رحلة لجزر القمر

عندما تفكر في الدول العربية دائما ما يأتي لذهنك دول الخليج ودول شمال أفريقيا، إلا أن القليلين يعرفون تلك الدولة العربية المخفية عن العيون في قلب المحيط الهندي حتى أنها تسمي مالديف المخفية، رحلتك لجزر القمر هي رحلة عجيبة في مكان لا يشبهه آخر. جزر القمر جزر بركانية تكونت بفعل النشاط البركاني بداخل قاع المحيط الهندي، وهي أبعد دولة عربية وأفريقية. كذلك هي الأقل سكانًا بين الدول العربية، ويغلب على سكانها الشباب حيث أكثر من 50 % من السكان عمرهم أقل من 24 سنة. تتكون جزر القمر من 11 جزيرة 4 منها فقط مأهولة بالسكان وهم جزيرة القمر الكبري ومايوت وجزيرتي موهيلي وانجوان. ربما تتسأل لماذا سميت جزر القمر بهذا الاسم، وقد تعددت التكهنات عن سبب التسمية فالبعض يظن أن الاسم يعود لشكل جزر القمر التي تشبه الهلال وأخريين يقولون إن التسمية مأخوذة من تعريب الاسم الأجنبي للجزيرة وهو كومروس وكذلك ينسب الاسم لطائر القمر "بضم القاف"، ولكن القمريين نفسهم يرجعون الاسم لدخول العرب لجزر القمر حيث وصلوا ليلاً وكان القمر بدر جميل فسموها جزر القمر. لمحة من تاريخ جزر القمر بدأ استيطان الجزر في القرن ال 6 علي يد سلاطين العرب وسكنها بعض سكان أفريقيا، وآخرون من منطقة جنوب شرق أسيا ومن ذلك الوقت حتى القرن الحادي عشر أنتشر الإسلام بين سكان جزر القمر. موقع جزر القمر بين مدغشقر وتنزانيا وموزمبيق موقع هام فهو بوابة طريق التجارة البحرية القديم المتجه للشرق الأقصى والهند. في القرن السادس عشر استولي البرتغاليون على الجزر واستغلوها كنقطة تموين للسفن التجارية المتجهة لحصنهم في موزمبيق. في أواخر القرن الثامن عشر أتجه بعض سكان مدغشقر لجزر القمر للحصول على الرقيق، وفي أواخر القرن التاسع عشر وقعت الجزر تحت الاستعمار الفرنسي وأصبحت رسميًا مستعمرة فرنسية سنة 1912. أستمر الاستعمار الفرنسي حتى الاستقلال عام 1975 باستثناء جزيرة واحدة فضلت أن تستمر تحت الإدارة الفرنسية وهي جزيرة مايوت. مما سبق يمكنك فهم التنوع اللغوي بالجزر فهناك من يتحدث اللغة القمرية "الشيكومورو" وهى لغة سواحيلية مستمده من العربية واللاتينية وهناك ممن يتحدثون الفرنسية وكذلك اللغة العربية. ويدين 98 % من السكان بالإسلام إلي جوار قلة مسيحية وهندوسية. جزر القمر هي دولة أفريقية بنكهة أوروبية مناخها استوائي يشبه دول جنوب شرق أسيا، حيث موسمين أحدهما حار مطير والأخر باردا معتدل. ستلاحظ أن جزر القمر ليس لديها أي حدود برية فهي بالكامل ففي قلب مياه المحيط وشكلها المجزأ أدي لصعوبة حكمها مركزيا لذا؛ فهي حكومة شبه مستقلة بحكم شبه مستقل فلا تتعجب إذ عرفت أن لكل جزيرة حاكم. وأكثر ما تشتهر به جزر القمر هو الإيلانغ لانغ زهرة الزهور وهي زهرة ذات رائحة فواحة جدا ولها أثر مهدئ ويستخلص منها زيوت تدخل فى تصنيع العطور الفرنسية لذا؛ تسمي جزر القمر بجزر العطور.

جزيرة القمر الكبرى "نجازيجا"

جزيرة القمر الكبرى لها نصيب الأسد بين الجزر فهي ذات اقتصاد متطور وهي ضمن دول الاقتصاد الأزرق المعنى برعاية وتطوير سكان المحيط، وهي الوجهة الأمثل لمحبي الطبيعة والمغامرات وللسفاري فهي مثالية لقضاء الإجازات وشهر العسل. هي الجزيرة الأكبر من حيث الحجم ومن هنا جاءت تسميتها وهي أيضا الأعلى ارتفاعًا عن سطح البحر بين جزر القمر.

