جيل Z، المولود تقريبًا بين منتصف التسعينات وأوائل العقد الثاني من الألفية، يثير الكثير من الاهتمام من جانب الباحثين والخبراء في مجالات الاقتصاد والتمويل. هذا الجيل الذي نشأ في بيئة رقمية بالكامل تقريبًا، لم يعرف عالمًا بلا إنترنت أو هواتف ذكية، وبالتالي تتأثر نظرته للمال وأولوياته المالية بعوامل مختلفة جذريًا عن تلك التي شكّلت سلوك الأجيال السابقة مثل جيل الألفية أو جيل الطفرة السكانية.
في هذا المقال، سنستعرض بشكل معمّق لماذا يختلف جيل Z في نظرته للمال، وكيف تعكس أولوياته المالية واقعًا جديدًا يتقاطع مع التكنولوجيا، التغيرات الاجتماعية، والظروف الاقتصادية العالمية. كما سنفصّل أنماط الاستهلاك التي تميّزه، وأثر الثقافة المالية الحديثة على قراراته.
قراءة مقترحة
لفهم اختلافات جيل Z، من المهم التعرف على بعض خصائصه الأساسية:
جيل الطفرة السكانية والألفية كان يضع امتلاك منزل أو سيارة كرمز للاستقرار والنجاح. أما جيل Z فيميل إلى تفضيل التجارب مثل السفر، التعليم، والأنشطة الترفيهية على حساب الملكية طويلة الأمد. هذا لا يعني أنه لا يطمح لامتلاك أصول، لكنه لا يعتبرها أولوية قصوى.
عند اتخاذ قرارات استهلاكية أو استثمارية، ينظر شباب جيل Z إلى أثر الشركات على البيئة والمجتمع. فشراء منتج من علامة تجارية تدعم الاستدامة قد يكون أهم بالنسبة لهم من سعره المنخفض. وهذا يعكس أنماط الاستهلاك الجديدة المبنية على القيم أكثر من المظاهر.
مع انتشار منصات مثل "Airbnb" و"Uber"، تبنّى جيل Z مفهوم الاستخدام بدل التملك. لماذا يشتري سيارة بينما يمكنه استخدام تطبيقات التنقل؟ ولماذا يشتري أثاثًا باهظًا بينما يمكنه استئجاره لفترة محددة؟ هذا التوجه يقلّل من الضغوط المالية طويلة الأمد ويزيد من مرونة خياراته.
بدلاً من إنفاق مدخراتهم على الكماليات، يفضّل شباب جيل Z استثمار المال في الدورات التدريبية، الشهادات الرقمية، والمهارات التي تساعدهم على التكيف مع سوق العمل المتغير. هذا يوضح أن الثقافة المالية الحديثة لديهم مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالنجاح المهني.
جيل Z لا يكتفي بوظيفة واحدة. بل يسعى إلى دخل إضافي عبر المشاريع الصغيرة عبر الإنترنت، التجارة الإلكترونية، العمل الحر، أو حتى الاستثمار في العملات الرقمية والأسواق المالية. وهذا يفسر لماذا يصفه الخبراء بأنه جيل ريادي بطبيعته.
التكنولوجيا ليست مجرد أداة عند جيل Z، بل هي جزء من تكوينه اليومي. فإدارة الحسابات المصرفية، تحويل الأموال، الاستثمار وحتى التسوق أصبحت تتم عبر تطبيقات سهلة وسريعة. وبالتالي، صارت الثقافة المالية الحديثة مرتبطة مباشرة بالتقنيات المالية (FinTech) مثل المحافظ الإلكترونية والعملات المشفرة.
شهد جيل Z أزمات كبرى في سنوات شبابه، بدءًا من الركود الاقتصادي عام 2008 وصولاً إلى تأثيرات جائحة كورونا. هذه الأحداث زرعت لديه حسًا حذرًا تجاه المخاطر، وجعلته أكثر ميلاً إلى الادخار والاستثمار بحذر مقارنةً بالأجيال السابقة.
جيل Z يعطي الأولوية لقيم مثل المرونة في العمل، الصحة النفسية، والتوازن بين الحياة الشخصية والمهنية. وهذا انعكس على سلوكهم المالي؛ فهم على سبيل المثال يفضلون الإنفاق على العافية النفسية أو الأنشطة الترفيهية بدلاً من الالتزام بديون طويلة الأمد.
جيل Z يدخل عالم المال برؤية مختلفة، قائمة على التجارب بدلًا من الممتلكات، الاستدامة بدلًا من الاستهلاك المفرط، والمرونة بدلًا من الالتزام الجامد. أولوياتهم المالية تعكس ثقافة مالية حديثة تتأثر بشكل مباشر بالتكنولوجيا، القيم الاجتماعية الجديدة، والظروف الاقتصادية العالمية.
فهم هذه الأولويات ليس مجرد فضول أكاديمي، بل ضرورة للأسر التي تريد دعم أبنائها، وللشركات التي تسعى للوصول إلى هذه الشريحة المتنامية من المستهلكين والمستثمرين. ومع مرور الوقت، قد يصبح جيل Z المحرك الرئيسي لتطور أنماط الاستهلاك وإعادة تعريف العلاقة بين الشباب والمال في العالم العربي والعالم أجمع.
