الملكة زنوبيا و صراعها مع الإمبراطورية الرومانية
ولد الملكة زنوبيا في تدمر عام 240 م وكانت تجيد العديد من اللغات ومنها اليونانية واللاتينية والمصرية والآرامية، كانت سوريا مقاطعة خاضعة للحكم الروماني فاعتبرت حينها زنوبيا مواطنة رومانية.
تحدث عنها الكثير من العلماء حيث كان منهم المؤرخ العربي "الطبري" عن زنوبيا الذي حكى لنا كيف تم تعيينها مسؤولة عن قطعان العائلة والرعاة وهي صغيرة السن وهذا هو السر الذي جعلها تعتاد الحكم منذ الصغر والأمر على الرجال وبأساليب صارمة أيضا.
تعلمت الملكة زنوبيا ركوب الخيل في صغرها وصارت بارعة فيه فكانت تسير مع قواتها لمسافات طويلة وتصاد مثل أي رجل وهذا جعلها بارعة أيضا في مواجهة الصعاب.
تلقت تعليمها في مدارس الاسكندرية وتعلمت اللغتين الآرامية والمصرية. يظن أن زنوبيا ذات أصول تعود إلى الملكة الأسطورية "ديدو" مؤسسة قرطاجة و كليوباترا السابعة آخر البطالمة في مصر.
نسبها العلماء وعائلتها إلى "فيليب المقدوني" ويذكر أنها كانت شديدة الجمال حتى يقال أنها فاقت كليوباترا وشببها البعض أيضا بأنها كانت جميلة كأفروديت الهة الجمال الاغريقية.
تزوجت "زنوبيا" وهي في الرابعة عشر من عمرها من الملك "أذينة" وأنجبت منه طفلين .
حياة الملكة زنوبيا بعد زواجها
رافقت الملكة زنوبيا زوجها الملك "أذينة" في كل رحلاته العسكرية وكانت قريبة منه في كل شؤون الحكم وذلك ما جعل منها ذكية سياسيا وعلى دراية بأساليب الحكم وماهرة في ميادين القتال.
في تلك الآونة كانت الإمبراطورية الرومانية غارقة في الحروب الأهلية وبعدها بوقت قليل تم اغتيال الملك "أذينة" بسبب خلاف على الحكم مع بعض من أقاربه الطامعين في الحكم وكان ذلك بعد عودته من رحلة عسكرية في الأناضول.
ويظن بعض المؤرخين أن الملكة زنوبيا نفسها متورطة بشكل ما في اغتياله طمعاً في الحكم الذي حصلت عليه بالفعل بعد موت "أذينة" لتحكم تدمر.
زنوبيا على عرش تدمر
لم تجد زنوبيا معارضة سياسية لها فكانت وصية على ابنها البالغ من العمر 10 سنوات لأنه الوريث الوحيد لوالده، ظهر ذكاء زنوبيا في سنوات حكمها المتفردة هذه فاستغلت ضعف الرومان وجعلت كل حضارات سوريا خاضعة لسيطرتها إلى جانب العراق وفلسطين التي كانت حينها تسمى مملكة يهوذا ، وامتد حكمها حتى لغزو مصر وفي ذلك الحين اتخذت من أنطاكيا عاصمة لمملكتها المتوسعة الجديدة.
كانت زنوبيا تحكم مملكة تمتد من أنسيرا وسط الأناضول إلى جنوب مصر ولم يقف طموح زنوبيا عند هذا الحد بل طمعت في أن تجعل إبنها الصبي شريكاً لها في الحكم بل وشريك للإمبراطور الروماني في حكمه أيضا.
يشير "سارتر" في كتابه سوريا في العصور الكلاسيكية ( الهلنستية - الرومانية) أن زنوبيا منحت ابنها لقب إمبراطور وجعلت من تدمر ليست قصيرة أحد مراكز القوة حتى بعد تدمير الامبراطورية عام 277م، واستمرت في النمو في التقاليد الأدبية والفنية والغربية وحتى العربية.
توصلت زنوبيا إلى اتفاق مع الإمبراطور الروماني "جوثيكيوس" إلا إنه مات وخلفه الإمبراطور "أوريليان" وهو الذي اتخذ سياسية مختلفة تماما مع تدمر وحينها أعلنت زنوبيا الانفصال بمملكتها عن الإمبراطورية الرومانية عام 272م وأعلنت نفسها إمبراطورة مستقلة.
صراع الملكة زنوبيا مع الإمبراطور أوريليان
جمع أوريليان قواته وتوجه إلى مصر حيث استطاع استردادها ومنطقة وسط الأناضول وتراجعت زنوبيا وقواتها إلى تدمر، لم يشأ أوريليان الدخول إلى تدمر مباشرة لكن ذهب للاستيلاء على تخوم المدينة فتوجه إلى مدينة "تيانا" التي تعامل جنوده معها بشكل سلمي فبأت المدن تدرك أن تعاملها وحالها سيكون أفضل مع الاستسلام للإمبراطور بدلا من تحمل غضبته.
لم تستطع القوات الرومانية إلحاق الهزيمة بزنوبيا بسهولة فقد استلزم الأمر أكثر من جولة عسكرية في البداية عندها التظاهر بالتراجع في تشكيل كماشة لينقض على قواتها في تدمر وذبحهم.
نهاية زنوبيا الغامضة
تمكنت الملكة زنوبيا من الهرب إلى حمص مع الجنرال "زايداس" فكان لديها المزيد من الرجال هناك وتوجد خزائنها وكنوزها. وحينا لاحقها أوريليان وانتصر مرة أخرى باستخدام نفس الخطة في مواجهة الفرسان التدمريين.
وكانت زنوبيا بطلة قائدة قوية وثابتة حتى آخر لحظاتها وكانت تراهن على وصول تعزيزات ومساعدات من الفرس لكن خاب ظنها، وفرت زنوبيا من تدمر مع إبنها على ظهر جمل وحاولت أن تصل إلى مكان آمن في بلاد فارس.
لا يعرف كيف اختفت زنوبيا بعد ذلك أو كيف كانت نهايتها ففي أحدى الروايات يذكر أن أوريليان عندما دخل تدمر وجد زنوبيا قد اختفت فأرسل جنوده للقبض عليها وقد تم أسرها أثناء محاولتها للهرب عبر نهر الفرات وأعيدت إلى أ,ريليان مقيدة بالسلاسل وقد تم اقتيادها وعرفت في شوارع روما على الملأ، وفي رواية أخرى أنها حوكمت وعندما دافعت عن نفسها ظهرت فصاحتها باللاتينية لغة أوريليان وأقنعته بأنها لم تكن تريد التمرد على الامبراطورية وأن رجالهم أقنعوها بذلك فحاكمهم أوريليان وتزوج ابنتها وأفرج عنها ومما يعزز هذه الرواية انضمام أحفادها إلى طبقة النبلاء الرومان وربما كانت عونا سياسيا وعقليا وعسكريا للإمبراطورية الرومانية بعد ذلك .
وهناك من يرى أن نهايتها كانت غامضة كما هو الحال في بدايتها ولكنها بالفعل تملك قصة مثيرة وثرية مليئة بالكثير من التفاصيل فهي واحدة من أهم صانعات التاريخ.