الجزيرة بها مدن بنكهة عربية مثل ناز وموروني عاصمة جزر القمر، حيث الفن المعماري والزخارف العربية والزي التقليدي. يتمتع زوار الجزيرة بالتناقض العجيب بين الشواطئ الرملية والحمم البركانية الداكنة، أنت أمام مشهد رائع تتباين فيه ألوان الرمال البيضاء والبحر الفيروزي والصخور البركانية غامقة اللون.

لا تظن أن المتعة تقتصر على ما تراه عيناك فعند التجول بين المزارع ستتمتع بروائح الفانيليا وجوز الهند ورؤية أزهار اللوز أيضًا. إلي جانب الشواطئ والمزارع لا يفوتك الجبال بصفة خاصة جبل كارتالا وبه أكبر بركان نشط في العالم والذي كان ينفجر بواقع كل 11 عام إلا أنه ساكن منذ عام 2005 حيث كانت آخر ثوراته. كمسافر ستقع في عشق بيئة الحمم البركانية وإذ كنت من محبي المغامرات فأنك حتما ستتسلق الجبل لتشاهد حافة البركان إنها رحلة مليئة بالتحديات لمدة يومين.

أما مدينة موروني العاصمة فهي المكان الأفضل في جزر القمر لشراء الحلي والتوابل ومنتجات الحرف اليدوية من سوق فولو. يمكنك أن تستمتع بالضياع بين أزقة المدينة، والاستمتاع بهوائها العربي الجميل مع النظر للمناظر الطبيعية الخلابة. أما إذ كنت من محبي المساحات الخضراء فمدينة ديمبيني هي المكان الأمثل للتجول والمشي وحفلات الشواء حيث الحدائق الخلابة والمساحات الخضراء الواسعة.

جزيرة مايوت ذات الحكم الفرنسي

entry-icon
entry-icon
entry-icon
entry-icon

مايوت هي أقدم جزر القمر وعند التصويت بين سكان الجزر على الاستقلال أختار ما يقرب من 65 % من سكان الجزيرة أن يظلوا تحت دولة فرنسا إداريًا بعكس الجزر الثلاثة الأخرى. إذا ولدت على جزيرة مايوت فأنك فرنسي الجنسية ولكن إن لم تستطع الحصول على بطاقة الهوية الفرنسية فلا يمكنك الدراسة ولا السفر كمواطن فرنسي لذلك يسميها البعض حدود أوروبا المنسية. يعتبر البعض مايوت بوابة لدخول أوروبا لذا يهرب إليها الكثيرون ممن يحلمون بالسفر لفرنسا، إلا أنك تحتاج أن تقيم بها فترة لا تقل عن 10 سنوات لتحصل علي الجنسية الفرنسية مع ضرورة توافر شروط أخرى.

ستلاحظ أن مياه الشواطئ في جزيرة مايوت هي الأكثر نقاء وصفاء بين الجزر الأربعة إلا أنها كانت قديمًا تسمي جزيرة الموت ومنها أستمد اسم مايوت ويرجع ذلك لكثرة الشعاب المرجانية الكثيفة حول الجزيرة مما كان يتسبب في تحطم السفن. والجزيرة هي مكان تنزه لأغنياء الدول الأوروبية حيث إن أسعار الجولات السياحية وأماكن الإقامة فيها باهظة الثمن. من أجمل الأماكن السياحية بالجزيرة منطقة باجامايو الأثرية التي تحتوي علي مدينة شيرازى التي تعود للقرن العاشر والحفرة البركانية " دزياني ذراها". مدينة دزاودزي أيضا هي الموقع الأفضل لشواطئ فاخرة وأفخم الفنادق والمطاعم وشوارعها مليئة بالحياة.

الجو الاستوائي الرطب للمدينة والحدائق والمنتجعات السياحية وصخرة دزاودزي التي تشبه صخرة جبل طارق أماكن لن تندم على زيارتها. وتتميز الجزيرة بتقديم أفضل مطاعم المأكولات الفرنسية. أما محبو التسوق فيختارون منطقة مامودزو حيث أفضل المتاجر والمطاعم إلى جوار جولات القوارب وأنشطة الغوص. إذ كنت من محبي مباني الطراز التاريخي يمكنك زيارة باماندزي حيث المباني القديمة والشوارع والحدائق والاستمتاع بالتعرف على السكان المحليين وثقافتهم.

