كانت مركبتا ناسا بيرسيفيرانس (Perseverance) وكيوريوسيتي (Curiosity) تجوبان المريخ لسنوات، وتستكشفان أجزاء مختلفة من الكوكب الأحمر على بعد مئات الكيلومترات إحداهما عن الأخرى. ولكن، على مدار الأشهر القليلة الماضية، يكافح كلا الروبوتين لإكمال جزء هامّ من مهمتيهما. نبين في هذه المقالة تاريخ هاتين المركبتين، والمشاكل التي تعانيان منها اليوم.

قصة المركبتين:

صورة من wikimedia
صورة من wikimedia

مركبة كيوريوسيتي هي مركبة بحجم سيارة تستكشف فوهة بركان غيل، وجبل شارب على المريخ كجزء من مهمة مختبر علوم المريخ التابع لوكالة ناسا. أُطلقت في 26 نوفمبر / تشرين الثاني 2011، وهبطت على المريخ في 6 أغسطس/ آب 2012. تتضمن أهداف المهمة التحقيق في مناخ المريخ وسطحه، وتقييم ما إذا كان الموقع الميداني المحدد داخل البركان قد قدم ظروفًا بيئية مواتية للحياة الميكروبية (بما في ذلك التحقيق في دور الماء)، ودراسات قابلية الكوكب للسكن استعدادًا للاستكشاف البشري.

ADVERTISEMENT

أما مركبة بيرسيفيرانس، الملقبة "بيرسي" للتحبّب، فهي مصممة لاستكشاف فوهة بركان قديم هو بركان جيزيرو على المريخ كجزء من مهمة ناسا المريخية. أُطلقت في 30 يوليو / تمّوز 2020، وهبطت على المريخ في 18 فبراير 2021. تتمتع بيرسيفيرانس بتصميم مشابه لسابقتها كيوريوسيتي، على الرغم من تحسينها قليلًا. وتحمل تسعة عشر كاميرة، وميكروفونين. تتضمن أهداف المركبة تحديد البيئات المريخية القديمة القادرة على دعم الحياة، والبحث عن أدلة على وجود حياة ميكروبية سابقة في تلك البيئات، وجمع عينات من الصخور والتربة لتخزينها على سطح المريخ، واختبار إنتاج الأكسجين من الغلاف الجوي للمريخ للتحضير لمهام مأهولة مستقبلية.

صعوبات بيرسيفيرانس:

صورة من wikimedia
صورة من wikimedia

لمدة ثلاثة أشهر تقريبًا، بقيت مركبة بيرسيفيرانس تتسلق حافة فوهة جيزيرو للتحقيق فيما إذا كانت الحياة قد وجدت على المريخ. هذه هي أصعب تضاريس للروبوت ذي الست عجلات حتى الآن، وقد ثبت أنها أكثر تحديًا مما توقعه فريق المهمة. منذ أربع سنوات تقريبًا تتجوّل بيرسيفيرانس بهدف استكشاف الحافة الغربية للبركان، والتي تُظهر علامات على نشاط حراري مائي قديم. للقيام بذلك، يجب على بيرسيفيرانس التغلب على منحدرات تصل إلى 23 درجة وتسلق حوالي 300 متر إلى حافة جيزيرو، والتي كانت تحتوي على بحيرة ضخمة منذ مليارات السنين. ولكن الأمر لم يكن سهلاً، كما "كشفت" المركبة مؤخرًا. في الحقيقة كان المشرفون عليها هم من كشفوا ذلك، وكتبوا (باسمها) على "حسابها" في إحدى منصّات التواصل الاجتماعي ما يلي: "كانت رحلتي إلى حافة جيزيرو صعبة. أتعامل مع بعض التضاريس الزلقة وشديدة الانحدار. ولكن بفضل فريقي ونظام الملاحة المستقل، أتجنب أي مخاطر كبيرة وأنا أشق طريقي ببطء إلى الأعلى".

