السباق الذي لا ينتهي لبناء أعلى مبنى في العالم

منذ أن بدأ البشر في بناء المنشآت، كانوا يبنون أبنيةً متّجهةً نحو الأعلى. وعلى مدار آلاف السنين، وصلت منشآتنا إلى ارتفاعاتٍ أكثر فأكثر في طريقها إلى كبد السماء، تحثّنا على ذلك دوافع مختلفة: الدين والديمقراطية والقومية والتجارة والتصميم الهندسي، على سبيل المثال لا الحصر. بنى المصريون القدماء أهراماتٍ ضخمةً لحماية أجساد فراعنتهم المحنّطة. واستخدم المسيحيون الابتكارات الهندسية القوطية مثل الدعامات الطائرة والأقواس المُقبّبة لبناء الكاتدرائيات الشامخة المُمتدّة نحو السماء. بينما قام الأمريكيون ببناء مركز التجارة العالمي لجلب الأعمال التجارية الدولية إلى نيويورك. في جميع أنحاء العالم، تمتّع العديد من المنشآت التي بناها الإنسان، لفترةٍ من الزمن، بلقب أعلى مبنى في العالم. وبدءاً من تاريخٍ يعود إلى قبل أكثر من 4500 عام وصولاً إلى وقتنا الحاضر، إليك جدولٌ زمنيٌّ يوضِّح بالتفصيل حاملي ذلك الرقم القياسي، من الجيزة إلى دبي.

الهرم الاكبر

الجيزة، مصر

منذ حوالي 2550 ق.م. إلى عام 1311 م؛ 1548-1569؛ 1573-1625

الارتفاع: 455 قدماً (481.4 قدماً قبل تآكله)

الهرم الأكبر -المعروف أيضاً باسم هرم خوفو على اسم الفرعون المصري الذي تمَّ بناء الهرم لدفنه- هو أكبر أهرامات الجيزة. هذا الهرم معروفٌ بالنسبة لنا على أنه بناءٌ عملاقٌ ذو لونٍ رملي، ولكنه كان في أيام تألّقه ذا لونٍ أبيضَ متلألئٍ، نتيجةً لوجود غلافه الأصلي المكوَّن من الحجر الجيري والذي تآكل بمرور الزمن. تمتّع خوفو بثلاثة عهودٍ استحقّ فيها لقب أعلى مبنى في العالم، حيث ظهر منافسون له ثمَّ انهاروا خلال فترة العصور الوسطى وخلال عصر النهضة. خلال عهده الأول الذي لا مثيل له من الوجود على قمة الترتيب، والذي بلغت مدته الإجمالية ما يقرب من أربعة آلاف سنة، كان المنافس الوحيد الذي اقترب منه من حيث الارتفاع هو منارة الإسكندرية التي كان ارتفاعها يبلغ حوالي 350 قدماً قبل سقوطها واندثارها.

كاتدرائية لينكولن

لينكولن، إنجلترا

entry-icon
entry-icon
entry-icon
entry-icon

1311-1548

الارتفاع: 525 قدم*

استغرق بناء هذه الكاتدرائية القوطية المبكرة ذات المنظر المهيب ثلاثة قرون. وبعد أن تمَّ نصب برجها المركزي، بدت الكاتدرائية كحاكمةٍ للسموات وهي في موقعها على قمة تلٍ في لينكولن شاير. وهناك يظهر "عفريت لينكولن" المحبوب محلياً وهو يراقب جوقة الكنيسة الشهيرة التي تكمّلها منحوتات الملائكة. وهذا العفريت هو عبارة عن كائنٍ بشعٍ ذي قرونٍ منحوتٍ في أعلى عمودٍ مجاورٍ للمبنى الرئيسي. وتقول الرواية أنّ العفريت الذي أرسله الشيطان لإحداث الضرر، تمَّ تحويله إلى حجرٍ بواسطة ملاكٍ منتقمٍ، ومن ثمَّ لم يغادر الكنيسة أبداً.

