اذهب لزيارة مدينة المنصورة عاصمة محافظة الدقهلية عند سفرك عبر مصر

تتربع المنصورة على الضفاف الشرقية لنهر دمياط وهي ليست أول مدينة تخطر على بال من يحلم بعطلة مصرية، ولكنها بالتأكيد تستحق ذلك. تزخر هذه المدينة النابضة بالحياة في قلب دلتا النيل بتاريخها العريق وكنوزها الثقافية وسحرها الأخّاذ، وتكشف عن جانب من مصر يتميز بالطابع الشخصي والأصالة والمتعة. سواء كنتم مفتونين بقصص معارك العصور الوسطى، أو مستوحين من العمارة القديمة، أو ترغبون في خوض غمار الحياة المصرية اليومية بعيدًا عن صخب السياح، فإن المنصورة تدعوكم للتجول في شوارعها والاستمتاع بقصصها التي حُفرت على مدى ثمانية قرون.

صورة بواسطة Phevos87 على wikipedia

مدينة عريقة: تاريخ لا يزال يتردد صداه

تأسست المنصورة عام ١٢١٩ في عهد الدولة الأيوبية، وسُمّيت بهذا الاسم تخليدًا للنصر الكبير الذي حققه المصريون على الصليبيين عام ١٢٥٠ خلال الحملة الصليبية السابعة. وقد أُلقي القبض على الملك لويس التاسع ملك فرنسا في هذه المدينة، وهو حدث لا يزال يتردد صداه في التاريخ المصري حتى يومنا هذا.

تتمسك المدينة بماضيها البطولي بفخر:

· منزل لويس التاسع، الذي أصبح الآن متحفًا، يقف كتذكار فريد لتلك اللحظة المحورية. بين جدرانه، تكاد تسمع أصداء نقاشات البلاط وأصوات عزف الدروع في العصور الوسطى.

· تحصينات الصالح أيوب وبقايا أسوار المدينة القديمة تُشير إلى الأهمية الاستراتيجية للمدينة خلال العصر الإسلامي في العصور الوسطى.

· تمزج العديد من المساجد والمباني العامة، التي يعود تاريخها إلى العصر العثماني، بين العمارة المملوكية واللمسات الأوروبية التي أُدخلت خلال عصر التحديث في مصر في القرن التاسع عشر.

يحمل كل زقاق وشارع بصمات قرون مضت. لن تكون بعيدًا أبدًا عن قطعة من التاريخ الحي، سواء كان قوس مئذنة أو همسات راوي قرب النهر.

الثقافة والمطبخ واحتضان النيل

إن المنصورة ليست مجرد مدينة عالقة في الزمن، بل هي مدينة تنبض بالحياة. وبصفتها عاصمة محافظة الدقهلية، فهي مركز للتعليم والثقافة والحيوية اليومية. وجود جامعة المنصورة، إحدى أبرز المؤسسات الأكاديمية في مصر، يغذي المدينة بالشباب والطاقة والحياة الفكرية. نزهة في أرجاء المدينة تُضفي على المكان متعةً حسية:

· مسرح المنصورة الوطني، أحد أقدم مسارح مصر، لا يزال يستضيف عروضًا مسرحية وشعرية عربية، محافظًا على فنون الأداء التقليدية.

· متحف الفنون الجميلة يُقدم معارض دورية لفنانين مصريين مشهورين إلى جانب مواهب محلية، مُنشئًا حوارًا بين القديم والجديد.

· كورنيش النيل، حيث يجتمع السكان المحليون لشرب الشاي وتدخين الشيشة والاسترخاء، يُقدم لمحةً مثالية عن الحياة اليومية. في الأمسيات، يُقدم الموسيقيون أحيانًا عروضًا موسيقية مرتجلة، مُضفين على الأجواء إيقاعات أنغام العود التقليدية.

صورة بواسطة Ahmed Al.Badawy على wikipedia

ثم هناك الطعام. مشهد الطهي في المدينة هو مهرجانٌ للنكهات:

· جرّب الباعة الجائلين على جوانب الطرقات : الطبق الوطني المصري، الكشري، وهو مزيجٌ دسم من العدس والأرز والمعكرونة وصلصة الطماطم، يُزينه البصل المقرمش.