لا يفوتك جبل نينغوي وهو أعلي جبال أنجوان، وتكون قمته غائمة معظم الأيام مما يعطيك جو القصص الغامضة الشيقة، إما إذا كنت محظوظًا وانكسرت الغيمة فستقع عينك علي مشهد بانورامي لا يقاوم وإطلالة رائعة لجزر الأرخبيل الأربعة. يمكنك أيضا رؤية العديد من الطيور النادرة في أثناء تجولك في الغابات وصولاً لقمة الجبل. الحقيقة أن جزيرة مايوت تقدم حفنة من الأنشطة التي تحتاج لوقت ليس بقليل للتمتع بها فأنت على موعد مع جولات سياحية وغوص وتسوق وتخييم وحفلات شواء علي أرضها، ولكن لا تنسي أنها جزيرة فرنسية وتحتاج لفيزا شنجن لدخولها بعكس الجزر الأخرى في دولة جزر القمر.

جنة موهيلي وعزلة أنجوان

صورة من pixabay

موهيلي هي الجزيرة الأصغر في المساحة بين جزر القمر لكنها تعتبر الأكثر زيارة من السائحين الذين يعتبرونها جنة الله علي أرضه. الجزيرة عبارة عن هضبة أرضها بها أودية خصبة وسلاسل من التلال، والحديقة الوطنية الوحيدة في جزر القمر تقع على أرض موهيلي.

تتمتع الجزيرة بشواطئ رملية بيضاء وهي مكان رائع لاكتشاف الحياة البحرية عن قرب وتشتهر بالسلاحف البحرية الخضراء والتي تكثر في موسم التزاوج، حيث تعوم لمياه الجزيرة وتضع بيضها في رمال قاع الجزيرة الناعمة. إلي جوار السلاحف البحرية هناك أيضا الدلافين والحيتان وأسماك شوكيات الجوف، فالحياة البحرية لجزيرة موهيلي غنية لذلك تم إنشاء محمية بحرية بالجزيرة تسمي منتزه موهيلي البحري.

أما جزيرة أنجوان أو "ندزواني" وهي كلمة تعني "الأشياء التي يصنعها الخيال" فهي الوجهة المفضلة لهؤلاء الذين يتمنون الانعزال عن العالم كله فهي جزيرة بكر، منعزلة، غير ملوثة وجميلة. سميت الجزيرة بلؤلؤة جزر القمر ويعود الاسم لقصة روبنسون كروزو. تعد الجزيرة الميناء الرئيسي لجزر القمر. أفضل ما يميز الجزيرة هو رائحة القرنفل والإيلانغ وأشجار الموز والنخيل، والجزيرة تصدر الفانيليا والزهور والزيوت العطرية. سكان الجزيرة متواضعون وفخورون بجزيرتهم في نفس الوقت ملابسهم متواضعة وهم مجتهدون جدًا في العمل. إذ كنت من محبي الطقس البارد فأن مرتفعات أنجوان الوجهة الأمثل لك حيث تنخفض درجة الحرارة ويغطي الضباب والمطر غاباتها. أنجوان هي جزيرة المنعزلين الهاربين من صخب المدن إلى أحضان الطبيعة الهادئة.

سكان جزر القمر

صورة من pixabay

اختلاف جزر القمر لا يعود فقط لطبيعتها وجوها ونظام حكمها، وإنما لشعبها وعادتهم أيضًا. شعب جزر القمر متنوع ويعود لأصول مختلفة بعضها إفريقي والبعض آسيوي وهم ببشرة سمراء ووجه كالبدر وابتسامة عريضة من القلب. رغم انعزال سكان جزر القمر عن العالم بسبب موقع دولتهم، إلا أنهم شعب ودود يميل للصداقة والأخوة والمحبة والشجاعة أيضًا. علي الرغم من أن الأغلبية العظمى من المسلمين ويعود الكثير منهم لأصول عربية، إلا أن ثقافتهم ليست عربية وعاداتهم تختلف كثيرًا عن العرب.

لا يستخدم سكان جزر القمر اللغة العربية كثيرًا على الرغم من أنها لغة رسمية بالبلاد وتدرس في المدارس، وإنما يميل معظمهم لاستخدام اللغة المحلية والفرنسية وكلاهم لغات رسمية أيضًا. يعمل أكثر من نصف الشعب في الزراعة حيث تصدر الكثير من محاصيلهم مثل جوز الهند والأيلانغ والفانيليا. ويعمل 10 % بحرفة الصيد بصفة خاصة الشباب والسيدات، ويعمل البعض في صناعة القوارب وبيع الأسماك في الأسواق.

