ناقش العلماء لقرون عديدة العلاقة بين حجم الدماغ والذكاء لدى الحيوانات. وفي حين أنه من المغري أن نفترض أن الدماغ الأكبر يعادل قدرة إدراكية أكبر، تشير الأبحاث الحديثة إلى أن حجم الدماغ قد لا يكون العامل الحاسم. في الواقع، تمتلك بعض الحيوانات الأكثر ذكاءً - مثل بعض الطيور والقردة - أدمغة صغيرة نسبيًا، ما يتحدى الافتراضات القديمة حول تطور الذكاء.

إعادة النظر في نموذج حجم الدماغ:

الصورة عبر Milad Fakurian على unsplash
الصورة عبر Milad Fakurian على unsplash

تاريخيًا، استخدم العلماء حجم الدماغ نسبة إلى حجم الجسم كمقياس تقريبي للذكاء. يشير هذا النموذج إلى أن الكائنات ذات النسبة الأكبر، مثل البشر والدلافين وبعض الطيور، أكثر ذكاءً بشكل عام. ومع ذلك، لا يأخذ هذا المقياس في الاعتبار تعقيد وكفاءة بنية الدماغ. تشير الأبحاث الآن إلى أن الأمر لا يتعلق بالحجم، بل بكيفية تنظيم الدماغ واتصال أجزائه. إن الأدمغة الأصغر حجماً ذات الخلايا العصبية الكثيفة والدارات العصبية الفعّالة، قادرة على منافسة، أو حتى التفوق على، الأدمغة الأكبر حجماً في بعض المهام الإدراكية.

ADVERTISEMENT

أدمغة الطيور - صغيرة ولكن قوية:

الصورة عبر Tyler Quiring على unsplash
الصورة عبر Tyler Quiring على unsplash

إن أحد الأمثلة الأكثر إقناعاً يأتي من الطيور، وخاصة الأنواع مثل الغربان والببغاوات. تتمتع هذه الطيور بمهارات رائعة في حل المشكلات واستخدام الأدوات والذكاء الاجتماعي. ولكن أدمغتها لا تشكل سوى جزء بسيط من حجم أدمغة الثدييات مثل الرئيسيات. يكمُن السر في كثافة الخلايا العصبية لديها؛ فقد أظهرت الدراسات أن الطيور لديها كثافة أعلى بكثير من الخلايا العصبية في أدمغتها، وخاصة في المناطق المشابهة للقشرة المخية عند الثدييات. وهذا ما يسمح لها بمعالجة المعلومات بكفاءة أكبر، ويعوّض عن حجم أدمغتها الأصغر. على سبيل المثال، يمكن للغربان حل الألغاز المتعددة الخطوات، وحتى التعرف على الوجوه البشرية. كما أثبتت الببغاوات قدرتها على فهم المفاهيم المجردة مثل الأشكال والأرقام.

ADVERTISEMENT

الكفاءة مقابل الحجم:

الصورة عبر Todd Cravens على unsplash
الصورة عبر Todd Cravens على unsplash

قد تكون الأدمغة الأصغر حجماً مفيدة من الناحية التطورية أيضاً. إن الحفاظ على دماغ كبير الحجم مكلف من الناحية الطاقيّة، ويتطلب موارد كبيرة. وقد توازن الحيوانات ذات الأدمغة الأصغر حجماً ولكن الفعالة بين القدرة المعرفية والمتطلبات الاستقلابية المنخفضة، ما يمنحها ميزة البقاء في البيئات التي تعاني من ندرة الموارد. بالإضافة إلى ذلك، تسمح هذه الأدمغة بتواصل أسرع بين الخلايا العصبية، حيث تؤدي المسارات العصبية الأقصر إلى أوقات معالجة أسرع، والتي يمكن أن تكون حاسمة للبقاء في البيئات الديناميكية.

دراسة حالة - الرئيسيات والدماغ البشري:

الصورة عبر mtanenbaum على pixabay
الصورة عبر mtanenbaum على pixabay

حتى بين الرئيسيات، لا يرتبط حجم الدماغ دائماً بالذكاء. على سبيل المثال، أدمغة القِرَدة العليا، كالشمبانزي، أكبر من أدمغة القرود الصغيرة، لكن هذه الأخيرة يمكنها التفوق على القِرَدة العليا في بعض مهام الذاكرة وحل المشكلات. عند البشر، يشكل الدماغ 2% فقط من وزن الجسم ولكنه يستهلك 20% من طاقة الجسم. وقد فضّل تطور الإنسان تكوين أدمغة ذات تلافيف كثيرة، مع شبكات معقدة من الاتصالات بدلاً من مجرد زيادة الحجم. تزيد هذه التلافيف من مساحة السطح، ما يسمح بنشاط عصبي أكبر داخل حجم أصغر.