· لوجبة غنية، استمتع بسمك البلطي المشوي الطازج، المصطاد مباشرةً من النيل، والمتبل بالثوم والكمون والليمون.

· اختم وجبتك بـ أم علي، وهي حلوى فاخرة من عجين الفطير المنفوخ المنقوع في الحليب والمزين بالمكسرات والزبيب، والتي تُقدم عادةً في المقاهي المريحة في أزقة المنصورة

محطتك المثالية في الدلتا

بالنسبة للعديد من المسافرين الذين يستكشفون قلب شمال مصر، تُوفر المنصورة بديلاً جذابًا عن صخب القاهرة وامتداد ساحل الإسكندرية. تبعد حوالي ساعتين بالسيارة عن القاهرة عبر الطريق الدائري، وهي متصلة جيدًا بوسائل النقل العام، مما يجعلها محطة مثالية للمسافرين الراغبين في رؤية مصر من منظور مختلف. إليك كيفية الاستفادة القصوى من زيارتك:

· تمشى على كورنيش النيل عند غروب الشمس. ستشهدون عائلاتٍ تتنزه، وأزواجًا يمشون متشابكي الأيدي، وأطفالًا يطاردون بعضهم البعض على طول الممشى الخشبي. يعكس نهر النيل لونَي الغسق البرتقالي والوردي، محولًا المشهد بأكمله إلى لوحةٍ فنيةٍ متحركة.

· انطلقوا في رحلةٍ على متن فلوكة - تُوفر هذه القوارب الشراعية الخشبية التقليدية ملاذًا هادئًا من صخب المدينة، وتُتيح لكم إطلالاتٍ خلابة على الأفق والريف.

· تسوقوا في سوق تلة حرب، حيث يبيع الباعة التوابل والمنسوجات والحلويات والمجوهرات المصنوعة يدويًا. إنه المكان المثالي لممارسة اللغة العربية وشراء تذكارٍ محلي الصنع.

· زُروا القرى المجاورة مثل ميت غمر، المعروفة بأعمال النحاس الحرفية، أو طلخا، وهي بلدةٌ أصغر ولكنها لا تقل سحرًا على الضفة الأخرى من النهر، تُقدم لكم ملاذًا هادئًا بين أشجار النخيل والأراضي الزراعية.

يتألق كرم ضيافة المنصورة في اللحظات العابرة : صاحب متجر يُقدم لكم مذاق مربى التين محلي الصنع، أو طالب جامعي يُوصيكم بمقهاه المفضل، أو سائق سيارة أجرة يُشارككم حكايةً شعبية.

توارثها عن جدته. هذه ليست عروضًا سياحية مُعدّة، بل لمحات حقيقية عن الحياة المحلية.

صورة بواسطة Faris knight على wikipedia

مكان يرحب بالفضوليين

تُجسّد المنصورة، من نواحٍ عديدة، ما يجعل مصر آسرةً على الدوام: ارتباطها العميق بالتاريخ، وشغفها اللامحدود برواية القصص، وشعبها المتلهف لمشاركة كليهما مع كل من يطرق أبوابها بحثًا عن المعنى أو المتعة أو لحظة دهشة. قد لا تتباهى بعظمة معابد الأقصر أو شهرة الأهرامات العظيمة، ولكن هذا تحديدًا هو سحرها الحقيقي. إنها مدينة لا تحتاج لأن تصرخ لتُسمع، ولا لأن تتزين لتُبهر. هذه مدينةٌ جوهريةٌ ودقيقة - حيث لا يهدر النيل مياهه بل يهمس بأغنيته القديمة، حيث تتعايش الانتصارات القديمة جنبًا إلى جنب مع الطموحات الحديثة في توازن دافئ، وحيث يُستقبل الزوار ليس فقط كسائحين، بل كضيوف أعزاء تُروى لهم الحكايات ويُقدَّم لهم الشاي بالنعناع دون تكلّف. المنصورة لا تُعرض كوجهة، بل تُعاش كتجربة حسّية وروحية. فإذا كانت رحلتك عبر مصر تشمل المنصورة، فلن تغادرها بصورٍ فحسب؛ بل ستحمل دفأها، وقصصها، ولهجتها، وإيقاعها الفريد معك لفترة طويلة بعد انتهاء الرحلة.

أكثر المقالات

toTop