هل شكّل الشاي التاريخ المعاصر؟

يتمتع الشاي بتاريخ طويل من الشعبية في جميع أنحاء العالم. يُعتقد أنه نشأ في الصين، حيث يعود تاريخ سجلات استخدامه إلى القرن الثالث الميلادي. كان المشروب يستخدم في الأصل كمشروب طبي، وقد انتشر للاستخدام الترفيهي خلال عهد أسرة شانغ وانتشر إلى بلدان آسيوية أخرى. وبعد أن جلب التجار الأوروبيون الأوراق إلى أوروبة في القرن السادس عشر، انتشرت شعبيته في الغرب أيضًا.

تاريخ الشاي:

يمتد تاريخ الشاي عبر ثقافات متعددة على مدى آلاف السنين. يسمّى نبات الشاي كاميليا سينينسيس (Camellia sinensis)، وموطنه شرق آسية. وربما يكون نشأ في المناطق الحدودية في جنوب غرب الصين وشمال ميانمار. تعود إحدى أقدم الروايات عن شرب الشاي إلى عهد أسرة شانغ الصينية، حيث كان يتم استهلاك الشاي كمشروب طبّي. وترجع أقدم السجلات الموثّقة لشرب الشاي إلى القرن الثالث الميلادي، في نص طبي كتبه الطبيب الصيني هوا توه (Hua Tuo). وصل الشاي إلى العالم الغربي لأول مرة عن طريق الكهنة والتجار البرتغاليين في الصين خلال أوائل القرن السادس عشر، وأصبح شربه شائعًا في بريطانية خلال القرن السابع عشر.

تجارة الشاي:

بدأت تجارة الشاي المنتظمة في كانتون، حيث كانت تحت سيطرة اثنتين من كبرى الاحتكارات: شركة كوهونغ الصينية وشركة الهند الشرقية البريطانية. كانت عائلة كوهونغ تحصل على الشاي من "رجال الشاي" الذين كان لديهم سلسلة توريد متقنة تصل إلى الجبال والمقاطعات التي ينمو فيها الشاي. أما شركة الهند الشرقية فكانت تستورد العديد من المنتجات، وكان الشاي واحدًا منها فقط، والذي أثبت أنه أحد أكثر المنتجات نجاحًا. تم الترويج للشاي في البداية كمشروب طبي أو منشط، ولكن مع نهاية القرن السابع عشر تم اعتباره مشروبًا متعدد الأغراض، وإن كان مخصّصًا بشكل رئيسي للنخبة لأنه كان باهظ الثمن. تم تداول الشاي بكميات كبيرة بحلول القرن الثامن عشر، عندما كان الشاي يباع عن طريق محلات البقالة ومحلات الشاي في لندن. بحلول عشرينيات القرن الثامن عشر، تفوق الشاي الأسود على الشاي الأخضر من حيث الشعبية مع انخفاض سعره، وبدأ شاربوه البريطانيون في وقت مبكر بإضافة السكر والحليب إلى الشاي، وهي ممارسة لم تكن موجودة في الصين. وكانت التجارة البحرية الأوروبية مع الصين تهيمن عليها عملية تبادل الفضة مقابل الشاي. مع استمرار انخفاض الأسعار، أصبح الشاي ذا شعبية متزايدة وبحلول عام 1750 أصبح المشروب الوطني البريطاني

entry-icon
entry-icon
entry-icon
entry-icon

الحقبة البريطانيّة:

صورة من unsplash

في عام 1793 طالبت بريطانية الصين بإجراء تبادل للبضائع بين البلدين: الشاي مقابل المنتجات البريطانية، ولكن الإمبراطور تشيان لونغ من أسرة تشينغ رفض التبادل مبرّرًا ذلك بأن: "تمتلك إمبراطوريتنا السماوية كل الأشياء بوفرة غزيرة الإنتاج ولا تفتقر إلى أي منتج داخل حدودها. وبالتالي ليست هناك حاجة للاستيراد مصنوعات البرابرة الخارجيين مقابل إنتاجنا الخاص". ولذلك كان لا بد من دفع ثمن الشاي بسبائك الفضة. كوسيلة لتوليد الفضة اللازمة لدفع ثمن الشاي، بدأت بريطانية في تصدير الأفيون من مناطق الزراعة التقليدية في الهند البريطانية (في باكستان وأفغانستان الحالية) إلى الصين. وأصبح استخدام الأفيون أكثر انتشارًا في المجتمع الصيني، وسبّب مشاكل اجتماعية، فاتُخذت تدابير جادة للحد من استيراد الأفيون في 1838-1839، وخلق هذا مشكلات في تمويل مستوردي الشاي، ما كان أحد الأسباب الرئيسة لحرب الأفيون الأولى.

