أسرار صنعاء القديمة: استكشاف تاريخ العاصمة اليمنية الغامض

هل تساءلت يومًا كيف هي صنعاء؟ وما هو تاريخها؟ هل لفت انتباهك التفاصيل العمرانية التي تغمر البلد بأكملها، بتفاصيلها المميزة، والعبقرية المدهشة في التصميم والجمال العمراني اللافت التي احتفظت به المدينة على مر السنين! في هذا المقال سنخوض معًا رحلة مليئة بالأحداث الشيقة عن تاريخ صنعاء القديم، من هي؟ وكيف كانت؟ وسنعرف بعضًا من أسرار المدينة الغامضة..

كيف هي صنعاء؟

صنعاء - المدينة التي لا تُقاوم، بتاريخها العريق وحضارتها النفسية، فهي على مر العصور كانت دائمًا مُلهمة المؤرخين والشعراء، وعلى مر 3,000 سنة ظلت صنعاء دائمًا صندوق ثمين من الخبايا والأسرار… فهي من قال فيها المؤرخون أنها أقدم مدينة بعد الطوفان!؟

ويعود تاريخ صنعاء بناء على الأبحاث الأثرية إلى أكثر من 1.6 مليون سنة، ويُقال أن بناء المدينة نفسه بدأ مع سام ابن نوح عليه السلام. ويقول البعض أنها المدينة التي بناها "هالك عمرو"، ملك سبأ وذو ريدان، في السنوات 140-150 من تقويم سبأ، أو 1070-1080 قبل الميلاد.

وبسبب موقعها الاستراتيجي المتميز، سيطرت صنعاء على طرق التجارية بين مملكة سبأ في مأرب ومدينة تهامة في ساحل البحر الأحمر، وبحلول القرن الثاني الميلادي أصبحت صنعاء مقر للسلطة وعاصمة المملكة اليمنية القديمة.

صنعاء تحت ولاية الخلافة العباسية

إلى أن نشبت الصراعات بين الدول في المنطقة أدت إلى دخول صنعاء تحت ولاية الخلافة العباسية (749م–1258م)، ولم تلعب الخلافة العباسية دورًا مهمًا إلا في البداية. حيث شهدت صنعاء تناوبًا لثمانية عشر واليًا بين عامي (765م - 800م)

entry-icon
entry-icon
entry-icon
entry-icon

وفي محاولة الخلافة العباسية لفرض سيطرتها على المدينة، أرسل هارون الرشيد حماد البربري إلى صنعاء، وكان هذا الإرسال جزءًا من سعيه لتوسيع نفوذ الخلافة في المنطقة، مما ساهم في ازدهار المدينة.

بعد ذلك، في عام 819م، عيّن الخليفة المأمون الحاكم "بن زياد" لاستعادة النظام في السهل الساحلي، وقام بتأسيس مدينة "زَبِيْد" التي أصبحت عاصمة اليمن الأسفل ومركزًا ثقافيًا دائمًا.

كما ظهرت دولة بني زياد "السلالة الزيدية" بعد ذلك، واستمرت في الحكم حتى حوالي (819-1018)م، وبالنسبة لهم كانت مدينة صنعاء تُمثل انطلاقة قوية للسيطرة على كل اليمن، بينما من ناحية أخري نظرت السلالة الرسولية (1229-1454) إلى المدينة على أنها معسكر استراتيجي حاسم لجنودها، مما يعكس أهمية المدينة في تلك الفترة.

ونظرت السلالة اليظفرية التي انفصلت عن الخلافة العباسية، بعد سلسلة من المعارك مع القوات الزيادية عام 819 م، على أن صنعاء عاصمة لها، وامتدت ولايتها القضائية من اليمن إلى حضرموت واستمر حكمها حتى حوالي 1000 بعد الميلاد.

أثر الخلافة العباسية والأموية على عمارة مدينة صنعاء القديمة

الصورة عبر Dan على flickr

خلال هذه الفترة، تأثرت العمارة في مدينة صنعاء بشكل كبير للغاية، حيث ظهرت بطابع إسلامي عريق تأثرًا بالخلافة العباسية والخلافة الأموية التي سبقتها، وكان أول ما تم بناءه هو الجامع الكبير، ومن ثم مقبرة ومصلى العيد، كما تم ترميم أسوار المدينة وأضيف لها سبعة مداخل، وتوسعت المدينة أكثر وأكثر من جهة الغرب في العصر الأيوبي، حيث شيد بستان السلطان ومقر الحاكم على الضفة الجنوبية من النهريان.

