هل نحن داخل ثقب أسود؟ دراسة جديدة تتحدى نظرية الانفجار العظيم: "لسنا مميزين"

ADVERTISEMENT

لمدة قرن تقريبًا، ظلت نظرية الانفجار العظيم هي التفسير السائد لأصل الكون. ووفقًا لهذا النموذج، فإن كل المادة والطاقة والفضاء والزمان قد نشأت من نقطة مفردة - وهي نقطة ذات كثافة لا نهائية - منذ حوالي 13.8 مليار سنة. ومنذ تلك اللحظة، بدأ الكون في التمدد والتبريد والتطور إلى الكون الذي نلاحظه اليوم. ولكن دراسة جديدة نُشرت في مجلة Physical Review D أجراها باحثون من جامعة بورتسموث تتحدى هذه الفكرة الأساسية. يقترح الفريق، بقيادة البروفيسور إنريكي غازتاناغا، أن الكون ربما لم يبدأ بانفجار على الإطلاق. وبدلاً من ذلك، يقترحون أنه وُلد من انهيار جاذبية - وهو انفجار هائل شكّل ثقبًا أسود. وفي هذا النموذج، لم ينفجر الكون إلى الوجود من العدم؛ بل ارتد إلى الخارج من حالة سابقة من الضغط الشديد. تقدم هذه النظرية، التي أُطلق عليها اسم "كون الثقب الأسود"، وجهة نظر مختلفة جذريًا عن الأصول الكونية. بدلاً من بداية مفردة، يُشير هذا النموذج إلى عملية دورية من الانهيار والبعث، حيث تنبثق الأكوان من بقايا أخرى. ولعلّ الأمر الأكثر استفزازاً هو أنه يُلمّح إلى أننا لسنا مميزين - فكوننا ليس سوى تكرار واحد في دورة كونية أبدية.

ADVERTISEMENT

عرض النقاط الرئيسية

  • تقترح دراسة حديثة من جامعة بورتسموث نموذجًا بديلًا لنشأة الكون يسمى "كون الثقب الأسود"، يُشكك في نظرية الانفجار العظيم السائدة منذ قرن.
  • يُفترض في هذا النموذج أن الكون وُلد نتيجة ارتداد ناتج عن انهيار جاذبي، بدلاً من انفجار مفرد، مما يُلغي الحاجة إلى نقطة ذات كثافة لا نهائية.
  • بحسب النظرية، قد يُشكل الثقب الأسود بيئة يتحقق فيها توازن بين الجاذبية وميكانيكا الكم، تسمح بنشوء كون جديد داخل أفق الحدث الخاص به.
  • ADVERTISEMENT
  • يدّعي النموذج الجديد تفسير الخصائص المرصودة للكون كالتجانس والاتساق دون اللجوء إلى مفهوم "التضخم الكوني" المجهول السبب في النموذج التقليدي.
  • تُشير بعض بيانات تلسكوب جيمس ويب إلى دوران في المجرات المبكرة، ما قد يدعم وجود زخم زاوي بدائي يرجع إلى ثقب أسود دَوّار تولد منه الكون.
  • يفتح هذا النموذج المجال لفكرة أكوان متعددة تنشأ من الثقوب السوداء، كل منها يحتوي على قوانينه الزمانية والمكانية الخاصة.
  • يحمل هذا الطرح تبعات فلسفية عميقة تتحدى مركزية الإنسان، وتعيد تعريف مفاهيم مثل "البداية" وتضع وجودنا ضمن دورة كونية أزلية.
صورة بواسطة Alain r على wikipedia

ارتداد بدلاً من انفجار

يكمن جوهر هذا النموذج الجديد في فكرة أن المادة، عند ضغطها بفعل الجاذبية، لا تنهار بالضرورة إلى مفردة. بدلاً من ذلك، قد تمنع ميكانيكا الكم الكثافة اللانهائية، مما يتسبب في وصول المادة إلى نقطة حرجة ثم ارتدادها - مثل زنبرك تحت الضغط. قد يُؤدي هذا "الارتداد" إلى نشوء كون جديد متمدد داخل الثقب الأسود. ووفقاً للدراسة، فإن أفق الحدث للثقب الأسود - الحد الذي لا يمكن لأي شيء الإفلات منه - سيكون بمثابة حافة كوننا. من وجهة نظرنا، لن نتمكن من الرؤية وراءه، تماماً كما لا يمكننا ملاحظة أي شيء خارج أفقنا الكوني. يتماشى هذا مع الملاحظات التي تُشير إلى أن الكون يبدو مسطحًا ومتجانسًا ومتساوٍ الخواص على المقاييس الكبيرة، وهي سمات يُفسرها نموذج الانفجار العظيم القياسي باستخدام التضخم، وهو مرحلة توسع سريع مدعومة بحقل مجهول. لكن نموذج كون الثقب الأسود يدّعي تفسير هذه السمات نفسها دون اللجوء إلى التضخم. بل إن اتساق الكون ينشأ بشكل طبيعي من الظروف داخل الثقب الأسود. كما يتجنب النموذج مفهوم التفرد المُقلق، حيث تنهار قوانين الفيزياء. من خلال الجمع بين النسبية العامة وميكانيكا الكم، تُقدم النظرية صورة أكثر اكتمالًا واتساقًا لنشأة الكون.

