لماذا على عشّاق السياحة زيارة بغداد؟

ADVERTISEMENT

بغداد، عاصمة العراق وواحدة من أعرق المدن في التاريخ الإنساني، ليست فقط مركزًا سياسيًا وإداريًا، بل أيضاً قلب نابض لحضارة عمرها أكثر من ألف عام. أسسها الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور عام 762 ميلادية، لتصبح لاحقاً عاصمة الدولة العباسية ومركزًا عالميًا للعلم والفن والثقافة. وقد وصفها المؤرخون بأنها "مدينة السلام" و"جوهرة العالم الإسلامي"، لما كانت عليه من تقدم علمي وفكري وازدهار اقتصادي فاق عصرها.

وفقًا لـويكيبيديا وبريتانيكا، فإن بغداد كانت خلال العصر الذهبي الإسلامي موطنًا لبيت الحكمة، ومقصدًا للعلماء والفلاسفة من مختلف أنحاء العالم. واليوم، رغم ما مرت به من أزمات، لا تزال المدينة تحتفظ بكنوز تاريخية ومعالم ثقافية تجعلها وجهة ساحرة لعشاق السفر الذين يسعون لاكتشاف عمق الحضارات.

في هذا المقال، نستعرض لماذا تُعد بغداد محطة لا يمكن تجاهلها في أي رحلة ثقافية جادة، من تاريخها الزاخر، إلى نهرها الساحر، مرورًا بأسواقها القديمة ومعالمها التراثية، وانتهاءً بحيويتها المعاصرة التي تعكس روح مدينة تنهض من تحت الرماد.

ADVERTISEMENT

الإرث التاريخي والحضاري: بغداد عاصمة المجد العباسي

عند الحديث عن السياحة الثقافية والتاريخية، فإن بغداد تتصدر القائمة بلا منازع. أسسها العباسيون لتكون عاصمة الخلافة الإسلامية، وسرعان ما تحولت إلى مركز عالمي للمعرفة والفكر. احتضنت بغداد "بيت الحكمة"، الذي يُعتبر أول مجمع علمي أكاديمي عرفه العالم، حيث تُرجمت فيه أمهات الكتب من اليونانية والفارسية والهندية إلى العربية، وشهد نقاشات فلسفية وعلمية رائدة.

بحسب بريتانيكا، كانت بغداد في القرن التاسع الميلادي من أكبر مدن العالم، ونقطة التقاء للقوافل التجارية والبعثات الدبلوماسية، مما جعلها مدينة متعددة الثقافات والديانات.

ورغم ما تعرضت له من غزوات، خاصة غزو المغول عام 1258، ثم الاحتلالات المتتالية، إلا أن معالمها القديمة ما زالت قائمة، مثل المدرسة المستنصرية، وقصر الذهب العباسي، وجامع الخلفاء. وهذه المواقع تمنح الزائر تجربة نادرة تتيح له المشي على خطى العلماء والخلفاء الذين شكّلوا وجدان الحضارة الإسلامية.

ADVERTISEMENT
بواسطة Mustafa Waad Saeed على Wiki

المدرسة المستنصرية في بغداد، إحدى أقدم الجامعات الإسلامية

نهر دجلة وسحر الطبيعة في قلب المدينة

يمر نهر دجلة من قلب بغداد، ويُعتبر عنصراً حيوياً في طابع المدينة وهويتها. النهر لا يمنح المدينة فقط منظراً طبيعياً ساحراً، بل هو شريان الحياة الذي عاش عليه أهل بغداد منذ تأسيسها. وعلى ضفافه نشأت الحضارات، وبجانبه كُتبت الأشعار وسُطّرت صفحات المجد العلمي والثقافي.

يشكل النهر خلفية رائعة للعديد من الفعاليات الثقافية والمهرجانات، ويتيح للزوار القيام بجولات نهرية عبر الزوارق التقليدية. ويُمكن من الضفة الغربية مشاهدة الجهة الشرقية للمدينة والعكس، ما يمنح تجربة بانورامية مميزة لعشاق التصوير والطبيعة.

تنتشر المقاهي والمطاعم على ضفتي النهر، خاصة في منطقة الكرادة والجادرية، حيث يمكن للزائر تناول وجبة عراقية تقليدية والاستمتاع بمشهد الغروب على مياه دجلة. كما أن قرب النهر من بعض المعالم السياحية مثل الجسر المعلق وحدائق أبو نؤاس يُسهّل على الزائر الاستمتاع بجولة ثقافية وطبيعية في وقت واحد.

