نقوش بهلاء: ذاكرة الفن الصخري في عمق الصحراء العُمانية

حكاية على صخرة

في عمق الرمال التي تُحيط بواحة بهلاء، وتحديدًا على امتداد الجبال الجرداء المحيطة بها، تظهر رسومات ونقوش قديمة، محفورة على صخور صلبة، وكأنها رسائل من أجدادٍ عاشوا في زمنٍ لم يُكتب بعد. هذه النقوش، المعروفة باسم "نقوش بهلاء"، تمثل أحد أقدم أشكال التعبير الفني في سلطنة عُمان، وهي شهادة بصرية على حضارة سبقت الورق والحبر.

موقع استثنائي, بعيد عن العيون

تقع هذه النقوش في مناطق وعرة بعض الشيء، تتطلب جهدًا بسيطًا للوصول، لكن المشهد عند الوصول يستحق كل خطوة. الصخور المتناثرة في المنطقة تحمل رسومات لحيوانات، ورموز بشرية، ومشاهد صيد واحتفال، كلها محفورة يدويًا باستخدام أدوات بدائية.

العجيب أن بعض هذه النقوش لا تزال تحتفظ بتفاصيل دقيقة، رغم مرور آلاف السنين وتعاقب الأمطار وحرارة الشمس.

النقوش في بهلاء

النقوش في بهلاء ليست مجرد زينة، بل تحمل رسائل عن نمط الحياة في ذلك الزمن:

مشاهد صيد الغزال والوعل، تدل على أهمية الصيد في حياة الإنسان القديم.

رموز بشرية بأيدٍ مرفوعة، تُفسر على أنها طقوس أو احتفالات.

نقوش لأدوات بدائية مثل الرماح والأقواس، تعكس جانبًا من الحياة اليومية.

حتى بعض الرسومات الهندسية والدوائر قد تكون لها دلالات رمزية، ربما ترتبط بالمعتقدات أو نظم التوقيت الموسمي.

الفن الصخري كتراث عالمي

نقوش بهلاء ليست وحدها، لكنها جزء من سلسلة من المواقع التي تنتشر في عُمان، مثل نقوش "سيت" و"مدحاء". لكن ما يميز بهلاء هو كثافة النقوش، وتنوّع المواضيع، ووضوح الأسلوب الفني.

وقد بدأت الجهات الثقافية في السلطنة – مثل وزارة التراث والسياحة – في توثيق هذه النقوش، تمهيدًا لرفعها إلى اليونسكو كموقع تراث عالمي. خطوة من شأنها أن تحفظ هذا التراث وتجعله جزءًا من الذاكرة الإنسانية الشاملة.

بين التقاليد والعلم الحديث

أهالي بهلاء يعرفون هذه الصخور منذ أجيال. بعضهم يقول إنها "رسائل من ناس قبلنا"، والبعض يعتقد أنها أماكن ذات طاقة خاصة. ومع تطوّر علم الآثار، بدأ الخبراء يستخدمون تقنيات تحليل الكربون المشع ودراسة التآكل لتحديد عمر النقوش بدقة أكبر.

سياحة ثقافية ناعمة

اليوم، بدأت بعض المجموعات السياحية تنظم رحلات إلى مناطق النقوش في بهلاء، خصوصًا للمهتمين بالتراث والثقافة. هذه الرحلات لا تجلب فقط الزوار، بل تعزز وعي المجتمع بأهمية حفظ هذا الإرث، وعدم العبث به أو تشويهه.

ولأن النقوش مفتوحة للطبيعة، فإن الحفاظ عليها يتطلب توازنًا بين الترويج الثقافي والحماية البيئية.

صخور تتكلم, لمن يصغي

نقوش بهلاء ليست حجارة عادية، بل صفحات من كتاب الحياة القديمة، تُخبرنا كيف عاش الإنسان، كيف حلم، وكيف عبر عن نفسه. هي مرآة لما قبل التاريخ… حين كان التعبير فنًا بدائيًا صادقًا.

أكثر المقالات

toTop