button icon
صورة الخلفيّة
button icon
بطاقات دُعاء
button icon
رمضان مبارك
button icon
بطاقة الإجابة

مصر خالية من الملاريا: علامة فارقة في تاريخ الصحة العالمي والوطني

ADVERTISEMENT

في إنجازٍ هام للصحة العامة العالمية، أعلنت منظمة الصحة العالمية رسمياً خلو مصر من الملاريا بحلول عام ٢٠٢٥. يُمثل هذا الاعتراف تتويجاً لمعركةٍ استمرت قرناً من الزمان ضد أحد أكثر الأمراض فتكاً واستمراراً في العالم. لا يُعدُّ هذا الاعتماد شهادةً على صمود مصر وتخطيطها الاستراتيجي في مجال الصحة فحسب، بل يُعدُّ أيضاً نموذجاً قوياً للجهود الوطنية والدولية المُنسَّقة. الملاريا، المرض الذي أودى بحياة مئات الآلاف في مصر وملايين الأشخاص حول العالم، قد تم القضاء عليه أخيراً من الأراضي المصرية. تتناول هذه المقالة تاريخ الملاريا في العالم وفي مصر، وعوامل انتشارها، وأضرارها، وتاريخ مكافحتها، والتقدُّم المُحرز في استئصالها، ومعايير القضاء على هذا الداء، والتعاون الدولي في هذا المجال.

1. تاريخ موجز للملاريا في العالم.

تُبتلى البشرية منذ آلاف السنين بالملاريا التي تُسببها طفيليات البلازموديوم (Plasmodium) التي تنتقل عبر بعوض الأنوفيلة (Anopheles). تحتوي النصوص الطبية الصينية القديمة (حوالي 2700 قبل الميلاد) والبرديات المصرية (حوالي 1550 قبل الميلاد) على أوصاف تُشبه أعراض الملاريا. تزامن انتشار المرض عالمياً مع التجارة والحروب والاستعمار، ليصبح وباءً في المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية.

ADVERTISEMENT

ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، تسببت الملاريا في ما يُقدَّر بنحو 247 مليون حالة إصابة و619,000 حالة وفاة عالمياً في عام 2021، حيث تُمثل أفريقيا 95% من الحالات. وقد بدأت الاكتشافات العلمية في القرن العشرين، بما في ذلك اكتشاف الكينين (quinine) والعلاجات القائمة على الأرتيميسينين (artemisinin) لاحقاً، في الحد من انتشاره، إلا أن القضاء عليه لا يزال بعيد المنال بالنسبة للعديد من الدول.

2. تاريخ الملاريا في مصر.

كانت الملاريا مستوطنة في جميع أنحاء مصر، وخاصة في دلتا النيل وواحة الفيوم وصعيد مصر. تصف السجلات التاريخية من القرن التاسع عشر أوبئة متكررة دمَّرت المجتمعات. وتشير السجلات الاستعمارية البريطانية في أوائل القرن العشرين إلى ارتفاع معدلات الإصابة، وخاصة في المناطق الزراعية حيث أصبحت قنوات الري بيئات خصبة للبعوض.

from wwwnc.cdc.gov خريطة مصر

بحلول منتصف القرن العشرين، سجَّلت مصر عشرات الآلاف من الحالات سنوياً. في عام ١٩٤٧ وحده، كان هناك أكثر من ٣٠ ألف حالة موثقة، تركّز الكثير منها في المحافظات الريفية مثل أسوان وقنا.

3. العوامل وراء أوبئة الملاريا في مصر.

ساهمت عدة عوامل مترابطة في الانتشار التاريخي للملاريا في مصر:

ADVERTISEMENT

أ. الظروف الجغرافية والمناخية: وفّر حوض النيل في مصر، ودرجات الحرارة الدافئة، وشبكات الري الواسعة، مواطن مثالية للبعوض.

