كيف تستفيد المملكة العربية السعودية من السياحة المتجددة لمزج الرفاهية مع الاستدامة

تقع السياحة المتجددة في صميم الاستراتيجية البيئية للمملكة العربية السعودية التي تهدف إلى حماية الموائل الطبيعية من خلال اتباع نهج قائم على العلم والممارسات المستدامة.

وعلى عكس السياحة المستدامة، التي تهدف إلى تقليل الضرر إلى أدنى حد ممكن، تسعى السياحة المتجددة إلى تحسين الوجهات من خلال الحفاظ على البيئة وإشراك المجتمع المحلي والمبادرات التي يقودها العلم. نستعرض في هذه المقالة هذا المفهوم الجديد للسياحة وتبعاته.

السياحة المتجددة - إعادة تعريف الاستراتيجية البيئية:

تشمل السياحة المتجددة تنفيذ بنية تحتية صديقة للبيئة، وحماية التنوع الحيوي، وإشراك المجتمعات المحلية في جهود الحفاظ على البيئة لضمان تحقيق فوائد بيئية واقتصادية طويلة الأجل. إن مساهمة السياحة في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، والتي تقدر بنحو 8 في المائة على مستوى العالم، تؤكد الحاجة الملحة إلى تغيير جذري؛ لأن الممارسات غير الواعية تقوض أساس صناعة السياحة، وتهدد الأصول الطبيعية والثقافية التي تجذب الزوار في المقام الأول، وعواقب السياحة غير المستدامة ذات أمد بعيد، وهي تبدأ من تدهور النظم البيئية الحساسة وفقدان التنوع الحيوي وتمتدّ إلى استغلال المجتمعات المحلية والتسليع الثقافي. ولذلك فإن الوعي المتزايد بهذه القضايا بين المسافرين، إلى جانب الالتزامات العالمية مثل اتفاقية باريس للمناخ وأهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، يعزز الحاجة إلى تبني الصناعة للاستدامة التي لم تعد خياراً بل ضرورة لمستقبل كوكبنا وصناعة السفر نفسها.

مشروع البحر الأحمر:

يمتد مشروع البحر الأحمر عبر الساحل الشمالي الغربي للمملكة العربية السعودية. تتصدر شركة البحر الأحمر العالمية مشروع البحر الأحمر العالمي كمشروع مبتكر للسياحة المتجددة يعمل حصرياً على الطاقة المتجددة ويعزز التنوع الحيوي بشكل فعال. تمثل هذه المبادرة الانتقال من الاستدامة إلى التجديد البيئي والثقافي الكامل. يضم مشروع البحر الأحمر منتجعات عالمية المستوى، وبحلول عام 2030، سيصل عدد الفنادق إلى 50 فندقاً تضمّ 8,000 غرفة، وعدد المساكن إلى أكثر من 1,000 مسكن، مع تحديد عدد الزوار بمليون زائر سنوياً للمساعدة في حماية النظم البيئية المحلية، وضمان الحد الأدنى من التأثير البيئي.

تعمل فنادق ومنتجعات البحر الأحمر العالمية بالطاقة الشمسية، ما يتيح للضيوف الاستمتاع بوجهة صديقة للبيئة دون أي بصمة كربونية. في الحقيقة، إن العمود الفقري لاستراتيجية المشروع في مجال الطاقة المتجددة هو مزارع الطاقة الشمسية الضخمة في البحر الأحمر، والتي تضم مئات الآلاف من الألواح الكهروضوئية - أكثر من 750,000 منها موجودة حالياً.

ولضمان إمدادات طاقة ثابتة وموثوقة، حتى عندما لا تكون الشمس مشرقة، قامت الشركة المشرفة على المشروع أيضاً ببناء واحدة من أكبر منشآت تخزين البطاريات في العالم في البحر الأحمر. وهذا يسمح بتخزين الطاقة الشمسية الزائدة التي يتم توليدها أثناء النهار واستخدامها لتشغيل المنتجعات ليلاً.

يقول رائد الباسط، الرئيس التنفيذي للبيئة والاستدامة في مجموعة البحر الأحمر العالمية، إن الشركة العقارية تمارس ”السياحة المتجددة“ مع التزامها بالعمل على الطاقة المتجددة وحدها.

