مسحّراتي لا يزال يقوم بهذه المهمّة في دمشق
مسحّراتي لا يزال يقوم بهذه المهمّة في دمشق

خلال شهر رمضان المبارك، الذي يصادف الشهر التاسع من التقويم الإسلامي القمري، يُطلب من جميع المسلمين الصيام أي الامتناع عن الطعام والشراب من الفجر حتى الغسق لمدة 30 يومًا. نظرًا لأن شهر رمضان يتقدم بحوالي 11 يومًا تقريبًا كل عام في التقويم الغريغوري الشمسي، فإن المسلمين يختبرون شهر رمضان في مواسم مختلفة طوال حياتهم.

يهدف فعل الصيام إلى تذكير المسلمين بالناس الفقراء والجائعين وتعزيز الحاجة إلى الامتنان. باعتباره أحد أركان الإسلام الخمسة أو واجباته، فإن صيام شهر رمضان إلزامي لجميع المسلمين البالغين الأصحاء. ويستثنى من ذلك الأطفال الذين لم يبلغوا سن البلوغ، وكبار السن، وغير القادرين جسدياً أو عقلياً على الصيام، والحوامل والمرضعات والمسافرين.

الصيام في شهر رمضان يعني الامتناع عن كل طعام أو شراب، بما في ذلك الماء والعلكة، من الفجر إلى غروب الشمس. يوصى قبل شروق الشمس أن يتناول المسلمون وجبة الإفطار المعروفة باسم السحور. غالبًا ما تشبه هذه الوجبة وجبة الإفطار، ولكن في بعض الثقافات قد تشمل المزيد من الأطعمة الشبيهة بالعشاء.

ADVERTISEMENT

من التقاليد الرمضانية هو وجود أشخاص يوقظون المؤمنين لتناول وجبة السحور هذه، ويدعى هؤلاء الأشخاص بالمسحراتيين. المسحرّاتي التقليدي يقرع الطبول ويردد الأغاني الدينية لإيقاظ المسلمين قبل شروق الشمس لتناول "السحور"

  يكسر قرعُ طبلِ المسحّراتي صمتَ الليل في رمضان
يكسر قرعُ طبلِ المسحّراتي صمتَ الليل في رمضان

ورغم أن هذا التقليد يوشك على الزوال ببعض الدول الإسلامية إلا أن هذا التقليد لايزال قائما في العاصمة السورية دمشق على الرغم من الاعتماد المتزايد على الهواتف الذكية، فقبل حوالي ساعة من انطلاق آذان الفجر يسير قارعو طبول رمضان المعروفون باسم "المسحراتي" في الشوارع الضيقة لإيقاظ المؤمنين، ومن بين المسحراتيين الثلاثين الذين بقوا في دمشق حسن الراشي ٦٠ عاما (عازف الدرامز القديم) الذي يذكر أن التقليد يعود إلى زمن لم تكن فيه وسائل التنبيه الإلكترونية متاحة، فيقول:

ADVERTISEMENT

"كان أجدادنا يعتمدون فقط على المسحراتي للاستيقاظ لأنه في ذلك الوقت لم تكن هناك أجراس أو هواتف محمولة". لقد تغير الزمن الآن ولكن الناس في سوريا لا ينسون تقاليدهم، فيضيف قائلاً:

"إن شخصية المسحّراتي هي أيضا جزء من التقليد لذا لن ننساها أو نتخلى عنها".

يكسر صوت المسحراتي صمت الليل في المدينة القديمة بالعاصمة ويقول راشي: "استيقظْ للسحور فقد جاء رمضان لزيارتك". ويُضيف:"لايزال الناس يرغبون في الاستيقاظ على صوت المسحراتي فهو جزء من عاداتنا وتقاليدنا وهو إرث لن نتركه وراءنا".

أثناء أداء مهمة المسحراتي، يحمل راشي قصبا من الخيزران في إحدى يديه وطبلا مصنوعا من جلد الماعز في اليد الأخرى وهو يمشي بسرعة من منزل إلى آخر مستخدما عصاه ليقرع على أبواب الأسر التي طلبت خدماته وعلى الرغم من أنهم يتلقون الهدايا إلا أن المسحرّاتيين لا يتوقعون عادة مكافآت مالية، ويحملون أحيانا أكياسا أو سلالا من القش لتخزين الطعام والهدايا الأخرى التي تُقدَّم لهم. بالنسبة لراشي، الأمر لا يتعلق بالهدايا المجانية، إذ يقول: "نشعر بالسعادة عندما نخرج كل يوم"، ويضيف: "يتبعنا بعض الأطفال أحيانا ويطلبون قرع الطبل".

ADVERTISEMENT
لا يكتمل شهرُ الخير إلاّ بتقليد المسحّراتي الجميل
لا يكتمل شهرُ الخير إلاّ بتقليد المسحّراتي الجميل

قبل الآذان يطلب شريف حرشو (٥١ عاما)، وهو مسحّراتي آخر من أحد جيرانه كوبا من الماء قبل بدء صيامه وهو عادة ما يرافق المسحّراتي راشي ويقرع طبلته معه. يقول شريف: "معدّاتي بسيطة، وهي صوتي وطبلتي وعصاي، فلا أنادي إلّا بصوتي باستخدام طبلة بسيطة من جلد الماعز وهذه العصا الخشبية"، ويضيف قائلاً: "إن الطبلة هي نفسها التي كانت تستخدم في الماضي ولم تتغير على مرّ القرون".

قام شريف الذي كان والدُه أيضا مسحّراتيّا في رمضان بأداء هذا الواجب منذ ما يقرب من ربع قرن، ويقول: "إن الحرب المستمرة على سورية منذ أكثر من عقد من الزمان وجائحة كورونا لم تمنعانه من الاستمرار"، ويُضيف: "سأواصل إيقاظ الناس للسحور طالما أن لدي صوتًا في حلقي، فهو واجب ورثته من والدي وسوف أنقله إلى ابني".

إن تقليدَ المسحّراتي هو أحد التقاليد المحببة في رمضان المبارك بالإضافة لفوانيس رمضان والأكلات التقليدية اللذيذة.... ومن الرائع أن دمشق لاتزال تحتفظ بهذا التقليد من الإرث القديم، بل لا يكتمل شهر الخير إلاّ بهذه التقليد الجميل.

ADVERTISEMENT

المزيد من المقالات