الجانب المظلم من تكنولوجيا السيارات: هل أنظمتنا الإلكترونية معرضة للاختراق؟

في السنوات الأخيرة، شهد قطاع السيارات قفزة نوعية في مجال التكنولوجيا، حيث باتت السيارات مزوّدة بأنظمة إلكترونية متقدمة تُسهّل القيادة، وتوفّر الراحة، وتزيد من مستويات السلامة. غير أن هذه الميزات نفسها، التي بدت في البداية كمكاسب، كشفت عن وجه آخر لا يقل خطورة: القابلية للاختراق الإلكتروني.

ومع تزايد الاعتماد على الاتصال بالإنترنت، وتقنيات البلوتوث، والشبكات الداخلية للسيارة، دخلنا مرحلة جديدة لم تكن مألوفة في السابق، وهي أمن السيارات أو ما يُعرف بالأمن السيبراني في مجال المركبات. والسؤال الجوهري الذي يطرح نفسه اليوم: هل أصبحت سياراتنا الذكية "ذكية" لدرجة تهددنا؟

الصورة بواسطة RossHelen على envato

أولًا: الأنظمة الإلكترونية للسيارات — ما الذي تغير؟

لم تعد السيارة مجرد محرك وعجلات ومقود. السيارة الحديثة تحتوي على ما بين 70 إلى 100 وحدة تحكم إلكترونية (ECUs)، كل منها يؤدي وظيفة معينة، من إدارة المحرك إلى الوسائد الهوائية، ومن المكابح إلى التحكم الترفيهي، وغيرها الكثير.

تتواصل هذه الوحدات مع بعضها عبر شبكات داخلية معقدة، أبرزها شبكة CAN bus، وهي بمثابة الجهاز العصبي المركزي الذي يربط بين مكوّنات السيارة الإلكترونية. هذه البنية المعقدة تفتح المجال لتطوير تقنيات مذهلة، ولكنها، في الوقت ذاته، تزيد من السطح المعرض للهجوم الإلكتروني.

ثانيًا: كيف تتم عمليات اختراق السيارات الذكية؟

1. الهجمات عن بُعد(Remote Attacks)

هذه أخطر أنواع الهجمات، حيث لا يحتاج المخترق لأن يكون بالقرب من السيارة. باستخدام إشارات الشبكات أو البلوتوث أو الاتصال اللاسلكي، يمكن تنفيذ الهجوم من أي مكان. على سبيل المثال، يمكن الوصول إلى أنظمة السيارة عبر تطبيقات الهاتف المتصلة بها.

2. الهجمات الفيزيائية(Physical Access)

تتم عند حصول المخترق على وصول فعلي للسيارة، من خلال منفذ الـOBD-II (الذي يُستخدم للفحص الفني)، ما يتيح له التعديل على برامج القيادة، أو استغلال النظام للسيطرة على وظائف معينة.

3. الهجمات عبر التحديثات البرمجية (Software Updates)

تحديث أنظمة السيارة أصبح يتم لاسلكيًا (Over-the-Air)، ما يجعل من التحديثات نفسها وسيلة محتمَلة للهجوم، إن لم تكن محمية بتقنيات تشفير قوية.

ثالثًا: أبرز نقاط الضعف في الأنظمة الإلكترونية للسيارات

1. شبكة CAN Bus غير مشفرة

رغم أهميتها البالغة، إلا أن هذه الشبكة تفتقر إلى التشفير والمصادقة، مما يتيح لأي جهاز متصل بها إرسال أوامر تؤثر على عمل السيارة.

2. التطبيقات الذكية

تطبيقات الهواتف المحمولة التي تتيح تشغيل السيارة، فتح الأبواب، أو حتى تحديد الموقع، قد تكون مدخلًا سهلاً للهاكرز إذا لم تُصمم بمعايير أمنية صارمة.

3. أنظمة الملاحة والترفيه

غالبًا ما تكون هذه الأنظمة متصلة بالإنترنت، ويمكن أن تكون البوابة التي يعبر منها المهاجم للوصول إلى باقي الأنظمة الحيوية للسيارة.

4. أجهزة الاستشعار والكاميرات

معظم السيارات الحديثة تستخدم الرادارات، الليدار، والكاميرات لمساعدة السائق. جميع هذه الأجهزة تعتمد على البيانات، ويمكن تضليلها أو استغلالها إذا لم تكن محمية بشكل كافٍ.

