تونس: من صحراء تطاوين إلى خضرة عين دراهم. تنوع يفوق التوقعات

عندما يذكر اسم تونس، يتبادر إلى الذهن شاطئ البحر الأبيض المتوسط بسواحله الذهبية وأسواقه القديمة، لكن قلّ من يعرف أن هذا البلد الصغير جغرافيًا هو في الحقيقة عالم متكامل من التضاريس والمناخات والمناظر الطبيعية المتباينة. من الكثبان الرملية البرتقالية في تطاوين إلى الغابات الكثيفة الممطرة في عين دراهم، تقدم تونس لمحبي الرحلات والسفر تجربة شاملة يستحيل اختصارها في زيارة عابرة.

تصوير Greg Keelen على Unsplash

تطاوين: صحراء الأساطير والقصور الرملية

في أقصى الجنوب الشرقي تقع ولاية تطاوين، حيث تنكشف الصحراء بكل عظمتها وسكونها. الكثبان الرملية هنا ليست مجرد رمال متناثرة، بل لوحات طبيعية تتغير ألوانها بتغير ضوء الشمس بين الفجر والغروب. ينجذب الزوار إلى قرى الأمازيغ القديمة التي لا تزال قائمة رغم قسوة المناخ، مثل قرية شنني ودوار قصر الحدادة. هذه القرى مبنية بالصخور الرملية الحمراء، وكأنها نحتت من قلب الجبال، وتحتوي قصورًا جماعية (غرينات) كانت تُستخدم لتخزين الحبوب وحماية الثروات الغذائية للقبائل.

واحدة من أبرز محطات الرحلة هي قصر أولاد سلطان، وهو أقدم القصور الجماعية وأكبرها في المنطقة، بني منذ القرن الخامس عشر. عند التجول بين ممراته وأقبيته، يشعر المسافر بعبق التاريخ وبصمود سكان هذه الأرض القاحلة. إضافة إلى ذلك، تمثل منطقة الرمادة بوابته إلى الصحراء المفتوحة، حيث تبدأ مغامرات التخييم تحت سماء مرصعة بالنجوم والتجول بالدراجات الرباعية أو سيارات الدفع الرباعي عبر العروق الرملية.

دوز وشط الجريد: بوابة الملح والواحات

في الطريق شمالًا، لا يمكن تجاهل مدينة دوز، التي تعد عاصمة الصحراء التونسية ومركزًا رئيسيًا لمهرجاناتها السنوية التي تحتفي بالإبل والشعر الشعبي والفروسية. هنا، يمكن للزائر ركوب الجمال والمرور بالواحات الكثيفة المليئة بأشجار النخيل.

ومن دوز، تنفتح الطريق نحو شط الجريد، أكبر بحيرة ملحية في تونس. المسطح الأبيض اللامتناهي يبدو كأنه مرآة سماوية، حيث تنعكس ألوان الشروق والغروب لتخلق أجواء سريالية ساحرة. يمتد شط الجريد على أكثر من 5000 كيلومتر مربع ويعد من الظواهر الطبيعية النادرة، خاصة في فصول الجفاف حين ينكشف الملح المتبلور على السطح ليشكل أشكالًا هندسية خلابة.

الوسط التونسي: القيروان وسهول الزيتون

مع الانتقال شمالًا نحو الوسط، يجد المسافر نفسه في ولاية القيروان، أول مدينة إسلامية في شمال إفريقيا ومركزًا روحيًا وتاريخيًا هامًا. القيروان ليست فقط جامع عقبة بن نافع أو أسواق النحاس والسجاد، بل هي أيضًا بوابة نحو سهول الزيتون الممتدة حتى سوسة وصفاقس. تتخلل الطريق حقول قمح شاسعة وبساتين زيتون خضراء حتى الأفق، مما يعكس الطابع الزراعي العريق لهذه المنطقة.

صورة لMalek Boukhris على Unsplash

الشمال الغربي: جبال خمير وخضرة عين دراهم

في أقصى الشمال الغربي، تتغير ملامح الطبيعة فجأة. يختفي الجفاف لتحل محله الغابات الرطبة والجبال العالية والوديان المتدفقة. هنا تقع جبال خمير الممتدة عبر ولايات جندوبة وباجة والكاف، وتعتبر من أغنى المناطق بالغطاء النباتي في تونس.

أشهر مدن هذه الجهة هي عين دراهم، تلك القرية الجبلية التي تستقبل الزوار بروائح أشجار الصنوبر والبلوط وصفاء هوائها العليل. في الشتاء، تكتسي قممها ببياض الثلج، وفي الصيف تبقى درجات حرارتها معتدلة ومنعشة، مما يجعلها مصيفًا مفضلًا للتونسيين والسياح على حد سواء. تشتهر عين دراهم ببيوتها الحمراء القرميدية المطلة على الغابات الكثيفة، وبطرقها المتعرجة التي تشكل حلمًا لمحبي قيادة الدراجات الهوائية والرحلات الجبلية الوعرة.

السياحة البيئية والريفية في الشمال الغربي

تنتشر في هذه المنطقة النزل الريفية الصغيرة (بيوت الضيافة) التي توفر إقامة بيئية مستدامة مع وجبات تقليدية تونسية مطهية على الحطب، مثل الكسكس بالخضر أو لحم الخروف المطهو ببطء. ويقصدها هواة الرحلات البيئية للاستمتاع بالمشي لمسافات طويلة عبر الغابات الكثيفة والأنهار الصغيرة، أو لمراقبة الطيور والحيوانات البرية مثل الخنازير البرية والضباع والثعالب الجبلية.

ومن المواقع الطبيعية الساحرة الأخرى في الشمال الغربي غابة عين الصبح وسد بني مطير حيث تنعكس الغابات الكثيفة على سطح البحيرة الصافية، بينما تتوفر خدمات التخييم والتنزه في أماكن آمنة.

تصوير bilel ZAGHDOUDI على Unsplash

تنوع يفوق التوقعات

بين صحراء الجنوب ذات الطابع البدوي الأمازيغي وجبال الشمال ذات الطابع الأندلسي الريفي، تقدم تونس لوحة كاملة من الأنظمة البيئية، تجعل كل رحلة فيها تجربة فريدة بطبيعتها وثقافتها ومطبخها. يمكن للزائر أن يبدأ يومه بمغامرة سفاري وسط الرمال الذهبية، وينهيه بجلسة شاي بالنعناع في كوخ جبلي بين غابات الصنوبر، دون أن يغادر حدود هذا البلد المذهل.

أكثر المقالات

toTop