في السنوات الأخيرة، شهد قطاع السيارات قفزة نوعية في مجال التكنولوجيا، حيث باتت السيارات مزوّدة بأنظمة إلكترونية متقدمة تُسهّل القيادة، وتوفّر الراحة، وتزيد من مستويات السلامة. غير أن هذه الميزات نفسها، التي بدت في البداية كمكاسب، كشفت عن وجه آخر لا يقل خطورة: القابلية للاختراق الإلكتروني.
ومع تزايد الاعتماد على الاتصال بالإنترنت، وتقنيات البلوتوث، والشبكات الداخلية للسيارة، دخلنا مرحلة جديدة لم تكن مألوفة في السابق، وهي أمن السيارات أو ما يُعرف بالأمن السيبراني في مجال المركبات. والسؤال الجوهري الذي يطرح نفسه اليوم: هل أصبحت سياراتنا الذكية "ذكية" لدرجة تهددنا؟
لم تعد السيارة مجرد محرك وعجلات ومقود. السيارة الحديثة تحتوي على ما بين 70 إلى 100 وحدة تحكم إلكترونية (ECUs)، كل منها يؤدي وظيفة معينة، من إدارة المحرك إلى الوسائد الهوائية، ومن المكابح إلى التحكم الترفيهي، وغيرها الكثير.
قراءة مقترحة
تتواصل هذه الوحدات مع بعضها عبر شبكات داخلية معقدة، أبرزها شبكة CAN bus، وهي بمثابة الجهاز العصبي المركزي الذي يربط بين مكوّنات السيارة الإلكترونية. هذه البنية المعقدة تفتح المجال لتطوير تقنيات مذهلة، ولكنها، في الوقت ذاته، تزيد من السطح المعرض للهجوم الإلكتروني.
ثانيًا: كيف تتم عمليات اختراق السيارات الذكية؟
هذه أخطر أنواع الهجمات، حيث لا يحتاج المخترق لأن يكون بالقرب من السيارة. باستخدام إشارات الشبكات أو البلوتوث أو الاتصال اللاسلكي، يمكن تنفيذ الهجوم من أي مكان. على سبيل المثال، يمكن الوصول إلى أنظمة السيارة عبر تطبيقات الهاتف المتصلة بها.
تتم عند حصول المخترق على وصول فعلي للسيارة، من خلال منفذ الـOBD-II (الذي يُستخدم للفحص الفني)، ما يتيح له التعديل على برامج القيادة، أو استغلال النظام للسيطرة على وظائف معينة.
تحديث أنظمة السيارة أصبح يتم لاسلكيًا (Over-the-Air)، ما يجعل من التحديثات نفسها وسيلة محتمَلة للهجوم، إن لم تكن محمية بتقنيات تشفير قوية.
رغم أهميتها البالغة، إلا أن هذه الشبكة تفتقر إلى التشفير والمصادقة، مما يتيح لأي جهاز متصل بها إرسال أوامر تؤثر على عمل السيارة.
تطبيقات الهواتف المحمولة التي تتيح تشغيل السيارة، فتح الأبواب، أو حتى تحديد الموقع، قد تكون مدخلًا سهلاً للهاكرز إذا لم تُصمم بمعايير أمنية صارمة.
غالبًا ما تكون هذه الأنظمة متصلة بالإنترنت، ويمكن أن تكون البوابة التي يعبر منها المهاجم للوصول إلى باقي الأنظمة الحيوية للسيارة.
معظم السيارات الحديثة تستخدم الرادارات، الليدار، والكاميرات لمساعدة السائق. جميع هذه الأجهزة تعتمد على البيانات، ويمكن تضليلها أو استغلالها إذا لم تكن محمية بشكل كافٍ.
قد يبدو الحديث عن اختراق سيارة أشبه بقصة من الخيال العلمي، إلا أن الواقع أثبت عكس ذلك.
مع ازدياد هذه المخاطر، أصبح من الضروري أن تُدمج تقنيات الحماية الرقمية في بنية السيارات منذ مراحل التصميم الأولى، لا أن تُضاف لاحقًا كحلول ترقيعية.
أهم عناصر الحماية الرقمية في السيارات:
أمن السيارات لا يقع فقط على عاتق المصنعين، بل هو مسؤولية مشتركة تشمل:
- الشركات المصنعة:
عليها أن تعتمد معايير برمجية صارمة، وتخضع منتجاتها لاختبارات أمنية دورية، وتوفر تحديثات مستمرة.
- المطورون:
عند تصميم التطبيقات المتصلة بالسيارات، يجب الالتزام بالبروتوكولات الآمنة ومعايير حماية الخصوصية.
- الحكومات:
من خلال تشريعات تُلزم المصنعين باتباع معايير الأمان، وتطبيق نظام عقوبات في حال الإهمال.
- السائقون والمستخدمون:
ببساطة، لا تقم بتثبيت تطبيقات غير موثوقة، ولا تشارك بيانات الدخول إلى أنظمة سيارتك مع أي طرف مجهول.
مع ظهور تكنولوجيا القيادة الذاتية، والسيارات المتصلة بالإنترنت، ودمج الذكاء الاصطناعي، يتضاعف حجم التحديات الأمنية. وفي المقابل، يشهد مجال أمن السيارات تطورًا سريعًا، من خلال شراكات بين شركات تقنية عملاقة ومصنّعي السيارات، لتطوير حلول ذكية قادرة على التصدي للهجمات قبل وقوعها.
ومع ذلك، يظل المجال في سباق دائم بين مطوري الأنظمة والمخترقين، مما يعني أن التهديد لن يختفي، بل سيتحول ويتطور.
في النهاية، لا جدال في أن التكنولوجيا جعلت من السيارة وسيلة أكثر راحة وأمانًا وفعالية. لكن، هذه التطورات لم تأتِ دون ثمن. إذ أن الأنظمة الإلكترونية للسيارات أصبحت سلاحًا ذا حدين، وتحوّلت من أدوات دعم إلى مداخل خطيرة إن لم نُحسن تأمينها.
الوعي، واليقظة، والاستثمار في الحماية الرقمية، أصبحت الآن ضرورات لا يمكن تجاهلها في عالم يسير بسرعة نحو الأتمتة والذكاء الاصطناعي.
فهل نحن، كمجتمع تقني ومستهلكين، مستعدون حقًا لمستقبل نركب فيه سيارات قد يُخترق نظامها كما يُخترق بريدنا الإلكتروني؟ السؤال مفتوح... والإجابة تبدأ من الآن.