نهر دجلة بين الماضي والحاضر

يقترن عادةً ذكر نهر دجلة بنهر الفرات وذلك لأنهما يجريان معًا في مجرى متشابهٍ إلى حدٍّ كبيرٍ يبدأ بالنبوع من جبال طوروس بجنوب شرق الأناضول في تركيا ، حيث يخرج من الأراضي التركية ليدخل سوريا ومن بعدها يشق مجراه عبر بلاد الرافدين العراق، ليصبح بذلك يقطع مسافة 1,718 كم تقريبًا وفي النهاية يلتقي بنهر الفرات ليتحدا سويًا مكونين شط العرب ومنه ليصبّا في الخليج العربي.

معنى كلمة دجلة

في أصل اللغة فعل "دَجل الشيء" يقصد بها غطّاه لهذا فإن النهر غطاء بمياهه لما تحته من أرض. ورغم أنه المعنى العربي للاسم إلا أن اسمَيْه السومري والسامي قريبان أيضًا من نفس النطق فهو بالسومرية "ادجنا" وبالسامية "ادجلان" .

entry-icon
entry-icon
entry-icon
entry-icon

نهر دجلة بين عظمة الماضي وضيق سدود الحاضر

صورة من wikimedia

يمر نهر دجلة بثلاث دولٍ كبرى هم تركيا وسوريا والعراق كما سبق الذكر وبالتحديد في مدن "بيسميل" و"حن كيفا" وجزيرة "بن عمر" في تركيا ومدينة "المالكية" في سوريا وفي أهم مدن العراق في "الموصل" و"بيجي" و "تكريت" و "سامراء" و العاصمة "بغداد" و"الكوت" و"المدائن" و"العمارة" وأخيرًا "القرنة" حيث يقترن برفيقه نهر الفرات.

أطيب التمنيات

توجد الكثير من السدود على نهر دجلة ومنها سد "دوكان" وسد "دربندخان" و سد "حمرين" وسد "الموصل" وسد "دهوك" وسد "سامراء" وغيرهم من السدود الأخرى. وبالرغم من وجود كل هذه السدود بالفعل على مجرى النهر إلا أن العمل لم يتوقف بعد عن إنشاء واقامة مشاريع جديدة على مدى مجرى النهر فمنهم مثلًا مشروع جنوب شرق الأناضول الذي تقوم بتنفيذه الدولة التركية رغم أنه سيعود بالنفع عليها وعلى الدول المجاورة لها في كثيرٍ من الجهات إلا أنه في الآن ذاته يساهم بشكلٍ أكبر في التعجيل بانحسار مياه النهر والمساهمة في جفاف الأراضي العراقية أكثر وأسرع من المعدل الطبيعي بكثيرٍ.

نهر دجلة هو واحدٌ من أقدم الأنهار في الشرق الأوسط وشهد بداية وذروة وحتى نهاية الكثير من الحضارات عبر التاريخ بداية من الحضارة السومرية والأشورية والبابلية وحتى محطات شديدة الأهمية في التاريخ بعد الفتح الإسلامي، فشهد على الكثير من الأحداث الفارقة في التاريخ مثل انتقال عاصمة الخلافة إلى الكوفة بدلًا من مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة المنورة والعاصمة الثانية دمشق لتصبح ثالث عاصمة للخلافة على مرأى ومسمع الرافدين دجلة والفرات في وقت خلافة "علي بن أبي طالب" رضي الله عنه.

نهر دجلة تحت أيدي التتار

صورة من wikimedia

لم يكن نهر دجلة بمنأى عن الأحداث الأليمة في تاريخ الأمة فقد شاركنا أحداثًا داميةً حزينةً وكان منها واحدة من أكثر الأفعال الهمجية على مدى التاريخ التي دمرت النسخ الأصلية للكثير من الكتابات والمخطوطات العلمية التي كانت موجودةً في بيت الحكمة أكبر مكتبات بغداد الذي كان يضم معظم كتب العالم القديم حتى قيل أن لون مياه نهر دجلة تغيرت إلى الأحمر والأزرق بسبب دماء القتلى وزرقة الحبر الذي خطت به الكتب التي نهبوها من مكتبات بغداد.

نهر دجلة مليء بالكنوز

صورة من wikimedia

منذ أقل من عامين وبسبب انحسار مياه نهر دجلة ظهر كنز تحت مياه النهر، ذلك الكنز هو مدينةٌ أثريةٌ كاملةٌ بحالةٍ مبهرةٍ بالنسبة لكونها كانت تحت سطح المياه لآلاف السنين، تلك المدينة التي تدعى "زاخيكو" المنتسبة إلى إمبراطورية ميتاني التي إتخذت من ضفاف نهر دجلة مقرًّا وموقعًا لها. المدينة التي يزيد عمرها عن 3400 عام حسب تقديرات علماء الآثار العراقيين والألمان الذين أرسلوا بدورهم بعثاتٍ للبحث ودراسة المدينة وتقسيمها والآثار التي تركتها تلك الحضارة. ليصبح ذلك الانحسار الذي تم بسبب كثرة السدود على النهر وبسبب التغيرات المناخية أيضًا وقلة الأمطار وبطبيعة الحال بسبب الاحتباس الحراري الذي غير جميع الموازين في الكرة الأرضية بشكلٍ عامٍ ليس في معدل ماء نهر دجلة فقط.

نهر دجلة وجوده يعني وجود الحضارة والشعور بالعظمة وازدهار الحياة والخضرة حتى وإن مرّ بفتراتٍ صعبةٍ لا بد أن من شهدها وعاشها ظن أنها النهاية لكن على العكس كانت ولا تزال سبب حصول نهر دجلة على هذه المكانة العالية بين الأنهار والمسطحات المائية، ولعل ما نظن أنها النهاية تكون إيذانًا ببدايةٍ جديدةٍ لم تكن في الحسبان.

المزيد من المقالات