحسين كفاءة سلسلة التوريد، وزيادة وعي المستهلك، فإن هذه الحلول وحدها لا تكفي لمعالجة المشكلة من جذورها. تقدم الفطريات بديلاً واعداً وقادراً على تحويل هدر الغذاء إلى موارد قيمة. ومع ذلك، فإن التبني الواسع النطاق سيتطلب التغلب على التحديات في البنية الأساسية وقبول المستهلك والتوسُّع.

المزيد من المقالات