مع بناء كاتدرائية لينكولن، دخل لقب "أعلى مبنى في العالم" عصر الكنائس المسيحية المتنافسة. في عام 1548، بعد سقوط برج كاتدرائية لينكولن في عاصفةٍ شديدةٍ، حصلت كنيسة القديسة ماري في شترالسوند في ألمانيا على اللقب، بارتفاع قدره 495 قدماً. ثم انهار برج كنيسة القديسة ماري، ممّا سمح لكنيسةٍ فرنسيةٍ بالحلول في مركز الصدارة.

كاتدرائية سيدتنا في ستراسبورغ

صورة من Wikimedia Commons

ستراسبورغ، فرنسا

أطيب التمنيات

1647-1874

الارتفاع: 465.9 قدم

من بين الكاتدرائيات التي حصلت على الرقم القياسي للارتفاع بعد كاتدرائية لينكولن، احتفظت كاتدرائية ستراسبورغ باللقب لأطول مدّةٍ. وقد وصفها فيكتور هوغو بأنها "أعجوبةٌ فائقة الدقّة"، في حين شبّهها غوته بـ "شجرة الله الشاهقة ذات الارتفاع السامي والممتدّة على نطاقٍ واسعٍ". عبر تاريخها الطويل، تعرَّضت هذه الكاتدرائية لأضرارٍ متنوعةٍ في حروبٍ متعدّدةٍ. فقد أشعلت المقذوفات النار في صحنها الرئيسي خلال الحرب الفرنسية البروسية عام 1870؛ وخلال الحرب العالمية الأولى، تمَّت إزالة اثنين من أجراسها بغرض الحصول على معدنهما؛ وأثناء الاحتلال النازي لفرنسا خلال الحرب العالمية الثانية، سرق جيش هتلر نوافذها الزجاجية الملوَّنة. في عام 1945، أعيد اكتشاف تلك النوافذ في منجم ملحٍ ألماني من قبل رجال الآثار التابعين للجيش الأمريكي، وهم مجموعةٌ من الدعاة المنتشرين للحفاظ على الأعمال الفنية.

عاد الرقم القياسي للارتفاع إلى ألمانيا في عام 1874، مع الانتهاء من بناء كنيسة القديس نيكولاس التي يبلغ ارتفاعها 484 قدماً في هامبورغ. وفي عام 1876، حصلت كاتدرائية روان الفرنسية على اللقب، حيث بلغ ارتفاعها 495 قدماً. وأخيراً، في عام 1880، أصبحت كاتدرائية كولونيا التي يبلغ ارتفاعها 515 قدماً في ألمانيا آخر كنيسةٍ تحمل الرقم القياسي للارتفاع.

نصب واشنطن التذكاري

صورة من Wikimedia Commons

واشنطن العاصمة.

1884-1889

الارتفاع: 555.4 قدم

تمَّ وضع نهايةٍ للسلسلة الطويلة من المباني الشاهقة المخصّصة لعبادة الله، عندما اكتمل تشييد نصب واشنطن التذكاري بهدف تكريم أول رئيس للولايات المتحدة. ونتيجةً لصعوبات التمويل التي أوقفت عملية البناء، تمًّ بناء هذه المسلة على مرحلتين، وباستخدام ثلاث قطعِ رخامٍ مختلفةٍ. وقد تأثّرت الحجارة بالعوامل الجوّية بشكلٍ مختلفٍ، لذا لا يزال بإمكان الزوّار رؤية التباين اللطيف بين ألوانها. وبطريقةٍ أقرب إلى الأعجوبة، لم يتمّ استخدام الملاط في بناء النصب التذكاري. فوقوفه منتصباً لا يعتمد إلّا على ثقل حجارته وعلى الاحتكاك فيما بينها.

برج ايفل

صورة من Wikimedia Commons

باريس

1889-1929

الارتفاع: 1,024 قدم*

عرض ألكسندر-غوستاف ايفل تصميمه الشبكي لأول مرة في المعرض العالمي لعام 1889، وكان يُطلَق عليه في الأصل اسم "برج 300 متر". لكنّ ارتفاعه في الحقيقة ليس ثابتاً تماماً: فمع تمدّد حديده أو انكماشه بسبب تغيّرات درجة الحرارة، يزداد طول البرج بضع بوصاتٍ كلَّ صيفٍ، بينما ينكمش في فصل الشتاء. وقد تمَّ طلاؤه 19 مرةً، معظمها بالطريقة اليدوية، من أجل حماية المعدن والحفاظ عليه. أُعطي برج إيفل أغلفةً بألوانٍ مختلفةٍ هي البني المُحمرّ والأصفر والكستنائي قبل أن يأخذ غلافه الحالي بلونه المميَّز "بني برج إيفل" في عام 1968.

