وعرّفه على رفاقه الفنانين، ثم أصدرا معًا مطبوعة صغيرة تضم رسومًا وقصائد. بعد ثلاث سنوات عاد جبران إلى بيروت، فدرس في مدرسة السيدة، وأطلق مجلة يدوية يوزعها على زملائه.
في صيف 1901 سافر من بيروت إلى مرسيليا، ثم مشى في شوارع باريس وروما، قبل أن يستقر في نيويورك. عرض داي لوحاته في شقة صغيرة، فحضرت ماري هاسكل، مديرة مدرسة فنية، وقررت دفع تكاليف معيشته ومستلزمات رسمه، وكتبت له رسائل يومية حفظتها لاحقًا في دفاتر. أرسل جبران مقالات إلى جريدة «المهاجر»، ثم جمعها في كتاب صدر عام 1905 بعنوان «الموسيقى». أعقبه كتاب «دمعة وابتسامة» و«عرائس المروج»، حيث كتب نثرًا قريبًا من لغة الناس، لكنه حافظ على إيقاع الشعر القديم.
في ربيع 1908 ركب القطار إلى باريس، فدخل أكاديمية جوليان، وقضى صباحاته في متحف اللوفر ينسخ التماثيل. تأثر بتماثيل رودان، وقرأ كتب نيتشه، ثم التقى الشاعر أمين الريحاني في مقهى «لابال» فصارا يتجولان معًا. أنهى رواية «الأجنحة المتكسرة» وطبعها في باريس عام 1912، فوصلت إلى يد مي زيادة في القاهرة، فبدأت بينهما مراسلة استمرت خمسة عشر عامًا. عاد إلى نيويورك سنة 1911، فأصبح اسمه معروفًا في صالونات المهاجرين، ونشر نصوصه في جريدة «الفنون» التي تصدر في بروكلين.
في خريف 1923 سلم مخطوطة «النبي» إلى دار «ألفريد آ. كناوف»، فصدرت الكتاب بالإنجليزية في تشرين الأول، وبيعت منه ألف نسخة في الأسبوع الأول. تلاه «الرمل والرغوة» و«البدائع والطرائف» و«السنابل»، حيث كتب بالعربية أحيانًا وبالإنجليزية أحيانًا أخرى. كتب مسرحية قصيرة بعنوان «لعازر وحبيبته»، وطبع آخر كتبه «آلهة الأرض» في آذار 1931، فوصل إلى المكتبات قبل وفاته بأسابيع.
توفي جبران فجر 10 نيسان 1931 في مستشفى «سانت فينسنت» بنيويورك، فنُقل نعشه في سفينة إلى بيروت، ثم على ظهر حمار إلى بشري، حيث دُفن تحاد شجرة ربانية. يُذكر اسمه اليوم كلما تُراجع حركة الشعر في القرن العشرين، لأنه أدخل لغة حالمة وصورًا بسيطة إلى النثر العربي. يبيع «النبي» ملايين النسخ سنويًا في العالم، لكن النقاد الإنجليز لا يذكرونه في كتبهم عن الأدب العالمي، بينما يظل القراء يقتنون كتبه لأنه يتحدث عن الحب والموت والحرية بلغة تشبه صلاتهم الخاصة.
ريبيكا سوليفان
· 15/10/2025