ركلة بانينكا: لمسة تاريخية غيرت كرة القدم

في صيف عام 1976، شهد نهائي بطولة أمم أوروبا بين ألمانيا الغربية وتشيكوسلوفاكيا منعطفًا غير متوقع غيّر تاريخ كرة القدم إلى الأبد. كانت ألمانيا الغربية، حاملة لقب البطولة وكأس العالم، المرشحة الأقوى للاحتفاظ بلقبها الأوروبي. لكن طلبًا غير عادي من الاتحاد الألماني لكرة القدم مهّد الطريق لنتيجة مفاجئة.

كان من المقرر أن تُحسم المباراة، في حال التعادل بعد الوقت الإضافي، بإعادة المباراة. لكن المسؤولين الألمان، المتحمسين لإرسال لاعبيهم في إجازة، طلبوا أن يُحسم النهائي بركلات الترجيح بدلًا من المباراة الإعادة المقررة بعد يومين فقط. ورأت تشيكوسلوفاكيا، التي كانت الخصم الأضعف على الورق، أن فرصها أفضل في ركلات الترجيح، فوافقت على التغيير. هذا القرار مهّد الطريق لأحد أكثر اللحظات شهرة في تاريخ كرة القدم.

اللحظة الحاسمة

كان لاعب تشيكوسلوفاكيا المخضرم أنتونين بانينكا يستعد لهذه اللحظة منذ سنوات. جنبًا إلى جنب مع حارس المرمى زدينيك هروسكا، قضى بانينكا ساعات لا تحصى في التدرب على ركلات الجزاء بعد نهاية التدريبات. ومن خلال هذه الجلسات، طوّر تقنية فريدة وغير مألوفة في ذلك الوقت: ركلة خفيفة تتوسط المرمى تمامًا. بينما بدأت الفكرة كلعبة بينهما، أدرك بانينكا سريعًا أنها تكتيك فعّال يمكنه خداع حراس المرمى الذين يغوصون نحو أحد الجانبين.

مع اقتراب ركلات الترجيح من ذروتها، ظلت النتيجة متعادلة 2-2 بعد الوقت الإضافي. جاءت أول ركلة ضائعة من الألماني أولي هونيس، ليفتح الباب أمام دور بانينكا. تحت أنظار الجميع، اقترب بانينكا من الكرة وكأنه يستعد لتسديدة قوية، لكنه نفّذ ركلته المميزة نحو منتصف المرمى، ليتجاوز الكرة حارس المرمى الألماني سييب ماير، الذي وقف حائرًا.

كانت لحظة أذهلت الجميع، من اللاعبين إلى الجماهير. تنفيذ بانينكا الهادئ والواثق صنع الفارق، ليتوج تشيكوسلوفاكيا بطلاً لأوروبا. وصف بانينكا الشعور لاحقًا بأنه "كان مثل أليس في بلاد العجائب". عند العودة إلى براغ، استُقبل الفريق باحتفاء جماهيري عاطفي، خرج عن النمط المُسيطر عليه في ظل النظام الشيوعي.

التداعيات والإرث

بينما كانت ركلة بانينكا انتصارًا على أرض الملعب، إلا أنها حملت أيضًا دلالات سياسية في تشيكوسلوفاكيا، التي كانت لا تزال تحت النفوذ السوفييتي. في سياق "التطبيع" - عملية القمع السياسي التي أعقبت ربيع براغ - رأى البعض أن جرأة بانينكا في تنفيذ هذه الركلة الجريئة بمثابة تحدٍ للنظام. لو فشلت الركلة، لربما تغير مصير بانينكا تمامًا، مع عواقب محتملة من النظام.

أصبحت ركلة بانينكا رمزًا للإبداع الفردي، وقلّدها لاحقًا عظماء كرة القدم مثل زين الدين زيدان وأندريا بيرلو وليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو. لكن بالنسبة لبانينكا، فإن إرث ركلته الشهيرة سلاح ذو حدين. بينما يفخر بإسهامه في تطوير كرة القدم، يشعر أيضًا أن الركلة طغت على جوانب أخرى من مسيرته، مثل مهاراته في التمرير وصناعة اللعب.

مع مرور الوقت، تحسنت علاقة بانينكا بحارس المرمى سييب ماير، الذي تأثر كثيرًا بالهزيمة، حتى إنهما تقاسما كأسًا من الشراب ولعبة جولف بعد سنوات. ومع ذلك، ورغم مرور الزمن، تظل ركلة بانينكا الشهيرة اللحظة الأبرز في مسيرته، اللحظة التي غيرت كرة القدم إلى الأبد.

أكثر المقالات

toTop