من أغرب عادات شعب سكان القمر عادة الزواج الكبير. يتزوج الرجل القمري زواج شرعي أو ما يسمى بزواج العفة وينجب الأطفال ويسمي هذا الزواج بالزواج الصغير حيث ينفق أقل التكاليف لإتمام الزواج الصغير. الرجل القمري لا ينال أي مكانة اجتماعية قبل أن يتمم الزواج الكبير. والزواج الكبير يمر بمراسم عدة ويكلف العروسين مبالغ طائلة. يمكن أن يتم الزواج الكبير بعد سنة أو سنيين من الزواج الصغير، ويمكن أن يكون من الزوجة الأولى أو زوجة جديدة بخلاف زوجة الزواج الصغير. من أغرب الأمور أنه يتم تمييز هؤلاء من أتموا الزواج الكبير عن غيرهم في الزي التقليدي والمكانة الاجتماعية، وحتى بداخل المسجد بالصفوف الأولى أثناء الصلوات ويمكنهم أن يقيموا المجالس ويحكمون بين الناس. في المجتمع القمري حتى وإن كنت حاكمًا أو وزيرًا فأنت لا شيء إذ كنت لم تتمم الزواج الكبير. الزواج الكبير ليس مجرد احتفال وعقد قرآنا وإنما محطة لا بد منها للحصول على الاحترام والقوة والسلطة الاجتماعية.

تصل تكاليف الزواج الكبير لعشرين ألف يورو أو أكثر ويدخر الزوج سنيين لإتمامه. والمرأة القمرية لا تشعر بالمسؤولية الزوجية الكاملة قبل الزواج الكبير حتى وإن كانت زوجة وأم. مراسم الزواج الكبير تشمل تحضير منزل زوجية جديد وتأثيثه بالكامل وملابس جديدة وولائم ويتم توزيع أموال أو مواد غذائية على كل سكان القرية، ويحضر العرس كل الأقارب من المقيمين بالخارج سواء في جزر أخرى أو في دول أخرى. يمتد الاحتفال الأخير لحوالي سبعة أيام من الدعاء والأناشيد الدينية وكذلك الأغاني والرقص الشعبي ويحضر كل الشخصيات المرموقة الاحتفال. يمكنك بسهولة تمييز الحاضرين ممن تزوجوا زواج كبيرا بلبسهم التقليدي المطرز الفاخر عن هؤلاء الذين تزوجوا زواج صغير فقط بلبسهم الأبيض المتواضع. بدون الزواج الكبير أنت مواطن بلا صوت في المجتمع القمري، فالزواج الكبير التزام ديني، وستشعر بالخجل طول عمرك من الأهل والأصدقاء إن لم تتممه.

صورة من unsplash

الرحلة لجزر القمر هي رحلة لمجاورة القمر، أنت في عزلة عن العالم في مكان لا يشبه غيره. إن جزر القمر لجزر مليئة بالكنوز التي لم يكشف عنها بعد. لا تزل الجزر هزيلة اقتصاديًا بعد استقلالها عن فرنسا، لذلك تشجع المستثمرين العرب والأفارقة على الإقامة والاستثمار فيها.

علي الرغم من الطبيعة الساحرة فإن السياحة بجزر القمر محدودة لعدم توفر عدد كاف من الفنادق والمنتجعات والشواطئ لا زالت بكر بشكل كبير وفي حاجة للاهتمام وتوفير خدمات للزائرين. يوجد الكثير من الشباب الذي يمكنه أن ينهض بالجزر عند توفر الاستثمار والبنية التحتية الملاءمة.

نتيجة لطبيعة الجزر البركانية فأنها تحوي كنزا من المعادن لم ينقب عنه بعد. بعض الدول العربية والأفريقية تمد يد العون لجزر القمر لتنهض كدولة سياحية فتهتم الأمارات بدعم قطاعات الطاقة والصحة والتعليم والبنية التحتية، بينما تمد السعودية العون في إعداد الشوارع، وقد وقعت مصر تعاقد بإنشاء ميناء بجزيرة موهيلي وهو من شأنه إحداث نقلة اقتصادية كبيرة لجزر القمر، أما دولة جنوب أفريقيا فيدعم مستثمروها بناء الفنادق والمنتجعات وغيرهم دول أخرى ويتمنى سكان جزيرة القمر وحكامهم النهوض بالجزر وتوفير فرص عمل ومعيشة أفضل لسكانها.

المزيد من المقالات