كيف شكّل منهج جوارديولا كرة القدم الحديثة

يعود الأسلوب السائد حاليًا بين الفرق الأوروبية الكبرى إلى الأفكار التي صقلها بيب جوارديولا. رغم أنه لم يبتكر مفهوم "اللعب المركزي" (juego de posición)، إلا أنه طوره إلى مستويات غير مسبوقة. مستمدًا إلهامه من تعاليم يوهان كرويف ولويس فان غال، أسس جوارديولا إطارًا تكتيكيًا يُعرّف كرة القدم في هذا العصر.

هذا النموذج، الذي يركز على البناء المنظم والاستخدام الذكي للمساحات، أصبح راسخًا في العديد من الأندية الرائدة في أوروبا. من بين المدربين الذين يطبقون هذه المبادئ حاليًا ميكيل أرتيتا وهانسي فليك ولويز إنريكي – وهم ثلاثة وصلوا إلى نصف نهائي دوري أبطال أوروبا هذا الموسم. وجودهم هناك يعكس مدى تأثير فلسفة جوارديولا.

رغم هيمنة هذا النهج، إلا أن لديه منتقدين. يعتقد البعض أنه يقتل العفوية ويجبر المدافعين على أدوار غير طبيعية. بينما يرى آخرون أنه يحد من الإبداع ويبالغ في التركيز على التوجيهات. لكن جزءًا كبيرًا من هذا الاعتراض قد يكون بسبب تطبيقات خاطئة للنظام وليس بسبب الفكرة الأساسية نفسها.

في هذا الموسم، أكثر من نصف فرص ربع نهائي دوري الأبطال اتبعت شكلًا من هذا النموذج. حتى الفرق التقليدية مثل ليفربول ومانشستر يونايتد – تحت قيادة جديدة – تتجه نحوه. فاعليته في المستوى الأعلى تثبت أنه ليس مجرد موضة، بل صيغة للفوز.

هذا التحول يتجاوز التكتيك. الأندية الآن تفضل المدربين الذين يفهمون النظام. أكاديميات الشباب تُدرّب اللاعبين على العمل ضمن هيكله، والمواد التعليمية تُعاد صياغتها لتعكس أهميته. مثل أي تحول ثقافي، سيستغرق الانتشار الكامل وقتًا – لكن الزخم واضح.

من البناء إلى إنهاء الهجمات: إطار عمل لا يزال يتطور

ركز جوارديولا في بداية مسيرته التدريبية على بدء اللعب من الخلف. حواره الشهير مع الحارس فيكتور فالديس، عندما طلب منه التمرير القصير لمدافعين مترددين، كان نقطة تحول في التدريب الحديث. مع الوقت، أصبحت هذه الطريقة في بدء الهجمات أساسًا في اللعب المعاصر.

بعد كأس العالم 2010 وتغيير القاعدة في 2019 الذي سمح للمدافعين باستلام الكرة داخل المنطقة أثناء ركلات المرمى، أصبحت مرحلة البناء جزءًا منتظمًا من حصص التدريب في أوروبا. بدأ المدربون التركيز أكثر على تطوير هذا الجانب، مما جعله معيارًا وليس استثناءً.

منتصف الملعب، المعروف بمرحلة "البناء"، استغرق وقتًا أطول ليجذب الاهتمام الواسي. بدأ جوارديولا استكشاف إمكانياته في برشلونة، ثم طور أساليبه في بايرن ميونخ ومانشستر سيتي لاحقًا.

منطقة واحدة لا يزال هذا النموذج غير مكتمل فيها هي أمام المرمى. مرحلة إنهاء الهجمات لا تزال تعتمد أكثر على غريزة اللاعبين وليس النظام. رغم أن بعض الثقافات، مثل الفرنسية، تحلل الهجوم إلى تفاصيل أكثر، إلا أن هذه المنطقة الأخيرة لم تُهيمن عليها الأطر المركزيّة بالكامل بعد.

في يوم ما، قد يظهر مفكر جديد لسد هذه الفجوة. كما وسع جوارديولا الأفكار التي سبقته، قد يطور شخص آخر نظامًا ينظم الثلث الأخير بالكامل. حتى ذلك الحين، تستمر عملية صقل كل مرحلة.

جيل جديد يعيش الحاضر

مدربون مثل لويز إنريكي وميكيل أرتيتا وهانسي فليك يتحدثون عن تأثير جوارديولا. بالنسبة لإنريكي، مشاهدة فرقه كانت مصدر تعلم دائم. أما أرتيتا، فالعمل معه كان تحويليًا. يصف فليك فترة مراقبته لجوارديولا في بايرن بأنها "إلهام"، مشيدًا بقدرته على التحكم في المساحات وإيجاد حلول جديدة.

هذا النموذج ليس مثاليًا، والعديد من المدربين يجدون صعوبة في تنفيذه بنجاح. لكن هذا لا يجب أن يُعتبر فشلًا للفكرة نفسها. الكثير من الانتقادات تأتي من الإحباط – فإذا لم يُنفذ بشكل مثالي، يرى البعض أنه لا يجب تطبيقه أصلًا. هذا التفكير يتجاهل حقيقة أن التقدم يحتاج إلى تجارب وتكيف.

كرة القدم اليوم أكثر تقدمًا من العقود الماضية. الهياكل التكتيكية أكثر تفصيلًا، واللعب الجماعي أكثر تماسكًا، ومستوى التخطيط خلف كل حركة أكثر تطورًا. عند التنفيذ الصحيح، يصبح اللعب جذابًا وأنيقًا.

مدربون مثل أوناي إيميري وإنزو ماريسكا أمثلة على من تبّنوا هذا التحول. إيميري، تحديدًا، طور أسلوبه – ليس بسبب الولاء لأيديولوجيا معينة، بل لأن النظام وفر موثوقية وتحكمًا أكبر. استعداده للتكيف، حتى بدون لاعبين من الطراز العالمي، لافت.

حتى الفرق التي كانت تعتمد على نجوميتها، مثل باريس سان جيرمان، تطبق الآن استراتيجيات مركزية لتنظيم هجومها وتحسين الانتقالات. هذا يعكس فهمًا متزايدًا أن التحكم والإعداد هما مفتاح النجاح.

مستقبل الرياضة ليس عن التخلي عن العاطفة أو الارتجال، بل عن دمج الهيكل مع الهوية. مع ظهور مدربين جدد يجيدون منطق النظام، وتبني المزيد من الأندية له ليس بسبب الضغط بل لأنه ناجح، سيصبح النموذج أكثر عالمية.

اللعب المركزي لم يعد موضة. إنه اللغة السائدة في كرة القدم الحديثة – وهو هنا ليبقى.

أكثر المقالات

toTop