ADVERTISEMENT

كانت رحلة بيرسيفيرانس إلى حافة الحفرة أكثر انزلاقًا مما كان يُعتقد في البداية، ما أدى إلى إبطاء رحلتها. تبين أن تضاريس حافة الحفرة عبارة عن غبار ورمل متكدسين بشكل فضفاض مع قشرة رقيقة وهشة، ما تسبب في قطع المركبة نصف المسافة التي كانت لتقطعها عادةً في رحلة عادية. كان هناك يوم أكملت فيه بيرسيفيرانس حوالي 20٪ فقط من مسارها المخطط له. ويقول كامدن ميلر (Camden Miller)، مُخطط مسار المركبة: "لقد سارت مركبات المريخ على تضاريس أكثر انحدارًا، وقادت على تضاريس أكثر انزلاقًا، لكن هذه هي المرة الأولى التي يتعيّن علينا فيها التعامل مع كليهما - وعلى هذا النطاق". ويضيف: "في كل خطوتين إلى الأمام تخطوهما مركبة بيرسيفيرانس، كنا نتراجع خطوة واحدة على الأقل". كان الفريق الذي يقف وراء المهمة يتوصل إلى طرق مختلفة لمحاولة جعل رحلة بيرسيفيرانس أسهل على عجلاتها، بما في ذلك قيادة المركبة على الحافة للخلف (على الغيار الخلفي)، حيث يحافظ نظام التعليق الخاص بها على قوة جر أفضل عندما تسير في هذا الاتجاه. في الوقت الحالي، قرر الفريق قيادة المركبة نحو الحافة الشمالية لحافة الحفرة لأن في هذه المنطقة صخورًا أكبر وأقرب إلى السطح، ما يقلل من الانزلاق.

ADVERTISEMENT

صعوبات كيوريوسيتي:

صورة من pexels
صورة من pexels

على بعد مئات الكيلومترات، تواجه مركبة كيوريوسيتي أيضًا مشكلة في القيادة على طريق وعرة على المريخ. كشفت وكالة ناسا هذا الأسبوع أن كيوريوسيتي وصلت إلى نصف الطريق فقط من وجهتها المقصودة. تم إنهاء قيادة كيوريوسيتي مبكرًا بعد أن تجاوزت أحد حدود نظام تعليقها، وانتهى الأمر بالمركبة بعجلة عالقة في حفرة، وأخرى جاثمة على صخرة. توجد كيوريوسيتي حاليًا في جيديز فاليس (Gediz Vallis)، وهي قناة بالقرب من قاعدة جبل شارب يُعتقد بأنها كانت تحتوي على مياه سائلة في الماضي. ومع تعطل المركبة في وضع صعب، تحول الفريق إلى خطة الاستشعار عن بعد، وجمع أية ملاحظات محتملة لـ جيديز فاليس أثناء اكتشاف طريقة لكي تتجه مركبة كيوريوسيتي غربًا نحو مخرجها من القناة. قناة جيديز فاليس محفورة في قاع الصخر، ومليئة بالصخور وحطام آخر. يبحث الفريق وراء المهمة عن أدلة حول كيفية تشكل القناة، وبالتحديد فيما إذا كانت محفورة بوساطة نهر قديم، أو رياح، أو انهيارات جليدية جافة. إن التعرف على قناة جيديز فاليس لا يوفر لمحة عن تاريخ المريخ القديم فحسب، بل يشير أيضًا إلى أن الماء على المريخ ربما جاء وذهب على مراحل، بدلاً من الاختفاء التدريجي مع جفاف الكوكب.

ADVERTISEMENT

يحاول خبراء ناسا حلّ مشاكل المركبتين، وعلى الأغلب سينجحون في ذلك، ولكن هذه الصعوبات تؤكّد أن المريخ يمكن أن يكون بيئة غير متسامحة لزوجين من الروبوتات يحاولان القيام بعملهما. دعونا لا نتخيل كيف يمكن أن يكون هذا الكوكب للإنسان الذي يحاول العيش هناك.

المزيد من المقالات