ما الذي يجعل الطلب العالميّ على اللّغة العربية في ازدياد؟
تشير اللغة الأم إلى اللغة التي نشأ فيها الفرد وهو يتحدث اللغة منذ الطفولة المبكرة. واللغة العربية لديها ما يزيد على 370 مليون شخص في جميع أنحاء العالم يتحدثونها كلغة أم. بالنسبة إلى العديد من العرب في جميع أنحاء العالم، يعد النمو المتزايد للغة العربية مصدر فخر. إنه بمثابة تذكير بالتراث الثقافي العميق الذي يتقاسمه جميع العرب. لقد لعبت اللغة العربية دورًا حيويًا في تشكيل تاريخ وهوية العالم العربي. من شعر وأدب الشعراء العرب القدماء إلى التطورات السياسية والاقتصادية والأكاديمية الحديثة التي شكلت العالم العربي وبقية العالم. وليس من المستغرب أن تخصص الأمم المتحدة يومًا عالميًا للغة العربية هو الثامن عشر من كانون الأوّل/ديسمبر. ولكن نمو اللغة العربية يعكس أيضًا المشهد العالمي المتغير وأهمية منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقية على الصعيد العالمي. تعالج هذه المقالة الأسباب التي تؤدّي إلى ازدياد الطلب على تعلّم العربية، وازدياد الطلب على المتحدّثين بها.
الأهمية الثقافية:
أثرت اللغة العربية في العديد من اللغات الأخرى عن طريق العديد من المفردات التي دخلت إليها. يسلط نمو اللغة العربية الضوء على التنوع اللغوي في العالم العربي. إذ يتم التحدث بها في مجموعة واسعة من اللهجات والأشكال. تتراوح هذه الأشكال من اللغة العربية الفصحى في الأدب، إلى لغة أقلّ صعوبة مثل الأخبار والدبلوماسية، إلى اللهجات العامية التي يتحدث بها الناس يومياً في مختلف أنحاء الوطن العربي. وتشير التوقعات إلى أنه من المرجح أن تكون اللغات الخمس الأولى لعام 2050 هي الإسبانية والصينية والإنجليزية والهندية-الأردية والعربية.
الشركات الدولية:
تعدّ القدرة على التواصل بمختلف اللغات أمرًا ضروريًا. هناك سوق عمل ضخم للمتحدثين باللغة العربية وهناك حاجة كبيرة لمتحدثين متعددي اللغات يفهمون العربية. نظرًا لندرة المتقدمين المؤهلين، تسعى الشركات جاهدة لتوظيف أشخاص يتمتعون بهذه المؤهّلات، والحفاظ عليهم. من جهة ثانية، هناك مئات الوظائف المتاحة في أي لحظة، وترجمة الأوصاف الوظيفية وإعلانات الوظائف إلى اللغة الأم للمرشح يمكن أن تمنح الشركة الميزة التنافسية التي تحتاجها لتحديد وتوظيف متحدث باللغة العربية ذي مهارات عالية.
تزايد حركة التنقلات العالمية:
إن عمليات نقل الشركات، والهجرة، والاغتراب، والعودة إلى الوطن كلها تشير إلى أشخاص ينتقلون من بلد إلى آخر أو من قارة إلى أخرى لمجموعة متنوعة من الأسباب. ومع تقدّم تكنولوجيا السفر، والاتصالات المحسنة والأكثر فعالية من حيث التكلفة، تزايد هذا الاتجاه كثيرًا. ومن المعلوم أنّه عندما يهاجر الأفراد بعيدًا عن أوطانهم الأصلية، تنتشر معهم لغاتهم وثقافاتهم. لسنوات عديدة، كان الناطقون باللغة العربية يهاجرون إلى كل القارات تقريبًا، لكن هذا الاتجاه تسارع في الثلاثين عامًا الماضية. ونتيجة لذلك، تحتاج البلدان التي ترحب بالعرب في كثير من الأحيان إلى تقديم المعلومات الطبية والقانونية والتجارية باللغة العربية.