أطيب التمنيات

في الوقت نفسه، وفي محاولة للتحايل على اعتمادها على الشاي الصيني، بدأت بريطانية باستخدام الهند لزراعة الشاي، وأُنشئت مزارع في مناطق مثل دارجيلنغ وآسام وسيلان صارت تُزرع فيها نباتات الشاي المهرّبة من الصين، وكان للتقانة والمعرفة التي تم جلبها من الصين دور فعال في ازدهار صناعة الشاي الهندي. ظل الشاي مهمًا جدًا في التجارة العالمية لبريطانية، وساهم جزئيًا في هيمنة بريطانية العالمية بحلول نهاية القرن الثامن عشر. حتى يومنا هذا، يُنظر إلى الشاي في جميع أنحاء العالم على أنه رمز "للهوية البريطانية"، ولكن أيضًا بالنسبة للبعض كرمز للاستعمار البريطاني القديم.

تصنيف أنواع الشاي:

صورة من wikimedia

يتم تصنيف أنواع الشاي حسب بلد المنشأ، كما هو الحال في الشاي الصيني، والشاي السيلاني، والياباني، والإندونيسي، والإفريقي، أو حسب المنطقة الأصغر، كما هو الحال في دارجيلنغ من الهند، وأوفا من سريلانكا، وكيمون من مقاطعة أنهوي الصينية، وإنشو من اليابان. يتم تصنيف الشاي أيضًا حسب حجم الورقة المعالجة.

ولكن التصنيف الأكثر أهمية هو من خلال عملية التصنيع، ما يؤدي إلى أربع فئات: المخمرة (السوداء)، وغير المخمرة (الأخضر)، ونصف المخمرة (الشاي الأصفر وشاي أولونج). يتم إنتاج الشاي الأخضر عادة من النبات الصيني ويزرع في الغالب في اليابان والصين، وتكون الورقة المنقوعة خضراء اللون، والسائل خفيفًا أخضر شاحب ومرير قليلاً. الشاي الأسود، وهو النوع الأكثر شيوعًا على الإطلاق، من الأفضل صنعه من نباتات ولاية آسام أو النباتات الهجينة، وتكون الورقة المنقوعة حمراء زاهية أو ذات لون نحاسي، والسائل أحمر فاتحًا وقابضًا قليلاً ولكنه ليس مرًا، ويحمل رائحة الشاي المميزة. أما شاي أولونج فينتج في الغالب في جنوب الصين وتايوان من مجموعة متنوعة خاصة من النباتات الصينية. يكون المشروب شاحبًا أو أصفر اللون، كما هو الحال في الشاي الأخضر، وله نكهة فريدة من نوعها، أو مدخنة.

إنتاج واستهلاك الشاي:

صورة من unsplash

لا تزال الصين رائدة في إنتاج الشاي، حيث أنتجت أكثر من 3.1 مليون طن متري منه في عام 2021. ولكن هناك منتجين كبارًا آخرين في آسية وإفريقية، حيث المناخ مناسب لزراعة الشاي.

من جهة ثانية قُدرت قيمة سوق الشاي العالمي بحوالي 122.2 مليار دولار أمريكي في عام 2022، ومن المتوقع أن ترتفع إلى 160 مليار دولار بحلول عام 2028. وفي حين أن الولايات المتحدة هي أكبر مستورد للشاي في جميع أنحاء العالم، حيث اشترت ما قيمته أكثر من 3.1 مليار دولار في عام 2022، فإن مواطني تركية هم الأكثر شغفًا بالمشروب. في عام 2016، استهلك الشخص التركي العادي ما يقرب من سبعة أرطال من الشاي خلال العام.

المزيد من المقالات