ويضيف إن ”هذا الالتزام ليس مجرد شعار، بل هو منسوج في البنية التحتية لوجهاتنا... حيث يتم دمج الاستدامة في كل مرحلة من مراحل التصميم والبناء“.

الصورة بواسطة Jpatokal على Wikimedia

أحد منتجعات مشروع البحر الأحمر

منتجع صخرة الصحراء:

وكجزء من هذه الرؤية، قامت شركة البحر الأحمر العالمية بتطوير منتجع صخرة الصحراء، وهو منتجع فائق الفخامة مصمم ليندمج بسلاسة مع محيطه الطبيعي. بُني المنتجع في التكوينات الصخرية، وصُمم لتقليل استخدام الطاقة وزيادة الإضاءة الطبيعية إلى أقصى حد، وتتميز غرفه المرتفعة بفتحات كبيرة تحاكي أفواه الكهوف، ما يسمح بدخول ضوء النهار الوفير.

من جهة ثانية، أُعيد استخدام المواد المستخرجة من الحفريات في بناء منتجع صخرة الصحراء، ما يعني أنه لم يتم جلب مواد إضافية للبنية التحتية الرئيسية. استُعمل الحجر الطبيعي، المستخرج من الجبال، في الجدران الداخلية والخارجية وتم خلط الخرسانة باستخدام مصادر محلية من الرمال والحجر. ولزيادة تقليل التعطيل والهدر في الموقع، ركّز المشيّدون على التصنيع المسبق والتصنيع خارج الموقع.

وقبل بدء أعمال البناء في منتجع صخرة الصحراء، تعاونت شركة البحر الأحمر العالمية مع جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية لإجراء محاكاة شاملة للتخطيط المكاني البحري.

الصورة بواسطة Cergun62 على Wikimedia

منتجع صخرة الصحراء

من جهة أخرى، أدمج منتجع صخرة الصحراء، الذي افتتح لضيوفه العام الماضي، أنظمة مياه متطورة واستراتيجيات توفير المياه من خلال أنظمة الري الذكية التي تعمل على تحسين استخدام المياه، من خلال تطبيق أنظمة الدائرة المغلقة، وأنظمة متطورة لحجز المياه وتوزيعها تقوم بجمع مياه الأمطار. تُستخدم مياه الأمطار المجمّعة هذه في الحفاظ على الوادي المحيط، ما ينعش النظام البيئي المحلي ويقلل الاعتماد على مصادر المياه الخارجية.

يشتمل تصميم المنتجع أيضاً على تركيبات وتجهيزات موفرة للمياه ومناظر طبيعية موفرة للمياه، ما يقلل من استخدام المياه في العمليات اليومية. يوضح هذا الدمج لأنظمة المياه الطبيعية في تصميم المنتجع التزامه بالعمل مع البيئة الطبيعية وليس ضدها.

يمتد هذا الاعتماد على الطاقة الشمسية إلى ما هو أبعد من منتجعات وفنادق البحر الأحمر العالمية. فهي تزوّد مطار البحر الأحمر الدولي بالطاقة، ما يجعله في طريقه ليصبح أول مطار في المنطقة يعمل بالكامل بالطاقة المتجددة. وحتى شبكة الجيل الخامس، وهي عنصر أساسي للاتصالات الحديثة، تعمل بالطاقة الشمسية، ما يجعلها أول شبكة في العالم تعمل بالطاقة الشمسية.

الصورة بواسطة Cergun62 على Wikimedia

أحد منتجعات مشروع البحر الأحمر

الخاتمة:

تشهد الضيافة الفاخرة تحولاً عميقاً يتجاوز الاستدامة نحو التجديد، وهي فلسفة لا تحافظ على النظم البيئية الطبيعية فحسب، بل تعمل على تعزيزها بفاعلية. تتخذ حكومة المملكة العربية السعودية قرارات كبيرة لتتبوأ مكانة رائدة عالمياً في مجال السياحة الفاخرة المتجددة. وتضع هذه المشاريع معياراً جديداً للضيافة الراقية في الوقت الذي تتماشى فيه مع المعايير العالمية.

أكثر المقالات

toTop