رحلة شهية في تاريخ المطبخ اللبناني
في زمن القدماء، عاشت حضارة فينيقيا على تلال لبنان الخصبة، حاملةً بين أضلعها ثراء التاريخ وتنوع الثقافات. من هنا، تجلى تأثيرها العميق على تراث المطبخ اللبناني، ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل امتد تأثير الثقافة الفرنسية أيضًا إلى المطبخ اللبناني، مثلما امتد سحر أروقة باريس إلى شواطئ بيروت. في هذا المقال، سنستمتع معًا بجولةٍ مشوقة في عالم المطبخ اللبناني، حيث نستعرض سويًا أشهر الأطباق التي أخذتها لبنان من حضارة فينيقيا وأثرت فيها الثقافة الفرنسية.
1- الشاورما (الدونر)
في تراث حضارة فينيقيا، كانت اللحوم المتبلة بتوابل شرقية، تطبخ على نار هادئة باستخدام الأخشاب حتى يتحول اللحم إلى قطع ذهبية مُدخنة سميكة ومع مرور العصور، تطوّرت تقنيات المطبخ وتطوّرت الوصفات، حتى وصلوا لفكرة تعليق اللحوم المتبلة في أسياخ أمام الشوايات مع وضع بعض الدهن الحيواني حتى يضفي عليه المذاق الدسم لتصل إلينا أطباق الشاورما بشكلها الحالي في لبنان.
2- الكبة
تجسّدت أكلة الكبة كواحدة من أشهر الأطباق في المطبخ اللبناني، ويعود تاريخها إلى حضارة فينيقيا القديمة،في زمن القدماء، كانت الكبة تُعدّ بتقنيةٍ متقنة، حيث كان يتم خلط اللحم المفروم (غالبًا لحم الخروف أو البقر) مع البرغل والتوابل، مثل الكمون والبهارات المتنوعة. ثمّ يتمّ تشكيل هذا الخليط بعناية ليتمّ حشوه بالمكسرات واللحم المفروم والبصل، ويُغلّف بطبقة من العجينة الرقيقة. بعد ذلك، كانت تُطهى الكبة على الفحم أو في الفرن، حتى تتحمّر وتصبح جاهزة للتقديم ومع مرور الزمن وتطور تقنيات الطهي وتبادل التراث والثقافات، شهدت أكلة الكبة تحولاتٍ عدة. فظهرت الكبة المشوية والمقلية والمطبوخة بالصلصات، وتنوعت المكونات المستخدمة في تحضيرها، مما أضاف لها طابعًا متنوعًا ونكهات غنية.
3- المحاشي (الدولمة)
أكلة المحاشي تُعتبر واحدة من أبرز الأطباق التي تعكس تراث وثقافة المطبخ اللبناني العريق، وتاريخها يعود إلى حضارة فينيقيا القديمة. في الأصل، كانت المحاشي تُعدّ على يد النساء الفينيقيات بعناية فائقة، حيث كانت تستخدم يتم أوراق الخضار مثل الكوسا والباذنجان والفليفلة كقشرة لحشوة شهية تتكون من الأرز واللحم المفروم والبهارات اقتصرت فقط على الملح والفلفل. ثمّ تُطهى هذه المحاشي ببطء على نار هادئة مع الصلصة الطماطمية أو اللبن، ومع تطور العصور ، شهدت أطباق المحاشي تحولاتٍ عدة. زادت مكونات الحشوة لتشمل أنواعًا مختلفة من اللحوم والأرز والخضار، و تنوعت البهارات لتشمل البرغل والزنجبيل وغيرها.
4- التبولة
في الأصل، كانت تحضّر التبولة بشكلٍ بسيط، حيث كان يتم تقطيع المكونات الطازجة ومزجها مع البرغل المنقوع والتوابل، ثم تُزيّن بأوراق النعناع. كانت هذه الوصفة تعتمد على المكونات الطبيعية والمتوفرة بسهولة في المنطقة ومع مرور الوقت وتطورالتراث وتقنيات المطبخ والمذاقات، شهدت وصفة التبولة تطوراً ملحوظاً. أضيفت لها لمساتٌ إبداعية جديدة، مثل قطع الخيار والفلفل الأخضر، والزيتون، وحتى اللبنة. كما تم تطوير طرق تقديم الطبق وتزيينها ليصبح أكثر جاذبية وجمالاً حتى وصلت التبولة إلى شكلها الحالي في لبنان، حيث أصبحت اليوم رمزاً من رموز الثقافة اللبنانية .
5- الكرواسون
قصة الكرواسون تنطلق من فرنسا، حيث أُنشِئت هذه الأطباق اللذيذة لأول مرة في باريس في القرن الـ 19. ولكن على الرغم من أصولها الفرنسية، فإن الكرواسون قد وصل إلى لبنان وقت الاحتلال الفرنسي وأصبح جزءًا لا يتجزأ من المطبخ والتراث والثقافة اللبنانية والمخابز هناك .في البداية، كانت طريقة تحضير الكرواسون تشبه إلى حد كبير طريقة تحضير العجين للخبز الفرنسي التقليدي. يتم خلط المكونات الأساسية مثل الدقيق والماء والزبدة، ثم يتم طي العجين بطريقة خاصة تشكل الطبقات. بعد ذلك، يُشكل العجين إلى شكل الكرواسون ويترك ليتخمّر قليلاً، ثم يُخبز في الفرن حتى يصبح ذهبي اللون ومقرمشًا ومع مرور الزمن وتطور الوصفات وتقنيات الخبز، شهد الكرواسون تطورًا ملحوظًا. أضيفت إليه مكونات إضافية مثل الشوكولاتة والفستق والحشوات المختلفة.
6- الكريب اللبناني
الكريب هو واحد من أشهر الأطباق في المطبخ الفرنسي، وقد استقطب هذا الطبق الشهي اهتمامًا كبيرًا في لبنان وأصبح جزءًا لا يتجزأ من تجربة تناول الطعام هناك.في الأصل كانت عملية تحضير الكريب تتطلب خلط الدقيق مع البيض والحليب والزبدة، للحصول على عجينة خفيفة ورقيقة. ثم يُصب العجين في مقلاة مسطحة ويُقلب برفق لتشكيل الكريب، ويُحشى بالحشوات الحلوة مثل الشوكولاتة والفواكه، ومع مرور الزمن، تطورت وصفات الكريب وتنوعت الحشوات المستخدمة فيها حيث أصبح يضاف إليه حشوات مالحة مثل الجبن واللحم المفروم أو الشاورما أو اللحم المقدد وأصبح جزءًا أصيلًا من تراث المطبخ اللبناني.