الجيل الجديد من السيارات في المغرب وتونس: بين الحلم الكهربائي والواقع الاقتصادي

ADVERTISEMENT

في الوقت الذي يشهد فيه العالم تحوّلاً جذريًا نحو التنقل المستدام، تتجه الأنظار إلى منطقة شمال إفريقيا، وتحديدًا إلى المغرب وتونس، حيث يحاول الجيل الجديد من السيارات الكهربائية فرض وجوده. ورغم الطموحات الكبيرة نحو مستقبل أخضر ومواصلات صديقة للبيئة، فإن الواقع الاقتصادي والقدرة الشرائية للمواطنين يفرضان معادلة معقدة يصعب تجاهلها.

في هذا المقال، نستعرض تحولات سوق السيارات في المغرب وتونس، ونحلل مدى واقعية التحول الكهربائي في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية، مع التركيز على القدرة الشرائية، البنية التحتية، والسياسات الحكومية.

الصورة بواسطة mstandret على envato

أولاً: ملامح الجيل الجديد من السيارات الكهربائية في شمال إفريقيا

شهدت السنوات الأخيرة اهتمامًا متزايدًا بالسيارات الكهربائية في العالم العربي، حيث بدأت دول مثل المغرب وتونس في اتخاذ خطوات ملموسة لدعم هذا التوجه.

ADVERTISEMENT

في المغرب، أطلقت الحكومة مجموعة من المبادرات، مثل دعم تركيب محطات الشحن الكهربائي، وتسهيل دخول السيارات الكهربائية المعفاة من بعض الرسوم. كما وقّعت اتفاقيات مع شركات تصنيع عالمية للاستثمار في قطاع السيارات الكهربائية، مما جعل المغرب مركزًا صاعدًا في صناعة السيارات في إفريقيا.

أما تونس، فرغم التحديات الاقتصادية، بدأت تشهد مؤخرًا دخول سيارات كهربائية صغيرة من علامات صينية وأوروبية بأسعار نسبية منخفضة، خاصة بعد تعديل القوانين الجمركية في السنوات الأخيرة لتشجيع استيراد هذا النوع من المركبات.

ثانيًا: سوق السيارات في المغرب – نمو واعد وسط تحديات

1. تطور الصناعة والتحول إلى الإنتاج المحلي

المغرب أصبح من بين الدول الرائدة في تصنيع السيارات في إفريقيا، وخصوصًا بعد استقطاب شركات مثل رونو وستيلانتيس التي تملك مصانع إنتاج ضخمة في القنيطرة وطنجة. وقد بدأ التوجه يتوسع ليشمل إنتاج سيارات هجينة وكهربائية، مما يجعل المغرب ليس فقط سوقًا للاستهلاك بل أيضًا منصة للتصدير.

ADVERTISEMENT

2. البنية التحتية للشحن الكهربائي

تتطور البنية التحتية ببطء ولكن بثبات، حيث بدأت محطات شحن تظهر في المدن الكبرى مثل الدار البيضاء، الرباط، طنجة، ومراكش. ومع ذلك، فإن الانتشار لا يزال محدودًا بالمقارنة مع احتياجات التوسع في عدد السيارات الكهربائية.

3. التحديات: القدرة الشرائية والسعر

رغم النمو الصناعي، تبقى القدرة الشرائية للمواطن المغربي عائقًا رئيسيًا. فمتوسط أسعار السيارات الكهربائية يتجاوز بكثير ما يستطيع المواطن العادي تحمله، خصوصًا في غياب دعم حكومي مباشر لاقتناء هذه السيارات.

الصورة بواسطة piccaya على envato

ثالثًا: السيارات في تونس – سوق ناشئ في خضم أزمة

1. دخول تدريجي للسيارات الكهربائية

تونس لم تصل بعد إلى مستوى الإنتاج المحلي، لكنها بدأت ببطء في استيراد سيارات كهربائية من الصين وأوروبا، مثل سيارات Wuling Mini EV أو Renault Zoe. هذا التوجه ما زال محدودًا بسبب الإجراءات البيروقراطية وارتفاع الكلفة.

ADVERTISEMENT

2. مشكلات البنية التحتية

غياب محطات شحن عامة يعتبر من أبرز العقبات، حيث لا تتوفر في تونس حتى الآن شبكة واضحة للشحن الكهربائي، ما يجعل اقتناء سيارة كهربائية مخاطرة كبيرة بالنسبة للمستخدم العادي.

