العصر الذهبي لمدينة القيروان
لم تحظ مدينة في المغرب العربي بالتاريخ العريق والازدهار كما حظيت به مدينة القيروان في تونس، فقد كانت منبرا حضاريا لامعا لاسيما عقب فتحها ودخولها في عصرها الذهبي الذي دام أربعة قرون باعتبارها بوابة الدين والحضارة الاسلامية والثقافات المتنوعة للمنطقة المحيطة بها في القارتين الافريقية والاوروبية.
اسم القيروان من أين جاء وما معناه؟
اسم القيروان من أين جاء وما معناه؟
كانت تسمى "كارو آن" وهي كلمة فارسية الاصل وتعني قافلة الخيل أو جماعة الخيل، وتم تعريبها إلى "قيروان" وأهميتها التاريخية أطلق عليها الفقهاء قديما "رابعة الثلاث" أي أنهم اعتبروها المدينة الرابعة للمدن الثلاثة المقدسة "مكة والمدينة والقدس"
تاريخ تأسيس مدينة القيروان
بنيت مدينة القيروان على يد القائد الإسلامي التابعي "عقبة بن نافع" في عهد الخليفة الأموي "معاوية بن أبي سفيان" .
حينما كان واليا على بلاد المغرب وافريقيا ، وفي تلك الأثناء كانت القيروان أرضا مليئة بالأشجار والحيوانات المفترسة فطهرها وجعل منها مركزا يتجمع فيه الجنود قبل القتال ومقرا لإمارته.
وصفها الادريسي بأنها "أم الأمصار وقاعدة الأقطار، وكانت أعظم مدن الغرب قطرا، وأكثرها بشرا، وأيسرها أموالا، وأوسعها أحوالا، وأتقنها بناءً ، وأنفسها همماً، واريحها تجارة"
أختار عقبة مدينة القيروان بموقعها بسبب سهولة أرضها التي تجعل من مهمة إيصال الموارد الأساسية من خلال الإبل سهلة وذلك بالاضافة إلى بعدها عن الأسطول البحري البيزنطي ،وسبباً ثالثا قربها من البربر في البادية بهدف نشر الدين بينهم.
ما هو العصر الذهبي؟
هو فترة تمر على المدينة أو البلاد تتميز فيها وازدهارها ونمو على جميع الأصعدة سواء أكانت عسكرية أو ثقافية أو حضارية أو معمارية أو دينية وتبادل ذلك النمو من وإلى داخل تلك المدينة مما يعاصرها يجاورها من الحضارات الأخرى.
كيف كان العصر الذهبي لمدينة القيروان
إهتم عقبة أن تكون القيروان مركزاً يعج بالعلماء والفقهاء الدارسين لدين الله، إلى جانب اهتمامه بالجيش الخاص بالمدينة وإمارته وكان فيه خمسة وعشرين صحابي من صحابة -رسول الله صل الله عليه وسلم
-أشرق العصر الذهبي لمدينة القيروان منذ عهد الخليفة العباسي "هارون الرشيد" وابنه "المأمون" وانتشرت أشعته حتى غطت الشرق الأوسط وأقطار البلدان التي حظت بنور الإسلام ليفتحها ويخرجها من الظلمات إلى النور.
ولى الخليفة العباسي "هارون الرشيد" "إبراهيم بن الأغلب" على افريقية وجعل ابناؤه وأحفاده من بعده وذلك مقابل أن يخطبوا للخلفاء العباسيين على منابر الجوامع.
فقام "إبراهيم بن الأغلب" بتأسيس دعائم ترتكز عليها الدولة في افريقية وخلصها مما كان يغطيها من شرور وكانت هذه أولى خطوات بناء دولة الأغالبة التي استمرت في افريقية والقيروان أكثر من مئة عام.
وفي عهد مؤسس دولة الاغالبة و أول حاكم فيها "ابراهيم بن الاغلب" عادت الفتن والاضطرابات إلى الزيادة بين أمراء البيت الأغلبي حتى حدثت فتنة كبرى عام 280هـ سقطت على إثرها دولة الأغالبة و سقط حكمها في القيروان وفي تلك الأثناء استولى عليها العبيديون وجمعوا كل المغرب العربي على كلمة واحدة تحت سيطرتهم.
وبعد استقرارهم بالتحديد "المعز لدين الله الفاطمي" في مصر سنحت لهم الفرصة للاهتمام بالقيروان أكثر ليتخذوا منها في تلك الأثناء مركز حكمهم وسيطرتهم على المغرب العربي و|إفريقية كلها فوضع الخليفة "المعز لدين الله" "بلكين الصنهاجي" نائبا عليها واعترافا بامارته على افريقية كلها بما فيه القيروان.
ظل المغرب العربي ومدينة القيروان تحت حكم البيت "الصنهاجي" على مدى عقود طويلة تحت حماية الخلافة الفاطمية ومركزها مصر حتى قرر "المعز بن باديس الصنهاجي" الانشقاق عن الدولة الفاطمية التي قررت الانتقام منه بارسال الهلاليين الذين تسببوا في تمزق أجزاء الدولة وضياع وحدتها.
وبسبب تلك الصراعات خربت القيروان وتمردت وضاع معظم علامات عصرها الذهبي وزهوها.
مدينة القيروان في أيامنا المعاصرة
مدينة القيروان الآن هي أحدى مدن تونس الخضراء وفيها ما يتخطى 100 ألف نسمة حسب احصاء عام 2004 أي منذ عشرين عاماً تقريباً.
تتميز مدينة القيروان المعاصرة بكونها تحتوي على الكثير من المعالم السياحية والتاريخية ففيها الجامع الذي بناه القائد "عقبة بن نافع" حينما أسس المدينة وهو مسمى باسمه حتى الآن.
وفيها ذلك مقام الصحابي الجليل "أبي زمعة البلوي" الذي يعد مزاراً دينياً هاما في تونس الخضراء.
ومجموعة من القامات الدينية الأخرى مثل "سيدي عبيد الغرياني" و"سيدي عمر عبادة" .
وفيها جامع يسمى جامع الأبواب الثلاثة.
مدينة القيروان لا تزال حتى يومنا هذا واحدة من أجمل مدن المغرب العربي التي تحتفظ بسحرها وبريقها على أصعدة كثيرة سياحية وعلمية وثقافية ودينية أيضا.