المدينة الضائعة هرقليون.. حضارة تحت الماء
هرقليون المدينة الغارقة التي تم اكتشافها في تسعينيات القرن العشرين ويعود تاريخها إلى القرنين السابع والثامن الميلادي في أعماق خليج أبي قير بالقرب من الشاطئ على عمق تجاوز عشرة أو خمسة عشر متراً، وتضم الاكتشافات التي حدثت في تلك السنوات منحوتات وسفن ومجوهرات ذهبية بالاضافة إلى معبد شبه كامل هو معبد "هرقليون" الكبير الذي كان مكرساً لكل من الإله آمون والإله خنسو في عهد الأسرة البطلمية وتماثيل خشبية وبعض الأواني والمجوهرات الملكية.
على بعد ٦.٥ كلم من مدينة الإسكندرية اكتشف عالم الآثار الفرنسي فرانك جوديو ومعه فريق كامل بعد تحديد بدقة بالغة في خليج أبي قير . فرانك جوديو هو رئيس المعهد الأوروبي للآثار البحرية.
هرقليون بين الحلم والحقيقة
أنشئت مدينة هرقليون على أنقاض مدينة تونيس المصرية التي كانت ميناء لمصر في تلك الفترة على البحر المتوسط وذلك يفسر كونها تضم أنقاض ٦٤ سفينة و٧ مراسي إلى جانب عملات تعود إلى الأسرة البطلمية، وقد تم اكتشاف تماثيل يصل ارتفاعها إلى ١٦ قدماً وبعض التوابيت.
لكليوباترا قصر عظيم في هرقليون وفيها أرضيات رخامية تؤدي إلى قصر مهيب يعتقد أنه أيضا كان لكليوباترا ويحتوي على تمثال ضخم لها يحفظ ويجسد جمالها الأسطوري حتى يومنا هذا، وقد كشف للعالم ذلك القصر قطع أخرى يزيد عددها عن ١٥٠ قطعة تحكي عن الحلقة المفقودة من الحضارة العظيمة التي وصلت لأوج جمالها وابداعها في تلك المرحلة خاصة أنها جمعت بين حضارتين هما الحضارة المصرية القديمة والحضارة الرومانية العريقة.
كيفية غرق المدينة غير معروفة حتى اليوم فبعض الآراء تذكر أنها قد غرقت على إثر زلزال وربما فيضان لكن السبب الحقيقي وراء غرقها غير معروف حتى الآن، لكنها تظل مدينة شاهدة على فترة زمنية خلدت حضارة هذه المنطقة وهذا ما تظهره النقوش النادرة للعملات والتماثيل وحتى المخطوطات لتحكي لنا عن مدينة يتجاوز عمرها ١٢٠٠ عام.
في المنطقة التي هرقليون بنيت فيها كانت مدينة "كانوب" وهو نفس المكان الذي يظن أن إيزيس وجدت فيه الجزء الأخير من أوزيريس بعدما قطعه إله الشر ست أخوه الحقود على نحاجه في الحكم ونثر أجزاؤه في مصر كلها. وهذا استنادا إلى الأسطورة المصرية الخاصة بالالهة ايزيس التي نجحت في جمع أجزاء الجسم المتناثرة الخاص بأوزير وكانت هذه هي القطعه الأخيرة المفقودة.
لماذا سميت هرقليون بهذا الاسم
تعود تسمية مدينة هرقليون إلى ارتباطها بشخصية من الميثولوجيا الإغريقية وهو البطل هرقل الذي كان نصفه بشري والنصف الآخر إله فسميت بسمه لتكون قوية مثله، وازدهرت هذه المدينة حتى نهاية القرن الرابع الميلادي فعاصرت إنشاء الإسكندر الأكبر لمدينة الإسكندرية عام ٣٣٢ ق.م وما تلاه من سنوات حكم الملوك البطالمة حتى عام ٣٠ ق.م ومن ثم الحكم الروماني وولاية روما على مصر كلها.
مدينة هرقليون على مدى العصور
كانت هذه المدينة مثال شاهد على الصلات التجارية القوية بين مصر والامبراطورية الرومانية فبعد دخول الإسكندر الأكبر مصر عام ٣٢٧ ق.م ومن بعده البطالمة حتى عهد كليوباترا السابعة ثم الرومان بعد عام ٣٠ ق.م وحكمها الرومان حتى الفتح الإسلامي لمصر كلها.
حظت مدينة هرقليون باهتمام عالمي فكانت محط أنظار العديد من المنظمات غير الحكومية مع منظمة اليونسكو وكانت تعمل على فتح متحف تحت الماء لعرض هذا الآثار وترتيب رحلات غوص لرؤيتها والاستمتاع بها من خلال مركز غوص المنتزه بالاسكندرية.
كان معبد الإله آمون هو المكان الذي يأتي إليه الفراعنة ليحصلوا على ألقابهم وقوتهم كملوك موكلين من الإله الرسمي للدولة .ففي الجهة الشرقية من معبد آمون تم اكتشاف معبد يوناني الأصل كان مكرساً للالهة أفروديت ربة الجمال وكان يضم المعبد بعض من البرونز والسيراميك.
كما عثرت البعثة الاستكشافية على المنطقة التي كانت تختزن فيها القرابين والنذور والأشياء الثمينة والذهبية المصممة على أشكال أسود وثعابين ودليات وأواني مرمرية كانت تستخدم تحفظ العطور والمراهم التجميلية.
ومجموعة من الأطباق الطقسية من الفضة وقبضة يد كانت قربان مصنوعة من الحجر الجيري وغيرها من القطع التاريخية التي تذخر بها المدينة الغارقة هرقليون التي هي درة الحضارة المصرية تحت المياه.