ب. الممارسات الزراعية: ساهمت زراعة الأرز وركود المياه في قنوات الري في تكثيف تكاثر البعوض.

from npr.brightspotcdn.com تُظهر هذه الصورة، التي التقطها مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة الأمريكية عام ٢٠١٤، أنثى بعوضة أنوفيليس فونستوس (Anopheles funestus) وهي تتغذى

ت. حركة السكان: ساهمت هجرة العمالة الموسمية في انتشار الطفيلي بين المناطق.

ث. محدودية الوصول إلى الرعاية الصحية: في أوائل القرن العشرين، كانت المناطق الريفية في مصر تعاني من نقص الخدمات الطبية وانخفاض الوعي العام.

4. الأضرار البشرية والاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن الملاريا.

كانت حصيلة الملاريا فادحة. فقد تسبّبت في ارتفاع معدل الوفيات بين الأطفال والنساء الحوامل، وأضعفت إنتاجية البالغين.

الأثر الصحي: تراوحت معدلات الوفيات السنوية بين 1% و5% قبل انتشار العلاج المضاد للملاريا.

التكاليف الاقتصادية: أشارت تقديرات منظمة الصحة العالمية لعام ١٩٥٥ إلى أن مصر خسرت أكثر من ١٥ مليون دولار سنوياً (ما يعادل حوالي ١٦٠ مليون دولار اليوم) من الإنتاج الزراعي بسبب التغيب عن العمل بسبب الملاريا.

ADVERTISEMENT

العبء الاجتماعي: تعطَّل التعليم في المناطق الريفية خلال الأوبئة. وأحاط الخوف والوصمة بالمرض.

_______________________________________

5. النضال الطويل ضد الملاريا في مصر.

بدأت مصر أولى جهودها المنظمة لمكافحة الملاريا في عشرينيات القرن الماضي. ومع ذلك، لم تُطَلق حملة وطنية لمكافحة الملاريا تحت إشراف وزارة الصحة إلا في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، وذلك مع التطورات الرئيسية التالية:

• إنشاء قسم لمكافحة الملاريا عام ١٩٤٢،

• رش واسع النطاق لمبيد الـ دي.دي.تي من عام ١٩٤٧ إلى عام ١٩٦٥،

• إدخال علاج الكلوروكين ورسم خرائط النواقل،

• تدريب العاملين الصحيين في المناطق الريفية على تشخيص الملاريا والوقاية منها.

على الرغم من هذه الجهود، ثبت أن القضاء التام على المرض صعب حتى ظهرت ابتكارات لاحقة.

6. تطور السياسات والخطط المصرية ضد الملاريا.

منذ سبعينيات القرن الماضي فصاعداً، تحولت مصر نحو نهج قائم على المراقبة ومُحدَّد لكل منطقة. شملت أهم التحولات السياسية ما يلي:

١٩٧٨: إطلاق البرنامج الوطني للقضاء على الملاريا، مع التركيز على الفيوم وصعيد مصر.

١٩٨٥: شراكة مع منظمة الصحة العالمية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية للقضاء على نواقل الأمراض.

ADVERTISEMENT

٢٠٠١-٢٠١٠: دمج خرائط نظم المعلومات الجغرافية والتصوير بالأقمار الصناعية لرصد انتشار البعوض ومواطنه.

2015: اعتماد الاستراتيجية التقنية العالمية لمنظمة الصحة العالمية لمكافحة الملاريا 2016-2030.

تتماشى هذه الاستراتيجيات مع إصلاحات الصحة العامة الأوسع في مصر وخطط الإدارة البيئية.

from sites.uab.edu يُجري الأطباء في مصر اختبارات الملاريا على المرضى المسنين في المناطق الريفية في مصر

7. التقدم المحرز في مكافحة الملاريا في مصر.

كان النجاح مذهلاً. من أكثر من 10000 حالة سنوياً في الخمسينيات من القرن الماضي، سجَّلت مصر أقل من 10 حالات محلية سنوياً بعد عام 2000. ومنذ عام 2014، لم تُسجِّل مصر أي حالات منقولة محلياً، وهو ما يُلبّي تعريف منظمة الصحة العالمية للقضاء على المرض.

