مالك بن نبي.. الفيلسوف الجزائري وأثره على الفلسفة العربية الحديثة
منزل جزائري تقليدي يوضح الحياة اليومية
من هو مالك بن نبي هو فيلسوف جزائري معاصر لقب بعدة ألقاب منها "فيلسوف العصر" و"فقيه الحضار" و"منظر النهضة الاسلامية" ،كرس كل حياته لدراسة المشكلات الحضارية والفكرية وجاء بأفكار عميقة في النهوض الحضاري وأبداع مشروعا فكريا متكاملا للتغلب على المشكلات الحضارية من خلال رؤيته التي تنطلق من الإسلام و يستلهم روح العصر والعلم ويعتبر امتدادا للعالمة الكبير "بن خلدون"وتعتبر مؤلفاته خريطة واضحة المعالم لنهضة الأمم فهي عبارة عن تأسيس للدولة المتقدمة لكل زمان ومكان من الوجهة التنظيرية الفكرية، ويعتبر بن نبي الأب الروحي لكل من التجربتين الماليزية والإندونيسية، فهي التطبيق الواقعي لها إلى جانب أنها البداية الأولى لأي حضارة فكانت أفكار "مالك بن نبي" نموذج أمثل مجاني للدولة المتقدمة، وصناعة النموذج الأفضل للمجتمع المتحضر.
نشأته وحياته:
ولد "مالك بن نبي" في أوائل عام 1905 بمدينة "قسنطينة" لأسرة إسلامية محافظة وانتقل مع أسرته فيما بعد إبان دراسته الابتدائية إلى مدينة "تبسة" حيث درس القرآن والدراسة الابتدائية بالمدرسة الفرنسية.
ترسخ في نفس "بن نبي" ضرورة مقاومة المستعمر حينما سمع وهو صغير عن هجرة الكثير من العائلات إلى طرابلس الغرب اجتنابا لمخالطة الفرنسيين، ورأى ما أحدثه الاستعمار من تغيير لنمط حياة الجزائريين وقيمهم حيث شاعت الرذائل الخلقية والاجتماعية، فتمسك واعتصم بالإسلام وأخلاقه وقيمه وتعلم العربية حتى لا تذوب هويته في هوية المستعمر.
تأثر "مالك بن نبي" بمجلة الشهاب التي كانت تصدرها جمعية العلماء المسلمين برئاسة "عبد الحميد بن باديس" فتأثر بمنهجيته الفكرية التي بددت سيطرة الخرافة على العقل.
سافر إلى باريس وعانى البطالة فيها وتفرغ للعمل الفكري فعمل صحفيا في جريدة "لوموند" وأصدرأول كتبه "الظاهرة القرآنية" وتوالت كتبه بعد ذلك في باريس، ومنها "شروط النهضة" و"وجهة العالم الإسلامي" الذي عرض فيه نظريته "القابلية للاستعمار" وكتاب "لبيك" فكرة الإفريقية الآسيوية.
مالك بن نبي في القاهرة
كانت القاهرة حلما "لبن نبي" فهي أحدى أهم مواقع التغيير في العالم الإسلامي، فوصل القاهرة في عام 1956 وأصبح منزله أشبه بمنتدى فكري يحضره الكثير من المثقفين وأصدر كتابه "الصراع الفكري في البلاد المستعمرة" ثم توالت الكتب حتى صارت عشرون كتاباً وفيما بعد تم اختياره مستشارا للمؤتمر الإسلامي بالقاهرة.
موقف المجتمع الجزائري من أفكار بن مالك
كثير من الأجيال الجديدة لا تعرف شيء عن مالك بن نبي ولا مؤلفاته ولا ميراثه الفكري فلا يعرفون هذا الاسم كفيلسوف ومفكر جزائري معاصر، ولم تقرأ له حرفا ولم يذكر في مناهج التعليم، فغُيب عمدا بسبب مواقفه أثناء ثورة التحرير، فلم يكن من أنصار الفكر الاشتراكي الذي كان أساسا للفكر الإصلاحي لجمعية "العلماء المسلمين".
فرأى المتحكمون في السلطة في فكره ما يزيد نسبة الوعي لدى الشعب الجزائري، وشعب واعٍ من الصعب بل من المستحيل أن تتحكم فيه وتفرض عليه ما ترى، وهي نظرية أسس إليها بن نبي وهي نظرية "القابلية للاستعمار" ولهذا لاقى بن نبي الكثير من الصعوبات وحورب في بلاده وأخفي فكره عمدا عن شباب بلاده.
أراد مالك بن نبي للجزائر أن تسير في الطريق الصحيح بعد التخلص من الاستعمار الفرنسي لكي لا تغرق في مستنقع العالم الثالث فلو طبقت شروط النهضة لبن نبي لكانت تجربة الجزائر اليوم تجربة رائدة تنافس التجارب في كوريا الجنوبية أو سنغافورة أو ماليزيا.
نظرية مالك بن نبي للإصلاح الاجتماعي في الفلسفة المعاصرة
اعتبر مالك بن نبي الإنسان هو اللبنة الأولى في النهضة ورأى أن نهضة الدول ممكنة إذا ارتكزت على التخطيط والتطبيق، في الجزائر تتمتع بمقومات الحضارة من بشرية ومادية، والمقولة الشهيرة لمالك بن نبي :" إن الاقتصاد ليس قضية بنك وتشييد مصانع بل هو قبل ذلك تشييد الإنسان وإنشاء سلوكه الجديد حيال كل المشكلات."
نهاية مشوار "مالك بن نبي" في الفلسفة العربية المعاصرة
حضر مالك بن نبي ندوة في سوريا 1972 بعنوان دور المسلم في الثلث الأخير من القرن العشرين، اعتبرها الكثيرون وصيته للعالم الإسلامي، وتوفي في 31 أكتوبر لعام 1973 وهو في الثامنة والستين من عمره.
فترك ثروة من الأفكار الفلسفية الاجتماعية التي تمثلت في كون الحضارة أشبه بمعادلة رياضية فيها متغيرات ثلاثة "التراب، الانسان، والزمن" والتفاعل بينهم. وأن الحضارة إنتاج بشري.
ورأى الأمة الاسلامية في خطر لانها فقدت كثير من الدوافع التي رفعت من شأنها في القرون الماضية، وأن القابلة للاستعمار هي خواص تسهل سيطرة الغزاة على الأمة، وانتقد فرض التسييس للنهضة والنظرة المتمحورة حول دور السلطة للإصلاح الاجتماعي، والذي كان من أهم أسباب تأجيل عملية النهضة الاجتماعية.