نيوفاوندلاند ولابرادور: رحلة إلى أقصى شرق كندا وعراقتها البحرية

ADVERTISEMENT

في أقصى شرق كندا، حيث ينتهي اليابس وتبدأ رحلة البحر، تقع مقاطعة نيوفاوندلاند ولابرادور، واحدة من أجمل وأقل استكشافًا من قبل المسافرين. هذه الأرض التي تحتضن مزيجًا من التضاريس الدراماتيكية، والموانئ الصغيرة التي تعيش على وقع الأمواج، والتقاليد العريقة التي تمزج بين التراث الأوروبي والأصالة الكندية، تقدم تجربة سياحية فريدة لكل من يبحث عن الطبيعة البكر والتاريخ البحري العميق.

المقاطعة تتكوّن من جزيرتين رئيسيتين: نيوفاوندلاند، وهي جزيرة ضخمة في المحيط الأطلسي، ولابرادور، وهي شبه جزيرة تمتد شمالًا بمحاذاة كيبيك. لكلٍ منهما طابعه الخاص، لكن كلاهما يحمل طيفًا من المغامرات والمناظر الساحرة.

صورة بواسطة Erik Mclean على Unsplash

سانت جونز: مدينة الألوان والحياة

عند زيارتك لنيوفاوندلاند، من الطبيعي أن تبدأ رحلتك في عاصمتها سانت جونز (St. John’s)، أقدم مدينة في أمريكا الشمالية. تتميز المدينة بمنازلها ذات الألوان الزاهية التي تُعرف باسم "Jellybean Row"، والتي تمنح شوارع المدينة طابعًا فنيًا يضج بالحياة.

ADVERTISEMENT

يمكنك صعود تل سيغنال (Signal Hill) للحصول على مشهد بانورامي لخليج المدينة والمحيط الأطلسي. على قمة التل، يقف برج كابوت(Cabot Tower)، حيث استقبل ماركوني أول إشارة لاسلكية عبر الأطلسي في عام 1901، معلنًا بداية عصر الاتصالات الحديثة.

ولعشاق المشي، فإن ممر East Coast Trail الممتد على الساحل الشرقي لنيوفاوندلاند، يقدم مناظر مدهشة للمنحدرات البحرية والخلجان الهادئة، مع فرص لرؤية الحيتان والطيور البحرية.

تاريخ بحري عريق: من الفايكنغ إلى الصيادين

نيوفاوندلاند ليست مجرد مناظر خلابة، بل هي متحف مفتوح لتاريخ البحر. على الساحل الشمالي الغربي، يمكنك زيارة لامسو ميدوز (L’Anse aux Meadows)، وهو موقع أثري فريد يوثق وجود الفايكنغ في أمريكا الشمالية منذ أكثر من ألف عام، وهو مدرج على قائمة اليونسكو للتراث العالمي.

ADVERTISEMENT

الموقع يضم بقايا مساكن ومباني خشبية تعود للمستكشفين الإسكندنافيين، ويمكنك التجول مع مرشدين يرتدون أزياء تاريخية ويعيدون الحياة إلى هذه الحقبة المثيرة. هذه الزيارة تربطك بجذور أولى خطوات الأوروبيين في العالم الجديد.

وفي قرى الصيد المنتشرة على طول الساحل مثل Trinity وBonavista، تجد نمط الحياة التقليدي لا يزال حيًا. يمكنك زيارة المتاحف البحرية، ومراقبة القوارب الخشبية القديمة، والاستماع لقصص البحارة الذين واجهوا المحيط من أجل لقمة العيش.

صورة بواسطة Erik Mclean على Unsplash

لابرادور: الأرض الوعرة والروح البرية

إذا كنت من محبي الأماكن البرية والعزلة التأملية، فإن لابرادور تقدم لك مغامرة فريدة. هذه الأرض الشاسعة ذات الطبيعة القاسية تحتضن غابات تايغا، وهضابًا صخرية، وبحيرات لا نهاية لها. هناك، يمكنك مشاهدة الأيائل، والدببة، وحتى الثعالب القطبية في بيئتها الطبيعية.

ADVERTISEMENT

واحدة من أبرز المحطات في لابرادور هي Red Bay، وهي قرية ساحلية صغيرة كانت في الماضي مركزًا لصيد الحيتان في القرن السادس عشر. اليوم، الموقع مدرج على قائمة اليونسكو ويعرض للزائرين قطعًا أثرية من السفن الإسبانية القديمة التي كانت ترسو في الخليج لصيد الحيتان.

وإذا كنت تبحث عن تجربة قيادة عبر مسارات نائية، فإن طريق لابرادور السريع (Trans-Labrador Highway) يُعد واحدًا من أطول الطرق النائية في كندا، ويوفر فرصة لاكتشاف مناظر طبيعية خلابة بعيدًا عن الحشود.