ADVERTISEMENT
صورة بواسطة NASA, ESA, and J. Lotz, M. Mountain, A. Koekemoer, and the HFF Team على wikipedia

أدلة رصدية ودوران كوني

في حين أن فكرة وجود كون داخل ثقب أسود قد تبدو ضربًا من الخيال العلمي، يشير الباحثون إلى أدلة رصدية متزايدة تدعم نموذجهم البديل. أحد هذه الأدلة يأتي من بيانات حديثة جُمعت بواسطة تلسكوب جيمس ويب الفضائي، والتي تُظهر نمطًا غير متوقع في دوران المجرات المبكرة. يبدو أن عددًا أكبر من المجرات يدور في اتجاه واحد أكثر من الآخر – وهو عدم تناسق مفاجئ على نطاق كوني قد يُشير إلى وجود دوران بدائي موروث من ثقب أسود دوار نشأ منه الكون. وإذا تم تأكيد هذا الدوران الكوني، فسيكون من الصعب تفسيره ضمن نموذج الانفجار العظيم القياسي، الذي لا يفترض وجود زخم زاوي ابتدائي أو محورية أساسية. ولكن في إطار نموذج "كون داخل ثقب أسود"، يبدو الأمر منطقيًا تمامًا: قد يكون الكون ورث دورانه واتجاهه العام من الثقب الأسود الذي وُلد فيه، تمامًا كما ترث النجوم خصائص من الغاز والسحب التي تنشأ منها. قد تُلقي هذه النظرية الضوء أيضًا على ألغاز كونية أخرى، مثل طبيعة المادة المظلمة وتكوين الثقوب السوداء الهائلة في المراحل المبكرة من عمر الكون، بل وربما تشكل بنية الزمكان بحد ذاتها. وإذا تشكل كوننا داخل ثقب أسود، فربما تكون الثقوب السوداء الأخرى داخله بمثابة بذور لأكوان مستقبلية – كل منها يحتوي على قوانينه الفيزيائية وتاريخه الزمني وهندسته الفريدة. هذه الفكرة، المعروفة بعلم "كونيات الثقب الأسود"، تفتح الباب أمام تصور كون متعدد متداخل، حيث تُصبح الثقوب السوداء ممرات كونية لميلاد عوالم جديدة، ومفاتيح لفهم البنية الأعمق للواقع نفسه.

ADVERTISEMENT
صورة بواسطة NASA على wikimedia

لسنا مميزين – وهذا مُحرِّر

لعل أبرز دلالات هذه النظرية الفلسفية هو تحديها للاستثنائية البشرية وكسرها لمركزية الإنسان في مشهد الكون. صرّح البروفيسور غازتاناغا لشبكة أخبار جي بي: "لسنا مميزين. فنحن لا نشهد ولادة كل شيء من العدم، بل استمرارًا لدورة كونية – دورة تُشكّلها الجاذبية وميكانيكا الكم والترابطات العميقة بينهما". يُعيد هذا المنظور صياغة مكانتنا في الكون ويُجبرنا على إعادة التفكير في مفاهيم مثل "الخلق"، و"البداية"، و"الهدف". فبدلاً من أن نكون نتاج حدث فريد لمرة واحدة، قد نكون مجرد فصل ضمن سردٍ كونيٍّ أعظم، ضمن سلسلة لا نهائية من الانهيارات والانبثاقات الكونية. الكون، من هذا المنظور، ليس معجزة فريدة، بل نتيجة طبيعية لقوانين فيزيائية تسري عبر الزمان والمكان من دون انحياز أو تفضيل. وبينما لا يزال نموذج كون الثقب الأسود في مراحله الأولى ويتطلب المزيد من الاختبارات والرصد، فإنه يُقدِّم بديلاً مقنعًا ومُلهمًا لنموذج الانفجار العظيم. إنه يتحدانا لنفكر بطريقة مختلفة في أصول الواقع وحدوده وطبيعته، ويفتح آفاقًا لفهم لا يقتصر على بداية الزمن، بل يشمل تسلسلًا دائمًا لتشكل الأكوان. ويذكرنا بأن العلم لا يعني التشبث بإجابات مريحة، بل الجرأة على طرح أسئلة وجودية عميقة، حتى لو قادتنا – حرفيًا ومجازيًا – إلى قلب ثقب أسود.

أكثر المقالات

toTop