ADVERTISEMENT
بواسطة Zzztriple2000 على Wiki

نهر دجلة في بغداد: منبع الجمال والحياة في المدينة

معالم ثقافية لا تُنسى: المتحف العراقي وشارع المتنبي

إذا كنت من محبي الفن، الثقافة، والآثار، فبغداد تحتضن مجموعة من المعالم التي لا يمكن تفويتها. يأتي على رأسها "المتحف العراقي"، أحد أهم المتاحف في الشرق الأوسط، والذي يضم كنوزاً أثرية تعود إلى حضارات سومر وأكد وبابل وآشور. ويُعتبر المتحف نافذة مفتوحة على تاريخ يمتد لآلاف السنين، ويمنح الزائر تصوراً دقيقاً للتطور الثقافي في بلاد الرافدين.

من جهة أخرى، يُعد "شارع المتنبي" القلب الثقافي الحقيقي لبغداد. هذا الشارع الضيق المطل على نهر دجلة، يتحول كل يوم جمعة إلى مهرجان مفتوح للكتب، الفن، والموسيقى. تنتشر فيه مكتبات عمرها أكثر من قرن، وتُقام فيه الندوات والعروض الفنية، وسط رواد مثقفين، فنانين، وطلبة جامعيين.

ADVERTISEMENT

كل من يزور بغداد لا بد أن يمر من المتنبي، ليشتم رائحة الورق القديم، ويسمع صدى الشعر والجدل الفكري الذي لا يخبو.

بواسطة Mondalawy على Wiki

شارع المتنبي: مكتبات، كتب، وموسيقى في قلب بغداد الثقافي

الناس والأسواق: دفء التقاليد وحديث الحداثة

تتميز بغداد بشعبها الودود، المضياف، والمحب للحياة رغم ما مرّ به من أزمات. يُمكن للزائر أن يشعر بدفء الترحاب في الأسواق، المقاهي، وحتى في الشوارع. المدينة لا تنفصل عن ماضيها، لكنها لا تنغلق عليه، إذ ترى فيها مزيجاً من الأزياء التقليدية والمعاصرة، واللهجات العراقية الجميلة التي تُضفي سحراً خاصاً على أي محادثة.

أسواق بغداد، مثل سوق الشورجة، وسوق السراي، تقدم تجربة غنية للزائر. فهنا تجد كل شيء: من التوابل والعطور الشرقية، إلى الصناعات اليدوية والملابس التقليدية، إلى الكتب واللوحات الفنية. ويمكن للزائر أن يستمتع بتجربة التسوق الشعبي المليئة بالألوان، الروائح، والأصوات التي تعبّر عن روح بغداد الأصيلة.

ADVERTISEMENT

كما تنتشر المقاهي الثقافية التي تجمع بين التراث والحداثة، حيث يُمكنك شرب الشاي العراقي الأصيل أو القهوة العربية، بينما تستمع إلى أم كلثوم، أو إلى شاعر شاب يلقي قصيدة من تأليفه.

بواسطة Osamah Ibrahim على Wiki

جامع الخلفاء في شارع الجمهورية قرب سوق الغزل

بغداد ليست مجرد مدينة، بل ذاكرة حيّة لحضارة من أعرق حضارات العالم، ومكان يحمل في زواياه قصصاً لا تنتهي. من مجد الخلافة العباسية إلى نبض المثقفين في شارع المتنبي، من ضفاف دجلة إلى حواري الشورجة، كل حجر في بغداد يروي حكاية تستحق أن تُروى، وكل زاوية تُخبئ سحراً يستحق الاكتشاف.

رغم التحديات التي واجهتها المدينة في العقود الأخيرة، لا تزال بغداد تقف شامخة، متجددة، ومرحبّة بزوارها. إنها وجهة مثالية لمحبي التاريخ، والثقافة، والتجارب الإنسانية العميقة. وأي شخص يحمل شغفاً بالسفر لا بد أن يُدرج بغداد في قائمة المدن التي يجب أن تُزار، ليس فقط لما تحتويه من معالم، بل لما تبثه من إحساس بالانتماء الإنساني لحضارة عظيمة.

ADVERTISEMENT

إن زيارة بغداد ليست مجرد رحلة، بل هي عودة إلى الجذور، ولقاء مع روح الشرق، وانفتاح على قصة أكبر من مدينة… إنها قصة حضارة بأكملها.

أكثر المقالات

toTop