طبّقت المملكة المتحدة تقنيناً على معظم المواد الغذائية. وخلال فترة من تلك السنوات الأربع عشرة، لم يكن من الممكن الحصول على أي شيء باستثناء الأسماك والفواكه والخضروات الطازجة (التي كانت لا تزال في كثير من الأحيان ناقصة)، إلا بموجب قيود صارمة، وباستخدام قسائم تصدرها الحكومة. وكان السكر من بين المواد الغذائية الأساسية في قائمة التقنين. قُننت أيضاً الحلويات والسكاكر، حيث حافظ الناس على هدوئهم واستمروا في حياتهم. كانت حصّة كل فرد بالغ حوالي 40 غراماً من السكر يومياً، وحصّة الطفل فوق سن الثانية أقلّ من 15 غراماً. وعلى الرغم من الظروف الاقتصادية غير المثالية التي حفزت هذه السياسة، فإن الأبحاث الجديدة التي أجريت على عشرات الآلاف من الناس تُظهر أن خفض تناول السكر يمنح فوائد صحية مدى الحياة لأولئك الذين تم الحمل بهم أثناء التقنين. في هذه المقالة نبين نتائج دراسة أُجريت حديثًا تُظهر تأثير السكر السلبي على الصحة العامة.

الدراسة:

صورة من pexels
صورة من pexels

تشير هذه الدراسة، التي نُشرت في أكتوبر/ تشرين الأول 2024، في مجلة العلوم (Sciences)، إلى أن الحد من التعرض للسكر في فترة الألف يوم بعد الحمل (مدّة الحمل داخل الرحم، وأوّل عامين من الحياة)، يقلّل من خطر الإصابة بأمراض مزمنة في وقت لاحق. وكان الأشخاص الذين وُلدوا قبل أو بعد نهاية تقنين السكر مباشرة أقل عرضة بنسبة 35% للإصابة بمرض السكري من النوع الثاني، وأقل عرضة بنسبة 30% للإصابة بالسمنة، وأقل عرضة بنسبة 20% للإصابة بارتفاع ضغط الدم خلال حياتهم، بالموازنة مع أقرانهم الذين لم يخضعوا للتقنين. وعلاوة على ذلك، كانت تأثيرات التقنين داخل الرحم وحدها مسؤولة عن حوالي ثلث الحد من المخاطر مدى الحياة. على سبيل المثال، حتى بين المجموعة المولودة في عالم بدون تقنين، كان لدى الأشخاص الذين قضوا جزءًا على الأقل من فترة الحمل تحت قيود التقنين خطر أقل بنسبة 15% للإصابة بمرض السكري من النوع الثاني طوال حياتهم.

ADVERTISEMENT

نتيجة معروفة:

صورة من pexels
صورة من pexels

كان معروفًا منذ أمد أن هناك ارتباطًا بين استهلاك السكر ونتائج الصحة السيئة، ولكن حجم النتائج التي توصلت إليها الدراسة كان مفاجئًا في كبره.

لقد أثبت العديد من الأبحاث السابقة وجود روابط بين تناول كميات كبيرة من السكر والأمراض المزمنة. ومع ذلك فإن انخفاض المخاطر في الأمراض الاستقلابية المرتبطة بتقنين السكر في وقت مبكر من الحياة هو هائل، ويتساوى مع آثار النظام النباتي مدى الحياة، أو الإقلاع عن التدخين. وهذا يثبت أن النظام الغذائي خلال لحظة وجيزة من التطور العام للشخص يمكن أن يحمل عواقب كبيرة في المستقبل. ويُبرز قيمة اتباع الإرشادات الدولية والوطنية بشأن السكر.

