ربما كانت الطبقات الطينية السميكة على المريخ مكانًا مستقرًا للحياة القديمة

ADVERTISEMENT

المريخ اليوم صحراء باردة قاحلة، ذات غلاف جوي رقيق، ولا يوجد ماء سائل على سطحه. لكن قبل مليارات السنين، ربما كان الكوكب الأحمر أشبه بالأرض. تشير الأدلة الجيولوجية إلى أن المريخ القديم كان عالمًا أكثر رطوبة ودفئًا، مع أنهار وبحيرات، وربما حتى بحار ضحلة. لطالما أثار هذا الماضي المائي فضول العلماء الباحثين عن علامات حياة خارج الأرض. من بين أكثر الأدلة إقناعًا على صلاحية المريخ للسكن قديمًا طبقاته السميكة من الطين، والتي يمكن أن تمتد لمئات الأقدام وتنتشر على سطحه. تكتسب هذه الرواسب الطينية أهمية خاصة لأنها تتطلب الماء لتتشكل. يشير وجودها إلى تفاعلات طويلة الأمد بين الماء والصخور - وهي ظروف ربما دعمت الحياة الميكروبية. أجرت دراسة حديثة نُشرت في مجلة Nature Astronomy، أجراها باحثون من جامعة تكساس في أوستن، دراسةً معمقةً لهذه التضاريس الغنية بالطين. تشير النتائج إلى أن هذه المناطق لم تكن رطبة فحسب، بل كانت أيضًا مستقرة جيولوجيًا، مما خلق بيئة هادئة ودائمة ربما أتيحت فيها للحياة فرصة الظهور والاستمرار.

ADVERTISEMENT

عرض النقاط الرئيسية

  • كشفت الدراسات الجيولوجية أن المريخ القديم كان أكثر دفئًا ورطوبة، واحتوى على أنهار وبحيرات وربما بحار ضحلة تدعم إمكانية الحياة
  • وجود طبقات سميكة من الطين على سطح المريخ يُعد دليلًا قويًا على وجود الماء سابقًا وتفاعله الطويل مع الصخور
  • خلصت دراسة أجرتها جامعة تكساس إلى أن هذه الترسبات الطينية نشأت في مناطق مستقرة جيولوجيًا وهادئة مائيًا، مما وفر بيئة مثالية لتشكل الحياة
  • ADVERTISEMENT
  • أوضحت الدراسة أن التشابه بين الطينيات المريخية وتلك الموجودة على الأرض يُعزز فرضية أن المريخ كان صالحًا للسكن في الماضي
  • اقترح الباحثون أن تشكّل الطين على المريخ ساهم في اختلال دورات الماء والكربون، مما أدى إلى فقدان الكوكب لغلافه الجوي وتدهور مناخه
  • تُعتبر هذه الطينيات بمثابة كبسولات زمنية قد تحتفظ بأدلة على وجود حياة ميكروبية سابقة في أعماق الكوكب الأحمر
  • تسلط النتائج الضوء على أهمية الاستقرار الجيولوجي والمائي كعامل حاسم عند البحث عن بيئات قابلة للحياة خارج الأرض.
صورة بواسطة NASA and The Hubble Heritage Team على wikipedia

المياه الهادئة والتجوية الكيميائية

قامت الدراسة، التي قادتها عالمة الكواكب ريانا مور، بتحليل بيانات 150 رواسب طينية سبق أن حُددت بواسطة مركبة استطلاع المريخ المدارية التابعة لناسا. ومن خلال فحص ارتفاعها، والتضاريس المحيطة بها، وقربها من المسطحات المائية القديمة، اكتشفت مور وفريقها أن معظم هذه الرواسب الطينية تشكلت في مناطق منخفضة بالقرب من البحيرات القديمة، ولكن بعيدًا عن شبكات الأودية الفوضوية حيث كانت المياه تتدفق بشكل أكثر اضطرابًا. يُعد هذا التمييز بالغ الأهمية. ففي المناطق ذات التدفق المائي القوي، يميل التآكل الفيزيائي إلى إزالة المعادن المتكونة حديثًا. أما في الأحواض الأكثر هدوءًا، فتسود التجوية الكيميائية - مما يؤدي إلى تفتيت الصخور ببطء، مما يسمح للمعادن مثل الطين بالتراكم والبقاء. وتعكس هذه الظروف تلك الموجودة في البيئات الاستوائية الرطبة على الأرض، حيث تتشكل طبقات طينية سميكة أيضًا في غياب التآكل القوي. ووفقًا لمور، "تحتوي هذه المناطق على الكثير من المياه، ولكن ليس على الكثير من الارتفاع الطبوغرافي، لذا فهي مستقرة للغاية. فإذا كانت لديك تضاريس مستقرة، فأنت لا تُفسد بيئاتك الصالحة للسكن المحتملة". بعبارة أخرى، ربما حافظت هذه الطينيات المريخية على التوازن الدقيق بين الماء والمعادن والوقت اللازم لتجذر الحياة. وأضاف تيم جودج، المؤلف المشارك، أن بيئات الطين المريخية تشبه تلك الموجودة على الأرض، حيث تتشكل تسلسلات معدنية طينية سميكة في مناطق رطبة مع أدنى حد من التآكل الفيزيائي. يعزز هذا التشابه فكرة أن المريخ كان يومًا ما موطنًا لبيئات قادرة على دعم الحياة.