السياسة:
لقد مر الشرق الأوسط ككل بالكثير من التحوّلات السياسية وقد أثارت البيئة الجيوسياسية الحالية الاهتمام بالشرق الأوسط. لنلق نظرة على سبيل المثال على الأوضاع في بلدان عربية مثل تونس، وليبية، ومصر، وسورية، والعراق، واليمن، وفلسطين وبلدان الخليج، ثم لنضفْ إليها كل جيرانها للحصول على فهم أفضل لحجم النشاط السياسي الجاري الآن. لقد شهدت ترجمات البيانات الضخمة، ونسخ الوثائق الاستخباراتية، والاتفاقيات التجارية، والوثائق الحكومية ارتفاعًا في الطلب، وحتى الترجمات الدينية ازداد الطلب عليها، إذ تعمل العديد من حكومات الشرق الأوسط على زيادة استثماراتها في الترجمة الدينية في إطار مواجهتها لأيديولوجية التطرف.
قطاع الطاقة:
لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يفكر أي شخص في الشرق الأوسط دون أن يفكر في النفط. ولا تزال العديد من البلدان الناطقة باللغة العربية تعتمد بشكل كبير على النفط والغاز والموارد الطبيعية، على الرغم من محاولات تنويع اقتصادها. ومن المثير للدهشة أن الشرق الأوسط يمتلك 53% من احتياطيات النفط العالمية. من جهة أولى، توجد لدى جميع الشركات العاملة في صناعة النفط احتياجات ترجمة هائلة تشمل كل شيء بدءًا من التوظيف والسلامة، وحتى المبيعات والتسويق. ومن جهة ثانية يستثمر الكثير من بلدان الشرق الأوسط بكثافة في التقانات الخضراء، ومصادر الطاقة الصديقة للبيئة، خارج نطاق النفط. وسيتم تعزيز الترجمة العربية بشكل أكبر من خلال التوسع القادم في سوق الطاقة المتجددة.
الإنترنت:
إن الأرقام التي تشير إلى سكان الشرق الأوسط الذين باتوا يشكلون جزءاً كبيراً من المواقع المحورية للإنترنت، تتزايد يوماً بعد يوم. يوجد أكثر من 242 مليون مستخدم للإنترنت يتحدثون اللغة العربية. وقد أصبحت اللغة العربية الآن رابع أكثر اللغات شعبية على الإنترنت بعد الإنجليزية والصينية والإسبانية. ويجب ترجمة الأخبار الموجودة على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي. ولذلك هناك طلب كبير على اللغة العربية الآن، ونتيجة لذلك، تتسابق الشركات الكبرى لتطوير محركات الترجمة الآلية الخاصة بها إلى اللغة العربية، من أجل السيطرة على السوق.
وسائل الإعلام:
يعود الارتفاع الكبير في الطلب على الترجمات العربية إلى وسائل الإعلام إلى حد كبير. يجب ترجمة البرامج التلفزيونية والأفلام والدوريات ووسائل الإعلام الأخرى وتعريبها للجمهور الناطق باللغة العربية، وفي الاتّجاه المعاكس أيضًا، وإن كان بدرجة أقلّ. ومن المعلوم أن البرامج التلفزيونية مستقلة بذاتها، وحاجتها إلى ترجمات عالية الجودة تضع عبئًا على موارد صناعة الترجمة العربية.
يعد نمو اللغة العربية تطوراً إيجابياً ومثيراً للأفراد في جميع أنحاء العالم؛ فهو يعكس حقًا القوة والأهمية الدائمة للعالم العربي، والتنوع الثقافي واللغوي الذي يجعل العالم العربي مؤثرًا وديناميكيًا للغاية. اللغة العربية مليئة بالفرص التي لا نهاية لها والتي تقدمها للعالم، من تقاليدها الثقافية وتاريخها إلى أهميتها الاقتصادية والابتكارية والسياسية المتنامية.