الحياة البحرية: لقاء مع العمالقة

نيوفاوندلاند ولابرادور تُعد من أفضل الأماكن في العالم لمراقبة الحيتان. من أواخر الربيع وحتى أواخر الصيف، تتجمع أنواع متعددة من الحيتان على طول الساحل، مثل الحوت الأحدب والحوت الأزرق، بسبب وفرة الكريل والأسماك الصغيرة.

يمكنك الانضمام إلى جولات القوارب من موانئ مثل Bay Bulls أو Twillingate، حيث توفر هذه الرحلات فرصة رائعة لرؤية الحيتان وهي تقفز من الماء أو تضرب سطح البحر بذيلها.

ADVERTISEMENT

بالإضافة إلى ذلك، تُعد مياه نيوفاوندلاند موطنًا لملايين الطيور البحرية، لا سيما البفن الأطلسي، وهو طائر صغير ملون يُشبه الببغاء ويعد رمزًا للمقاطعة. زيارة محمية Witless Bay Ecological Reserve تتيح لك مشاهدة مستعمرات ضخمة من هذه الطيور وهي تحلق فوق المحيط.

تصوير Matt Hanns Schroeter على Unsplash

الجليد القادم من الشمال

من مشاهد نيوفاوندلاند الفريدة التي يصعب العثور عليها في أي مكان آخر هي الجبال الجليدية العائمة التي تنزلق جنوبًا من غرينلاند عبر ما يُعرف بـ"زقاق الجبال الجليدية (Iceberg Alley)".

خلال فصل الربيع وأوائل الصيف، يمكن رؤية هذه القطع الجليدية العملاقة وهي تبحر قرب السواحل، وتوفر مناظر طبيعية تخطف الأنفاس. أفضل الأماكن لرؤيتها تشمل St. Anthony وTwillingate، وهناك حتى مهرجان سنوي يُقام للاحتفال بقدوم الجبال الجليدية.

ADVERTISEMENT

التراث الثقافي: الموسيقى والمأكولات واللهجات

الثقافة المحلية في نيوفاوندلاند ولابرادور متأصلة في التاريخ الأوروبي، خصوصًا الإنجليزي والأيرلندي. هذا التأثير يظهر في الموسيقى التقليدية، التي تعتمد على القيثارة والكمان، وفي الرقصات الشعبية التي تُقام في التجمعات الريفية.

أما المطبخ، فيجمع بين بساطة الصيادين ومكونات البحر. جرب طبق السمك والبطاطس المملحة (Fish and Brewis) أو حساء البازلاء مع لحم الخنزير (Pea Soup)، ولا تنسَ تذوق توت الكلاودبيري (Cloudberry) المحلي الذي يستخدم في الحلويات والمربى.

حتى اللهجة المحلية في بعض القرى تحمل نغمة إنجليزية قديمة، ما يجعل التواصل مع السكان تجربة مميزة تضيف بعدًا ثقافيًا لرحلتك.

أفضل الأوقات لزيارة نيوفاوندلاند ولابرادور

رغم أن المقاطعة تستحق الزيارة على مدار العام، فإن أفضل وقت للسفر هو من مايو إلى سبتمبر، حيث يكون الطقس أكثر اعتدالًا، وتكون الجبال الجليدية والحيتان والطيور في أوج نشاطها.

ADVERTISEMENT

أما إذا كنت من محبي الأجواء الشتوية، فيمكنك زيارة لابرادور في الشتاء لممارسة رياضات التزلج على الثلج، أو تجربة ركوب الزلاجات التي تجرها الكلاب.

كيف تصل إلى هناك

يمكن الوصول إلى سانت جونز جوًا من معظم المدن الكبرى في كندا مثل تورونتو ومونتريال. كما يمكن الوصول إلى نيوفاوندلاند بالعبّارة من نوفا سكوشا عبر Port aux Basques أو Argentia، إذا كنت تفضل اصطحاب سيارتك في الرحلة.

لزيارة لابرادور، يمكن السفر جوًا إلى مدن مثل Happy Valley-Goose Bay أو القيادة عبر طريق Trans-Labrador Highway من كويبك.

خاتمة: رحلة بحرية إلى الجذور

نيوفاوندلاند ولابرادور ليست فقط موقعًا جغرافيًا في أقصى شرق كندا، بل هي تجربة سياحية متكاملة تأخذك إلى قلب التاريخ، وتقدم لك مشاهد طبيعية لا مثيل لها، وفرصة للانغماس في ثقافة محلية أصيلة لا تزال تحتفظ بروحها رغم مرور الزمن.

ADVERTISEMENT

سواء كنت مغامرًا يبحث عن طرق نائية في لابرادور، أو باحثًا عن الصفاء في قرية صيادين على سواحل نيوفاوندلاند، فهذه المقاطعة ستمنحك تجربة سفر تشبه الإبحار في صفحات كتاب قديم من الزمن الجميل.

أكثر المقالات

toTop