ADVERTISEMENT
صورة بواسطة NASA/JPL-Caltech/MSSS على wikipedia

لغز في تاريخ مناخ الكوكب

إلى جانب آثارها على قابلية الكوكب للسكن، تُقدم طبقات الطين أيضًا رؤى جديدة حول مناخ المريخ القديم ودوراته الجيوكيميائية. على الأرض، عندما تُطلق غازات بركانية مثل ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، فإنها تتفاعل مع الماء والصخور لتكوين معادن الكربونات، التي تُساعد في تنظيم مناخ الكوكب. أما على المريخ، فتُعتبر الصخور الكربونية نادرة بشكل غامض - حتى في الأماكن التي كان من المفترض أن تتشكل فيها. يقترح الباحثون أن تكوين طبقات طينية سميكة قد يُساعد في تفسير هذا التناقض. فمع تشكل الطين، ربما يكون قد حبس الماء والنواتج الكيميائية الثانوية، مما منعه من التفاعل مع البيئة لتكوين الكربونات. وهذا يُشير إلى أن دورات الماء والكربون على المريخ كانت غير متوازنة، مما قد يُسهم في انهيار مناخ الكوكب في نهاية المطاف. على عكس الأرض، يفتقر المريخ إلى النشاط التكتوني لإعادة تدوير الصخور والحفاظ على استقرار المناخ على المدى الطويل. بمجرد توقف براكينه عن إطلاق الغازات وتوقف سطحه عن التجدد، ربما يكون الكوكب قد فقد قدرته على دعم مناخ دافئ ورطب. رواسب الطين، إذًا، ليست مجرد بقايا من ماضٍ صالح للسكن، بل هي سجلات متحجرة لكوكب في مرحلة انتقالية، تُوثّق لحظةً كان فيها المريخ يتأرجح بين قابلية السكن والخراب. قد يُفسر هذا الخلل أيضًا سبب فقدان المريخ لغلافه الجوي ومياهه السطحية بمرور الوقت. فبدون آليةٍ لاحتجاز ثاني أكسيد الكربون وإعادة تدويره، ربما يكون الكوكب قد برد بسرعة، مما أدى إلى جفافه وتجمّده الذي نراه اليوم.

ADVERTISEMENT
صورة بواسطة NASA/JPL/Cornell على wikipedia

الطين ككبسولات زمنية للحياة

إنّ تداعيات هذا البحث عميقة. فإذا وُجدت حياةٌ على المريخ يومًا ما، فقد تكون طبقات الطين السميكة هذه أفضل الأماكن للبحث عن آثارها. إن تركيبها المعدني، واستقرارها، وارتباطها بالبحيرات القديمة يجعلها أهدافًا رئيسيةً للاستكشافات المستقبلية. تستكشف مركبة "بيرسيفيرانس" التابعة لناسا بالفعل مناطق غنية بالطين في فوهة جيزيرو، وقد تُركز البعثات المستقبلية على مواقع مماثلة تم تحديدها في هذه الدراسة. من خلال تحليل التركيب الكيميائي لهذه الطينيات والبحث عن جزيئات عضوية، يأمل العلماء في الكشف عن علامات على حياة ميكروبية سابقة، أو على الأقل الظروف البيئية التي كان من الممكن أن تدعمها. علاوة على ذلك، تُسلّط الدراسة الضوء على أهمية استقرار التضاريس في البحث عن بيئات صالحة للسكن، سواءً على المريخ أو خارجه. فالأمر لا يقتصر على إيجاد الماء فحسب، بل يشمل أيضًا إيجاد أماكن يمكن أن يتناغم فيها الماء والمعادن والوقت معًا. على الأرض، تزدهر الحياة في مثل هذه البيئات. وعلى المريخ، قد تحمل هذه البيئات مفتاح الإجابة على أحد أهم أسئلة البشرية: هل نحن وحدنا؟ بينما نواصل استكشاف الكوكب الأحمر، تُذكّرنا هذه الطبقات الطينية القديمة بأنه حتى في أكثر البيئات قسوة، ربما اجتمعت مقومات الحياة في يوم من الأيام في تناغم هادئ ودائم. وفي تلك الطبقات الصامتة من تربة المريخ، ربما لا تزال أصداء عالم كان حيًا تنتظر أن تُسمع.

أكثر المقالات

toTop