بناء امباير ستايت

صورة من Wikimedia Commons

مدينة نيويورك

1931-1970

الارتفاع: 1250 قدم*

لم يتمتّع مبنى كرايسلر بالمركز الأول لعلو المباني لفترةٍ طويلةٍ. فمع حلول الوقت الذي ظهر فيه لأول مرّة، كان قد تمَّ بالفعل وضع حجر الأساس لمبنى إمباير ستايت الذي قُدِّر له أن يتفوّق على جاره في وسط المدينة بعد 13 شهراً فقط من البناء. تُعَّد ردهة آرت ديكو في البرج مَعْلَماً تاريخياً مُميّزاً، لكنّ معظم الزوار يأتون للاستمتاع بالمنظر من الأعلى. وقد تمَّ تصنيف البرج على أنه أهمُّ منطقةٍ للجذب السياحي في البلاد، حيث يجذب أربعة ملايين زائر -وحوالي 25 صاعقةً- كلَّ عامٍ.

برجا بتروناس

صورة من Wikimedia Commons

كوالالمبور، ماليزيا

1996-2004

الارتفاع: 1,483 قدم

تمَّ بناء هذَين البرجَين التوأمَين ليكونا المقرّ الرئيسي لشركة النفط الماليزية بتروناس، وهما يرتبطان مع بعضهما بجسرٍ طويلٍ مُكوَّنٍ من طبقتَين عند الطابقين 41 و42. من أجل تثبيت المبنيَين لديهما أساسٌ يمتدّ 400 قدمٍ تحت الأرض. والشكل الذي يعطيه كلُّ برجٍ بانطباعه على الأرض مُستوحىً من النجمة الثمانية، وهي شكلٌ إسلامي ماليزي تقليدي.

تايبيه 101

صورة من Wikimedia Commons

تايبيه، تايوان

2004-2010

الارتفاع: 1,667 قدم

في ليلة رأس السنة الجديدة في عام 2004 كان الظهور الأول لمركز تايبيه المالي بواسطة دوي انفجارٍ كان فاتحةً لعروض الألعاب النارية السنوية التي صارت شهيرةً الآن. بالنسبة للبعض، فإنّ تصميم البرج يذكّرهم بمعبد باغودا، وهو برجٌ شرق آسيوي تقليدي متعدّد الطبقات. لكنّ مهندسه المعماري في الحقيقة اعتمد في تصميم مظهر المبنى على مواصفات ساق الخيزران. يُعرَف البرج الآن باسم تايبيه 101، وهو يضمّ مرصداً فلكياً داخلياً وآخرَ خارجياً ومركزاً تجارياً ومطاعمَ راقيةً.

برج خليفة

صورة من Wikimedia Commons

دبي، الإمارات العربية المتحدة

منذ 2010 إلى الوقت الحاضر

الارتفاع: 2,717 قدم

تمَّ تشييد ناطحة السحاب "العملاقة" هذه -وهو تصنيفٌ يشمل المباني التي يزيد ارتفاعها عن 1968 قدماً- في ست سنوات فقط، وبلغت تكلفة بنائها 1.5 مليار دولار. باعتباره أعلى مبنى في العالم، يحمل برج خليفة أيضاً أرقاماً قياسيةً أخرى، هي لأعلى منصة مراقبة ولأطول عمود مصعد ولغيرها. يبلغ ارتفاع هذا البرج المبهر 200 طابق، لكنّ 160 منها فقط صالحةٌ للسكن. وتحتوي طوابق هذا المارد التي يمكن الوصول إليها فندقاً من فئة الخمس نجوم ومكاتب ومطاعم ومساكن صمَّمها جورجيو أرماني.

المزيد من المقالات