3. الاقتصاد المحلي والقدرة الشرائية

تمر تونس بأزمة اقتصادية خانقة، ما يجعل شراء سيارة – سواء تقليدية أو كهربائية – رفاهية لا يقدر عليها سوى شريحة ضيقة من المجتمع. ومع ارتفاع الأسعار وقلة التمويل البنكي، يظل سوق السيارات في تونس ضعيفًا نسبيًا.

رابعًا: هل نحن أمام تحول حقيقي أم مجرّد حلم؟

رغم الزخم الإعلامي والتوجهات الرسمية نحو السيارات الكهربائية، فإن الواقع الميداني يشير إلى أن التحول ما يزال في مراحله الأولى، خصوصًا في ظل غياب آليات فعالة لدعم الشراء، وتطوير البنية التحتية، وتقديم حوافز ضريبية للمستهلكين.

ADVERTISEMENT

نقاط الضعف المشتركة بين المغرب وتونس:

  • ضعف القدرة الشرائية لدى غالبية السكان.
  • غياب برامج تمويل ميسّرة لاقتناء سيارات كهربائية.
  • بنية تحتية غير مكتملة لشحن المركبات.
  • محدودية الخيارات في السوق المحلي.
  • تركيز السياسات أكثر على الإنتاج والتصدير بدلاً من الاستهلاك الداخلي.

خامسًا: دور الحكومات والقطاع الخاص في رسم مستقبل النقل

لكي يتحول الحلم إلى واقع، لا بد من تعاون وثيق بين الدولة والقطاع الخاص:

1. الدعم الحكومي المطلوب

  • إعفاءات جمركية وضريبية للسيارات الكهربائية.
  • دعم مباشر للمواطنين لاقتناء السيارات النظيفة.
  • استثمارات حكومية في البنية التحتية (محطات شحن، طرق ذكية).
  • سن قوانين تُشجّع النقل المستدام وتشجع على التخلص التدريجي من السيارات القديمة.

2. مساهمة القطاع الخاص

  • شركات السيارات عليها خفض الأسعار تدريجيًا وتقديم حلول موجهة للفئات المتوسطة.
ADVERTISEMENT
  • تطوير خدمات ما بعد البيع الخاصة بالسيارات الكهربائية.
  • التوسع في إنشاء محطات شحن مشتركة في المراكز التجارية والمجمعات السكنية.
الصورة بواسطة Image-Source على envato

سادسًا: الابتكار المحلي كحل بديل؟

في ظل غلاء السيارات الكهربائية المستوردة، بدأت بعض المبادرات في المغرب وتونس تفكر في تطوير حلول محلية عبر تصنيع سيارات صغيرة أو دراجات كهربائية بتكلفة منخفضة.

أمثلة لذلك:

  • مشاريع مغربية ناشئة تعمل على تطوير سيارات كهربائية خفيفة مخصصة للتنقل داخل المدن.
  • بعض المهندسين التونسيين طوروا دراجات كهربائية بقطع محلية وأسعار تناسب السوق الداخلي.

قد تكون هذه الابتكارات، إن حصلت على الدعم والتمويل الكافي، مدخلاً لتجاوز العقبات الحالية.

سابعًا: مستقبل السيارات الكهربائية في شمال إفريقيا – توقعات ورؤية

رغم التحديات الكبيرة، إلا أن مستقبل النقل في شمال إفريقيا يبدو واعدًا على المدى الطويل، بشرط وجود التزام حقيقي من الحكومات نحو التخطيط بعيد المدى، والشراكة مع القطاع الخاص، وتثقيف المواطن حول فوائد السيارات الكهربائية.

ADVERTISEMENT

توقعات مستقبلية:

بحلول 2030، قد يشهد المغرب ارتفاعًا ملحوظًا في نسبة السيارات الكهربائية إذا تواصل دعم البنية التحتية.

في تونس، من المتوقع أن يزداد الاهتمام بالحلول البديلة منخفضة التكلفة مثل الدراجات الكهربائية قبل التوسع نحو السيارات.

بين الطموح الأخضر والواقع الاقتصادي، يقف المواطن المغربي والتونسي في مفترق طرق. السيارات الكهربائية تمثل مستقبلًا أفضل وأكثر استدامة، لكنها ما زالت ترفًا بعيد المنال لغالبية الناس. إن نجاح هذا التحول يعتمد على تكييف الاستراتيجيات مع الواقع المحلي، وليس فقط استنساخ تجارب الدول المتقدمة.

الجيل الجديد من السيارات في شمال إفريقيا ليس حلمًا بعيدًا، لكنه يحتاج إلى واقعية، وجرأة سياسية، واستثمار ذكي، ليصبح حقيقة تعمّ الجميع.

أكثر المقالات

toTop