توصيات الخبراء:

تقول المبادئ التوجيهية الصادرة عن الوكالات الفيدرالية الأمريكية إنه لا ينبغي إعطاء الرضع والأطفال الصغار دون سن الثانية أطعمة مضافة بالسكر، وأن البالغين يجب أن يحدوا من استهلاكهم للسكر المضاف إلى أقل من 10٪ من السعرات الحرارية الإجمالية. والتوصيات الصادرة عن جمعية القلب الأمريكية أكثر صرامة؛ إذ تشير إلى أن السكر المضاف يجب أن يشكل أقل من 6% من إجمالي السعرات الحرارية في النظام الغذائي الصحي، وهو ما يعادل في المتوسط ​​نحو 25 غراماً يومياً للنساء و36 غراماً للرجال. ولكنّ عددًا قليلاً جدًا من الناس يلتزم بهذه التوصيات. ونتيجة لهذا، يولد العديد من الأطفال وقد تعرضوا لكميات كبيرة من السكر في الرحم. ثم يستمرون في التعرض للأطعمة التي تحتوي على سكر مضاف في وقت مبكر من خلال الحليب الصناعي والأطعمة المصنعة.

ADVERTISEMENT

نتائج الدراسة:

صورة من pxhere
صورة من pxhere

للوصول إلى نتائجهم، قام مؤلفو الدراسة بتحليل بيانات حصلوا عليها من البنك الحيوي في المملكة المتحدة، وهي قاعدة بيانات تحتوي على نمط حياة نحو 500000 مشارك، إضافة إلى معلومات وراثية وسكّانية وصحية عنهم. هذه الدراسة لا تجيب على كل شيء، لكنها تحليل قياسي اقتصادي، وتستنتج السببية. وهو أمر يصعب العثور عليه في الدراسات الصحية البشرية طويلة الأمد. وبعبارة أخرى، "إنه دليل" على تأثير التعرض المبكر للسكر على الأمراض في وقت لاحق من العمر، حيث لم تتمكن الأبحاث الأخرى إلا من تقديم ارتباطات. ولكن مؤلّفي الدراسة لديهم فرضية تقول إنه من المرجح أن التعرض للسكر في وقت مبكر يجعل الشخص أكثر عرضة لاستهلاك السكر طوال حياته. وقد وجدوا بالفعل أدلة على ذلك في بعض التحليلات الداعمة التي لم تتم مراجعتها بعد من قبل الأقران. فالأبحاث المتابعة المبكرة باستخدام البيانات من المسح الغذائي في المملكة المتحدة تشير إلى أن الأشخاص في المجموعة الخاضعة للتقنين استمروا في تناول كميات أقل من السكر (على الرغم من أن إجمالي السعرات الحرارية يساوي تقريبًا) طوال حياتهم، مقارنة بأقرانهم غير الخاضعين له. لذلك، لا يبدو أن الآلية التي تعمل هنا هي أن التعرض للسكر لمدة 1000 يوم وحده يسبب التأثيرات الصحية الملحوظة، بل إنه شيء يدفع الشخص إلى مسار مختلف، بسلوكيات مختلفة.

ADVERTISEMENT

هذه النتائج ستساعد ليس فقط في عملية اتخاذ القرار الشخصي لكل فرد، ولكنها ستحفز أيضًا التغييرات واللوائح على مستوى المجتمع. وقد تؤدّي إلى استجابة سياسية عامة للسكر بنفس الطريقة التي استجبنا بها للتبغ، بما في ذلك أشياء مثل قوانين وضع العلامات التجارية، والضرائب، والقيود على الإعلانات، ومحاسبة الشركات. ربما تحتاج حتى تركيبة حليب الأطفال إلى إعادة صياغة. ولكن الأمر لا يتعلق بقطعة كعكة هنا أو هناك، بل يتعلق بالإفراط في تناول السكر المضاف على أساس يومي.

نريد جميعاً تحسين صحتنا ومنح أطفالنا أفضل بداية في الحياة. ويبدو أن تقليل السكر المضاف في وقت مبكر يشكل خطوة قوية في هذا الاتجاه. قد يكون ذلك صعباً حقاً في بيئة تحتوي فيها معظم الأطعمة المصنعة والمعبأة على سكر مضاف، لكن من المؤكد أن هذا مهم. في الواقع، ينبغي لنا أن نحرم الأطفال من الحلوى، وللنساء الحوامل: لا يتعين عليك مراقبة استهلاك طفلك للسكر فحسب، بل يتعين عليك أيضًا مراقبة استهلاكك للسكر أثناء الحمل.

ADVERTISEMENT

المزيد من المقالات