أطيب التمنيات

الجامع الكبير بصنعاء.. علامة بارزة على تطور العمارة الإسلامية باليمن

صورة Old City, Sana'a, Yemen من تصوير Rod Waddington على flickr

المساجد هي أحد فنون العمارة الإسلامية التي إذا ما تم للمسلمين فتح أي بلد، فورًا يُبادورن بإنشاء المساجد فيها، لترسيخ قيمهم وعقائدهم الإسلامية في هذه البلد.

وفي صنعاء يُعتبر الجامع الكبير من أقدم المساجد، حيث أنه بُني في بداية انتشار الإسلام، وقيل إن مروة بن مسك المرادي أو إبان بن سعيد بن العاص قاما بتأسيسه، ويظل هذا المسجد شاهدًا على بدايات انتشار الإسلام في اليمن، ويُعتبر علامة مهمة بارزة على تطور العمارة الإسلامية في المنطقة.

بدأ الجامع ببساطة وتطور مع مرور الزمن، وشهد مراحل متعددة من التجديد والتوسع أثناء حكم الخلفاء الأمويين والعباسيين، ويمتاز المسجد ببنيته البسيطة والمستطيلة، ويتميز بتصميمه المعماري والزخرفي الجميل، ما يمنحه أهمية كبيرة في مساجد اليمن.

كما يحتوي الجامع على كتابات كوفية ونسخية، وزخارف متطورة، مما يجعله واحدًا من أهم المساجد في اليمن من الناحية المعمارية والثقافية.

عصر آخر عاشته اليمن وتأثيره باق إلى الآن.. العصر العثماني

صورة Troop review Main Guard Valletta Malta 1900 من تصوير Frank Lea-Ellis على flickr

عاشت اليمن تحت حكم الدولة العثمانية كما عاشت من قبل تحت الحكم الأموي والعباسي، وخلال الفترة التي امتدت ما بين الأولى بين 1539 إلى 1918م سعى العثمانيون إلى تحرير اليمن من الاحتلال البرتغالي وتطوير البنية التحتية.

وقد أُنشئت مستشفيات ومدارس ومؤسسات تعليمية، بالإضافة إلى بناء القلاع والمدن وترميم المساجد. كما أُرسل الطلاب اليمنيين للدراسة في مدرسة خاصة في إسطنبول، سُمّيت مدرسة "العشائر العربية". وكان الطلاب فيها يتلقّون تعليمهم لمدة 5 سنوات، تُوَفَّر لهم خلالها الخدمات والمصاريف التي يحتاجون إليها.

من بين المعالم البارزة التي بنيت في تلك الفترة، دار الصنائع وكلية القيادة والأركان ومجمع العرضي، الذي يستخدم اليوم كمبنى لوزارة الدفاع، وبنوا حي اليهود - سوق السبح حاليًا - وغيره من الأحياء الأخرى الجميلة في الشرق والغرب.

حافظ هذا الإرث العظيم والهائل من العمارة التاريخية في مدينة صنعاء القديمة على نسيجه الحضاري والمعماري على مر السنين - لتقدم مدينة صنعاء بذلك مثالًا حيًا للمدن الإسلامية بجمالها اللافت وزينتها الساحرة، وما ميزها هي الألوان المتجانسة، والأشكال الهندسية البارزة والتفاصيل الأخرى التي سنتعرف عليها في الفقرة التالية.

تفاصيل وأسرار في بنايات صنعاء العتيقة الشاهقة.. تعرف عليها الآن!

الصورة عبر World Bank Photo Collection على flickr

وسط مدينة صنعاء هناك الكثير من التفاصيل الجمالية الكثيرة والمتنوعة، التي مازالت محتفظة بطابعها المعماري المختلف والفريد من نوعه، وهذا الإتقان يحكي قصص وأسرار وحكايات يصعب على الزائر معرفتها، فلكل حجر تاريخ ولكل لون قصة تمتد عمرها لأكثر من 700 سنة.

السر الأول: استخدام أحجار الياجور (حجمها صغير، لونها أحمر)

صورة Sunrise - Sana'a, Yemen من تصوير Maciej Dakowicz على flickr

إن أهم ما يُميز العمارة اليمنية القديمة، هو تعدد وتنوع موارد البناء التي بدورها أدت إلى انتشار تقنيات وأساليب مختلفة للبناء، ومن أهم هذه الموارد هو حجر الياجور الذي يُعتبر أخف مقارنة بالأحجار الأخرى.

