أور وحكايات الطوفان وملوك بابل العظام
قد مرّ على أرض العراق أكثر من حضارةٍ عظيمةٍ لا تزال تبهرنا حتّى يومنا هذا ،ومنها حضارة "آشور" وحضارة "كلدان" وحضارة "بابل" وكانت على أرضها مدينة "أور" العظيمة عاصمة مملكة "سومر".
من سومر أور إلى ملوك بابل العظام
قد مرّ على أرض العراق أكثر من حضارةٍ عظيمةٍ لا تزال تبهرنا حتّى يومنا هذا ،ومنها حضارة "آشور" وحضارة "كلدان" وحضارة "بابل" وكانت على أرضها مدينة "أور" العظيمة عاصمة مملكة "سومر".
مدينة "أور" عاصمة الدولة "السومريّة" منذ أكثر من 4100 عام
هي مسقط رأس أبو الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه السلام حيث يذكر أنه ولد فيها، كما أنّها كانت عاصمةً لدولة "سومر" في عام 2100 ق.م وذلك عندما اتّخذوا من جنوب العراق الحالي مكان مملكتهم التي مكانها الآن هي مدينة الناصريّة بالعراق المميّزة حتى الآن بأشهر زقورة محافظة على هيئتها والتي أٌضيئت بالكهرباء إبّان زيارة بابا الفاتيكان "البابا فرانسيس".
ما هي الزقورة؟
الزقورة هي شكلٌ هرميٌّ مدرّجٌ لمبانٍ تمّ تشييدها فوقها فوق بعض كانت تستخدم كمعابد للأوثان والكهنة، وقد كانت المعابد في مدينة أور يتمّ بنائها باستخدام الطين والقار ثم أصبحوا يقومون ببناء المعابد فوق بعضها البعض ليظهر شكل الزقورة الهرميّ المدرّج الذي نعرفها به الآن.
جلجامش والطوفان العظيم
الملحمة الشعريّة المسمّاة باسم بطلها "بلجامش" أو "جلجامش" وتكتب في بعض الأحيان "كلكامش" يعود تاريخها إلى عصر الأسرة الثالثة من ملوك أور أي تقريبًا عام 2100 ق.م أعظم السلالات الحاكمة للدولة السومريّة والتي تكوّنت من خمسة ملوكٍ عظامٍ.
كتبت لوحة جلجامش باللغة "الأكاديّة" دوّنت على ألواحٍ طينيّةٍ وتم اكتشافها في مكتبة الملك آشور بانيبال في مدينة "نينوى" القديمة تم فيها سرد حكاية الطوفان العظيم الذي غطّى الأرض بأكملها قبل أن يذكر في التوراة بمئات السنين.
ملوك أور الخمس العظام
كانت سلالة أور الثالثة تتكوّن من خمسة ملوكٍ عظماء وهم "أورنمو" و"شولكي" و"أمار سين" و"شو سين" وآخرهم كان "إبي سين".
هؤلاء الملوك الخمسة حكموا أكثر من 100 عامٍ منذ أسّسها الملك "أورنمور" عاشت فيها الدولة السومريّة فترة ازدهارٍ وانتعاشٍ شديدين حيث أنّ في تلك الفترة أُعيد إحياء اللغة السومريّة التي كانت تنافسها بشدّة اللغة الأكاديّة، وازدهرت الديانة من حيث إعادة تبجيل آلهة سومر القدماء أكثر من غيرهم من الآلهة.
كما ازدهرت أيضًا العلوم والفنون بمختلف أشكالها وكان ممّن ازدهر أيضًا الأدب والملاحم الشعريّة مثل ملحمة "جلجامش" التي تحكي لنا عن حكاية الطوفان العظيم وما حدث فيه.
قصّة الطوفان كما وردت في ألواح "جلجامش"
الملحمة تحكي عن قصة "جلجامش" ملك "أور" ورحلته مع "أنكيدو" في البحث عن سرّ الخلود، وتتكوّن في مجمل ما تم اكتشافه عنها إلى ما يقرب من 11 لوحًا طينيًّا تمّ التدوين عليهم باللغة الأكاديّة لتحكي عن الصراع الذي عاشه الملك "جلجامش" الذي كان يحيا وحيدًا في مملكته العظيمة مما جعله يطغى فيها ولذلك رأت الآلهة أنّ من اللازم أن يخلقوا له منافسًا ليضع حدًّا لطغيانه وبطشه.
وبالفعل كان ذلك المنافس هو "أنكيدو"الذي خلق ليوفّي طلبات الرعيّة التي أهملها "جلجامش" .
العلاقة التي بدأت بالعداء والمنافسة بين "جلجامش" و"أنكيدو" تبدّلت مع الوقت إلى صداقةٍ جعلت "جلجامش" يدخل في حالة حزنٍ شديدةِ حينما توفّي صديقه "أنكيدو" وكان لذلك الحزن تأثيرًا جذريًّا في رحلة "جلجامش" الذي يقرّر أن يترك الملوكيّة ويبحث في كل بقاع الأرض عن الخلود. أمّا بالنسبة لقصّة الطوفان فقد وردت في اللوح الحادي عشر من ألواح الملحمة يذكر فيها أنّ جلجامش انطلق في رحلته إلى "أونتابشتيم" الذي وهبته الآلهة الخلود والحياة الأبديّة ليعرف منه "جلجامش" السرّ فيحيا خالدًا هو الآخر.
وحينما يسأل "جلجامش" "أونتابشتيم" عن السرّ يحكي له الأخير أن آلهة مدينة "شوريباك" حينما شاخوا وشاخت مدينتهم أرسلوا طوفانًا عظيمًا وأمروا رجل "شوريباك" ابن "أوبارا-توتو" أن يبني سفينةً وأن يهجر ممتلكاته وأن يعمل على حمل بذرة الحياة معه على ظهر تلك السفينة فيأخذ من كل حي.
امتثل رجل "شوريباك" إلى الأمر الإلهي وبالفعل قام ببناء السفينة وغطّاها بالقار. وبالرغم من التجهيز للطوفان إلا أنّ الطوفان كان جبّارًا ومرعبًا بشدّةٍ لدرجة أن "عشتار" صرخت وقالت أنّ الأرض عادت طينًا كما في الأيّام القديمة وذلك لأنّ الطوفان استمرّ ستّة أيّامٍ وستّ ليالٍ فتتحرّك السفينة وتعلو وتهبط من هول الطوفان واستقرّت على جبلٍ يسمى جبل "نصير" حتى حلّ اليوم السابع ثم ينتهي بعدها الطوفان، وغالب الظنّ أنّ هذه هي آخر جزئيّة في ملحمة "جلجامش" ويعتقد معظم المؤرّخين أنّ اللوح الثاني عشر تمّت إضافته فيما بعد إلى الملحمة.
العراق القديم فيه من الكنوز الكثير منها كنوزٌ معنويّةٌ مثل التاريخ والحضارة والفن والأدب، ومنها ما هو مادّيٌّ مثل أطلال المدن القديمة وزقوراتها وآثارها فكان ولا يزال أحد أعظم الأراضِ التي حملت أعظم الحضارات على مرّ التاريخ وحتى هذه اللحظة.