أبرز البيانات:

2010-2024: فحص أكثر من 2,5 مليون عينة دم، ولم تُسجل أي حالات محلية مؤكدة منذ عام 2014.

• تغطية أكثر من 90% من المنازل بالناموسيات المعالجة بالمبيدات الحشرية في المناطق الموبوءة تاريخياً.

• انخفاض بنسبة 98% في كثافة يرقات البعوض في شبكات القنوات (وفقاً لتقرير وزارة الصحة لعام 2023).

8. الأدلة والتحقق من حالة الخلو من الملاريا في مصر.

ADVERTISEMENT

للتأهل للحصول على الشهادة، كان على مصر استيفاء معايير منظمة الصحة العالمية الصارمة التالية:

أ. عدم انتقال محلي للمرض لمدة 3 سنوات متتالية على الأقل.

ب. مراقبة عالية الجودة واستجابة سريعة للحالات.

ت. توثيق كامل لبروتوكولات الوقاية والعلاج.

ث. تحقُّق مستقل من قِبل خبراء دوليين. أجرت منظمة الصحة العالمية زيارات ميدانية، وراجعت سجلات المختبرات، وبيانات الحشرات، وعمليات تدقيق النظام الصحي. تم استيفاء جميع المعايير بحلول عام ٢٠٢٤.

9. المساعدة والتعاون الدوليان في مكافحة الملاريا في مصر.

لعب الشركاء العالميون دوراً حاسماً في نجاح مصر:

• قدمت منظمة الصحة العالمية التوجيه الفني وعمليات تدقيق الأداء

• دعمت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ومراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها التشخيص ودراسات النواقل والتدريب.

• قدمت اليونيسف ناموسيات معالجة بالمبيدات الحشرية ومواد تعليمية.

• استثمر الصندوق العالمي أكثر من ٢٠ مليون دولار أمريكي بين عامي ٢٠٠٣ و٢٠١٣ لمكافحة الملاريا والأمراض الطفيلية.

كانت هذه الجهود حاسمة في الحفاظ على المكاسب، لا سيما في المناطق التي يصعب الوصول إليها.

شهادة منظمة الصحة العالمية وبيانها.

في مارس 2025، أعلن المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، الدكتور تيدروس أدهانوم غيبريسوس (Tedros Adhanom Ghebreyesus)، عن حصول مصر على شهادة خلوها من الملاريا، قائلاً: "يُعدّ خلو مصر من الملاريا إنجازاً بارزاً في مجال الصحة العامة. وهو يعكس قوة الإرادة السياسية المستدامة، والمشاركة المجتمعية، والتضامن الدولي. تنضم مصر الآن إلى مجموعة متنامية من الدول التي تُثبت إمكانية دحر الملاريا."

ADVERTISEMENT
from sites.uab.edu إعلان مصر خالية من الملاريا

تُصبح مصر رابع دولة في إقليم شرق المتوسط

تُمنح شهادة خلوها من الملاريا، لتنضم بذلك إلى الإمارات العربية المتحدة، والمغرب، وتركمانستان.

الخلاصة.

يُعدّ حصول مصر على شهادة خلوها من الملاريا إنجازاً تاريخياً نتج عن العلم والسياسات والمثابرة. لم تكن الرحلة من المرض المتوطن إلى القضاء عليه خطية، بل اتسمت بعقود من التجارب والمآسي والانتصارات. تُقدم تجربة مصر أملاً ونموذجاً يُحتذى به للدول الأخرى التي تعاني من الملاريا والتي تسعى جاهدة لتحقيق النتيجة نفسها. ومع انتقال مصر من مرحلة القضاء على الأنواع إلى مرحلة منع إعادة إدخالها، فإن التحدي القادم الذي تواجهه يتمثل في الحفاظ على اليقظة في ظل تغير المناخ وحركة السكان على مستوى العالم.

المزيد من المقالات