في قلب شمال المكسيك، تقع ولاية زاكاتيكاس، واحدة من أكثر الوجهات جاذبية لعشاق التاريخ والثقافة. تشتهر هذه الولاية بمدينتها التاريخية المصنفة ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو، وبمناجم الفضة التي كانت محورًا اقتصاديًا هامًا خلال الحقبة الاستعمارية الإسبانية. زاكاتيكاس ليست فقط مدينة ذات ماضٍ غني، بل وجهة سياحية متكاملة تقدم مزيجًا فريدًا من العمارة الاستعمارية والمناظر الطبيعية الجبلية والمهرجانات الثقافية التي تسحر الزائرين من اللحظة الأولى.
عرض النقاط الرئيسية
في هذا المقال، نصحبك في جولة شاملة إلى هذه الولاية الساحرة، مستعرضين أبرز معالمها، من مناجم الفضة القديمة إلى كنائسها المزخرفة وشوارعها المرصوفة بالحجارة.
تُعد مدينة زاكاتيكاس التاريخية القلب النابض للولاية، وتُعرف بجمالها المعماري الذي يعكس تأثير الحقبة الاستعمارية الإسبانية، إذ تأسست المدينة عام 1546 بعد اكتشاف مناجم الفضة في الجبال المحيطة بها. أصبحت المدينة بسرعة واحدة من أغنى مدن الإمبراطورية الإسبانية الجديدة، وترك هذا الازدهار بصمته على طابعها المعماري والثقافي حتى يومنا هذا.
قراءة مقترحة
عند التجول في وسط المدينة، يأسرك الطراز الباروكي للكنائس والمباني العامة، ويُعد كاتدرائية زاكاتيكاس تحفة فنية باروكية مشيدة من الحجر الوردي، وتُعد من أجمل كنائس المكسيك على الإطلاق. كما يمكن زيارة كنيسة سانت أغوستين وكنيسة سان دومينغو، اللتين تعكسان روح الحقبة الاستعمارية بكل تفاصيلها المعمارية.
زاكاتيكاس كانت ذات يوم أحد المراكز العالمية لإنتاج الفضة، ومنجم إل إيدين (El Edén) يُجسد هذا الإرث بشكل رائع. يقع المنجم على حافة المدينة ويمكن الوصول إليه عبر قطار صغير ينقل الزوار في نفق طويل إلى عمق الجبل. داخل المنجم، يمكن للزائرين استكشاف المعارض التي تسلط الضوء على حياة عمال المناجم، وتقنيات استخراج الفضة، وتاريخ استغلال الموارد الطبيعية في المكسيك.
ما يميز هذا المنجم هو تحوله إلى مرفق سياحي متعدد الأغراض، حيث يمكن العثور داخله على متحف معدني، وحتى نادٍ ليلي يقع في أحد تجاويف الجبل القديمة – تجربة فريدة من نوعها لا توفرها أي منجم سياحي آخر في العالم.
زاكاتيكاس غنية بالمعالم التي تخلد الوجود الإسباني في المنطقة. إضافة إلى الكاتدرائيات والكنائس، هناك المتحف الإقليمي في زاكاتيكاس، والذي يقع في دير سابق يعود إلى القرن السابع عشر، ويعرض مجموعة كبيرة من اللوحات، والتماثيل الدينية، والفنون التقليدية التي توثق تطور الحياة الثقافية والدينية في زاكاتيكاس.
كما يُمكن زيارة قصر غوفاليه (Palacio de la Mala Noche)، وهو منزل تاجر فضة غني يعود للقرن الثامن عشر، وتحول إلى متحف فني يستضيف معارض معاصرة، مما يخلق توازناً بين الماضي والحاضر في المدينة.
ولا يمكن نسيان تلفريك زاكاتيكاس الشهير، الذي ينقل الزوار من وسط المدينة إلى تلة لا بوفا (Cerro de la Bufa)، وهي موقع رمزي يُوفر إطلالة بانورامية خلابة على المدينة، كما تحتضن التلة نصبًا تذكاريًا لمعركة زاكاتيكاس، وهي إحدى أهم المعارك في الثورة المكسيكية.
تعتبر زاكاتيكاس إحدى وجهات السياحة الثقافية في المكسيك بامتياز. إذ تستضيف المدينة العديد من المهرجانات على مدار السنة، أبرزها مهرجان زاكاتيكاس الثقافي الدولي الذي يُقام في فترة عيد الفصح، ويجمع عروضاً موسيقية ومسرحية من مختلف أنحاء العالم في ساحات المدينة وكنائسها.
هناك أيضًا مهرجان الشارع، الذي يحول المدينة إلى مسرح مفتوح لفرق الموسيقى والرقص والمهرجين، مما يعزز الطابع الاحتفالي والحيوي لزاكاتيكاس. كما يمكن حضور كرنفال زاكاتيكاس الذي يُقام في فبراير ويتميز بالملابس الزاهية، والرقصات الشعبية، ومواكب العربات المزينة.
بعيدًا عن المدينة، تقدم زاكاتيكاس تجربة سياحية طبيعية مميزة لمحبي المغامرة. تقع في محيط المدينة عدة مواقع طبيعية مثل وادي باريدون، الذي يوفر مسارات للمشي الجبلي وتسلق الصخور، ويُعد مكانًا مثاليًا لهواة التصوير الفوتوغرافي.
أما بلدة خوكاليس الصغيرة، فهي وجهة هادئة تقع في الجبال وتوفر نظرة حميمة على الحياة الريفية في المكسيك، مع منازلها الملونة وأسواقها التقليدية. كما يمكن زيارة بلدة غواديالوبي القريبة، والتي تضم ديرًا يعود للقرن الثامن عشر، ومتحفًا للفنون الاستعمارية.
لا تكتمل الزيارة إلى زاكاتيكاس دون تذوق مطبخها التقليدي الغني، والذي يجمع بين التأثيرات الإسبانية والمكسيكية الأصلية. من أشهر الأطباق التي يُنصح بتجربتها:
تقدم المطاعم في وسط المدينة هذه الأطباق وسط أجواء تقليدية تذكر الزائرين بتاريخ المدينة العريق.
زاكاتيكاس ليست مجرد مدينة جميلة؛ إنها مرآة تعكس فصولاً كاملة من تاريخ المكسيك. من مناجم الفضة العريقة التي شكلت ثروة إسبانيا الجديدة، إلى شوارع المدينة المزينة بالحجر الوردي، ومن مهرجاناتها النابضة بالحياة إلى أطباقها التي تروي حكاية أجيال، تقدم زاكاتيكاس تجربة سياحية غنية وعميقة لمحبي الثقافة والتاريخ.
لكل من يبحث عن وجهة بعيدة عن الزحام، تحمل في طياتها معالم الحقبة الاستعمارية، وتُقدم لمحة عن تاريخ التعدين في المكسيك، وتحتفي بالثقافة بأبهى صورها – فإن زاكاتيكاس تستحق أن تُدرج في أولى خطط السفر القادمة.