وهو أيضًا من أسرار بناء المنازل الرائعة في "صنعاء القديمة" فهو:

● يسهل بناء طوابق إضافية.

● يتميز بقدرته على احتجاز الحرارة نهارًا، مما يجعل المنزل دافئًا في الليالي الباردة.

● يُستخدم معه الجص أيضًا في عمليات البناء لمقاومة التفتت والتحلل والتجريف بسبب الأمطار، وتغطية سطوح المنازل بمادة القضاض والجص لتسهيل عملية تصريف المياه.

كما أن حب اليمنيون لفن العمارة جعلهم يتقنون البناء باستخدام المواد التقليدية، وخلقوا بها لوحات فنية رائعة لا تفقد بريقها مع مرور الزمن، ولم تستطع التقنيات الحديثة منافسة جمالها ولا روعتها إلى الآن، وظلت صنعاء متمسكة بفنها وروعتها، لتروي للأجيال القادمة قصة ملهمة عن حضارة وتاريخ وفن العمارة اليمنية الفريدة.

السر الثاني: المنازل مترابطة، في نمط عمراني مميز.

الصورة Bab-ul-Yemen, Sana'a من تصوير Dan على flickr

تميزت صنعاء القديمة بنظام متقن في التزين بالجبس، في الأجزء البارزة مثل: الإطارات والأبواب، والنوافذ، والحدود ما بين الطوابق وبعضها، كما تميزت المدينة بمنازلها المترابطة والمتداخلة، التي تشكل نمطًا عمرانيًا فريدًا، مصممًا بعناية وفقًا لعوامل اجتماعية وأمنية ومناخية واقتصادية.

فطبيعة المناخ لهذه المدينة لعب دورًا كبيرًا في توجهاتها البنائية، فقد كانت طبيعة المناخ حارة في الصيف وباردة نسبيًا في الشتاء، وأدى هذا إلى توجيه أهل المدينة لبناء منازلهم بشكل متلاصق لحماية تعرض أسطحها الخارجية إلى أشعة الشمس المحرقة لفترة طويلة، ومن ناحية أخرى يستفيد المشاة من التشكيل الضيق للشوارع في تجنب أشعة الشمس.

كما تم تصميم النوافذ المقابلة أماكن الجلوس والمقايل والمفارج (حجرة مبنية أعلى البيت) باتجاه الجنوب لاستقبال الرياح الدافئة في فصل الشتاء، بينما تم تصميم أماكن الخدمات باتجاه الشمال لتتعرض للهواء البارد.

السر الثالث: مواد البناء المستخدمة تعيش لعمر طويل!

صورة Dar al Hajar (دار الحجر), Wadi Dhahr - وادي ظهر تصوير Dan على flickr

تميزت مدينة صنعاء القديمة بالجمع بين أربعة أنماط رئيسية من المنازل، وهي:

● المنازل ذات الطابقين.

● المنازل ذات الثلاثة طوابق.

● المنازل ذات الأربعة طوابق.

● وأخيرًا المنازل التي تتراوح بين أربعة إلى ثمانية طوابق.

ولا سيما الأخيرة التي تبرز بجمالها وروعتها التي لا مثيل لها - في هذه النمط، يتم بناء الأدوار الأولى باستخدام الحجر، بينما يتم إنشاء الطوابق العلوية باستخدام مادة الياجور، وهي عبارة عن طوب متفحم يميل للاحمرار، مما يضفي على هذه المنازل سحرًا خاصًا وتفرُّدًا في المظهر.. تحدثنا عنها سابقًا!

أما في البناء الخارجي، يتم استخدام الأحجار البازلتية مثل الجعم في الأساسات، والحبش والحجر الأسود الصعدي في الأركان والزخرفة. وفي الأدوار العليا، يتم استخدام الياجور بسبب جمال منظرها وخفة وزنها وقوتها، مما يسمح بتشكيل واجهات المباني بأشكال مختلفة ومتميزة.

تأثرت مظاهر بناء المدينة بتلك المواد المحلية عبر مئات السنين، مما أدى إلى تجانس وانسجام ملحوظ في المنظر العام لمنازل صنعاء القديمة، وأضفى على المدينة طابعًا مميزًا ومتناغمًا، أثره باق إلى هذا اليوم.

المزيد من المقالات