ADVERTISEMENT

دراسة حديثة عن الكلاب:

الصورة عبر Angel Luciano على unsplash
الصورة عبر Angel Luciano على unsplash

كشفت دراسة حديثة عن حجم أدمغة سلالات مختلفة من الكلاب نسبة إلى حجم جماجمها، حيث تبين هنا أيضًا أن الأدمغة الكبيرة لا تعني بالضرورة أن الكلاب أكثر ذكاءً. وتشير الدراسة التي نشرت في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024 في مجلةBiology Letters، إلى أنه في حين قد تتمتع الكلاب العاملة بقدرات أكثر تعقيدًا مقارنة بالسلالات الأخرى، إلا أنها منظمة في مساحة أكثر إحكاما في الدماغ. ويختلف هذا عما نراه في التاريخ التطوري للثدييات البرية، حيث تميل المهارات المعرفية إلى أن تصبح أكثر تعقيدًا كلما كبر حجم الأدمغة نسبة إلى حجم الجسم. تقول آنا بالكارسيل، المؤلفة الرئيسية للدراسة الجديدة والخبيرة في علم الأحياء التطوري في معهد مونبلييه للعلوم التطورية في فرنسة: "في مجموعات أخرى [من الأنواع] يشير حجم الدماغ النسبي إلى قدرات معرفية أعلى، وهنا نرى العكس". وقارنت الدراسة نسب حجم دماغ الكلاب إلى حجم الجسم من خلال قياس 1682 جمجمة لكلاب بالغة تغطي 172 سلالة موجودة في متحف التاريخ الطبيعي في برن في سويسرة. قام الباحثون بحساب "الحجم القحفي النسبي" للكلاب، وهو نسبة حجم أدمغتها إلى حجم أجسامها. كما تم أخذ درجات 14 سمة سلوكية من استبيان تقييم السلوكيات والبحث عن الكلاب، وهو تقييم سلوكي موحد لسلالات الكلاب يقيس قابلية التدريب، وسلوكيات البحث عن الاهتمام، والعدوانية وغيرها من السمات. والنتيجة هي أن السلالات "العاملة"، مثل كلاب الهاسكي السيبيرية التي دُرّبت لأداء مهارات معقدة لمساعدة البشر، كان لديها أصغر أدمغة نسبة إلى حجم أجسامها. في حين أن سلالات "الرفقة"، مثل الشيواوا التي تُربّى في المقام الأول لتكون حيوانات أليفة، كان لديها أكبر حجم نسبي للدماغ.

ADVERTISEMENT

التداعيات على التطور والذكاء الصنعي:

إن النتائج المتعلقة بكفاءة الدماغ لها تداعيات عميقة، ولا يمكننا أن نتجاهل تداعياتها على التكيّف التطوّري، وعلى الذكاء الصنعي.

التكيفات التطورية: تثبت الحيوانات ذات الأدمغة الأصغر حجمًا، ولكن الفعالة، أن الذكاء لا يتطلب القوة الغاشمة بل الهندسة الذكية. غالبًا ما يعطي التطور الأولوية للتكيف على الحجم. الذكاء الصنعي: يمكن أن تساعد الرؤى حول الأدمغة الحيوية المدمجة والفعالة في تطوير أنظمة الذكاء الصنعي. قد يؤدي تقليد نهج الطبيعة لكثافة الخلايا العصبية وكفاءة المعالجة إلى تقنيات أكثر ذكاءً وكفاءة في استخدام الطاقة.

التحديات والبحوث المستقبلية:

الصورة عبر hainguyenrp على pixabay
الصورة عبر hainguyenrp على pixabay

في حين أن هذه الاكتشافات مثيرة، إلا أنها تثير أيضًا أسئلة جديدة. فمثلاً، ما هي الهياكل أو الدارات المحددة التي تجعل الأدمغة الأصغر حجمًا فعالة للغاية؟ كيف تؤثر البيئات المختلفة على تطور حجم الدماغ وتعقيده؟ من المرجح أن تركز الأبحاث المستقبلية على مقارنة هياكل الدماغ عبر الأنواع للكشف عن المبادئ العالمية وراء الذكاء. ستلعب التطورات في تقانات التصوير وعلم الأعصاب الحاسوبي دورًا رئيسًا في الإجابة على هذه الأسئلة.

ADVERTISEMENT

الخاتمة:

الصورة عبر PixTreats على pixabay
الصورة عبر PixTreats على pixabay

إن فكرة أن الحيوانات الأكثر ذكاءً قد يكون لديها أدمغة أصغر حجمًا تعيد تشكيل فهمنا للذكاء والتطور. وتسلط هذه الدراسة الضوء على أهمية بنية الدماغ وكثافة الخلايا العصبية وكفاءة الطاقة مقارنة بحجم الدماغ. ومن خلال دراسة هذه التكيفات المذهلة، نكتسب رؤى أعمق في تنوع الحياة على الأرض وربما في طبيعة الذكاء ذاته.

المزيد من المقالات