الصورة بواسطة Farknot على envato

رابعًا: سيناريوهات واقعية لاختراق السيارات

قد يبدو الحديث عن اختراق سيارة أشبه بقصة من الخيال العلمي، إلا أن الواقع أثبت عكس ذلك.

  • إطفاء المحرك أثناء القيادة: استطاع باحثون أمنيون في تجارب حقيقية تنفيذ هجمات تمكنهم من إطفاء محرك السيارة عن بُعد.
  • السيطرة على المكابح والتوجيه: تمكّن مختبرون في مجال الأمن السيبراني من تجاوز أنظمة الأمان والوصول إلى المكابح والتوجيه، مما يمكن أن يؤدي إلى حادث كارثي.
  • تتبع السيارة أو سرقتها: باستخدام تطبيق غير مؤمن أو جهاز غير مشفر، يمكن تحديد موقع السيارة أو حتى فتح أبوابها وقيادتها بعيدًا.

خامسًا: الأمن السيبراني كخط دفاع أول

مع ازدياد هذه المخاطر، أصبح من الضروري أن تُدمج تقنيات الحماية الرقمية في بنية السيارات منذ مراحل التصميم الأولى، لا أن تُضاف لاحقًا كحلول ترقيعية.

أهم عناصر الحماية الرقمية في السيارات:

  • تشفير الاتصالات الداخلية والخارجية.
  • أنظمة كشف التسلل (IDS) داخل الشبكة.
  • تحقيق المصادقة الثنائية بين التطبيقات والسيارة.
  • تحديثات برمجية آمنة وموقعة رقميًا.
  • تقسيم الشبكات الداخلية بحيث لا تؤثر اختراقات الأنظمة الترفيهية على أنظمة القيادة.
الصورة بواسطة fxquadro على envato

سادسًا: مسؤولية مشتركة — من المصنع إلى السائق

أمن السيارات لا يقع فقط على عاتق المصنعين، بل هو مسؤولية مشتركة تشمل:

- الشركات المصنعة:

عليها أن تعتمد معايير برمجية صارمة، وتخضع منتجاتها لاختبارات أمنية دورية، وتوفر تحديثات مستمرة.

- المطورون:

عند تصميم التطبيقات المتصلة بالسيارات، يجب الالتزام بالبروتوكولات الآمنة ومعايير حماية الخصوصية.

- الحكومات:

من خلال تشريعات تُلزم المصنعين باتباع معايير الأمان، وتطبيق نظام عقوبات في حال الإهمال.

- السائقون والمستخدمون:

ببساطة، لا تقم بتثبيت تطبيقات غير موثوقة، ولا تشارك بيانات الدخول إلى أنظمة سيارتك مع أي طرف مجهول.

سابعًا: إلى أين يتجه المستقبل؟

مع ظهور تكنولوجيا القيادة الذاتية، والسيارات المتصلة بالإنترنت، ودمج الذكاء الاصطناعي، يتضاعف حجم التحديات الأمنية. وفي المقابل، يشهد مجال أمن السيارات تطورًا سريعًا، من خلال شراكات بين شركات تقنية عملاقة ومصنّعي السيارات، لتطوير حلول ذكية قادرة على التصدي للهجمات قبل وقوعها.

ومع ذلك، يظل المجال في سباق دائم بين مطوري الأنظمة والمخترقين، مما يعني أن التهديد لن يختفي، بل سيتحول ويتطور.

خاتمة: السيارة الذكية... مسؤولية ذكية

في النهاية، لا جدال في أن التكنولوجيا جعلت من السيارة وسيلة أكثر راحة وأمانًا وفعالية. لكن، هذه التطورات لم تأتِ دون ثمن. إذ أن الأنظمة الإلكترونية للسيارات أصبحت سلاحًا ذا حدين، وتحوّلت من أدوات دعم إلى مداخل خطيرة إن لم نُحسن تأمينها.

الوعي، واليقظة، والاستثمار في الحماية الرقمية، أصبحت الآن ضرورات لا يمكن تجاهلها في عالم يسير بسرعة نحو الأتمتة والذكاء الاصطناعي.

فهل نحن، كمجتمع تقني ومستهلكين، مستعدون حقًا لمستقبل نركب فيه سيارات قد يُخترق نظامها كما يُخترق بريدنا الإلكتروني؟ السؤال مفتوح... والإجابة تبدأ من الآن.

أكثر المقالات

toTop