تاريخ مدينة الرباط عاصمة المغرب

مدينة الرباط معروفة عالميًّا كعاصمة المغرب الإدارية والسياسية ، لكنها مدينة تاريخية قبل كل شيء ، وتاريخها ضارب في القدم ومليء بالأحداث والكنوز التي تدل على أهميتها، تعاقبت عليها العديد من الحضارات كالفينقينة والرومانية والمورية والبربرية التي استقرت في تلك المنطقة لتميز موقعها الجغرافي وتوافر المياه والآبار بجانب البحر، كما عرفت في العهد الإسلامي مع المرابطين والموحدين والعلويين نموًا حضاريًّا وأهمية استراتيجية، كما أصبحت مركزًا لاهتمام الحماية الفرنسية في بداية القرن العشرين.

الفينيقيون وتأسيس أول مركز تجاري في الرباط

يرتبط تاريخ مدينة الرباط ارتباطًا وثيقًا بالبحر وبنهر "أبي رقراق" أو "بوركراك" ، ذلك الشاهد الحي منذ العصور القديمة بطول 240 كم ، والذي ينبع من البحر المتوسط ويصب في المحيط الأطلسي، وكان النهر معروفًا في العصور القديمة باسم النهر المالح ، وبعدها سمي نهر الرمان ، وفي القرن السادس عشر تم تغيير اسمه إلى أبي رقراق الذي يرجع إلى اسم أول قبيلة سكنت ضفاف النهر، ويقال أن كلمة "ركراك" تعني "الحصى" في اللغة الأمازيغية.

entry-icon
entry-icon
entry-icon
entry-icon

في عام 700 ق.م، وصل الفينيقيون القرطاجيون بسفنهم عن طريق البحر إلى موقع المدينة وأسسوا مراكز تجارية واختاروا الموقع الحالي لمدينة "شالة" على بعد 5 كم من مدينة الرباط لتكون مقر تجارتهم، حيث شهد ذلك الموقع عدة حضارات متتالية ويحتوي على العديد من الآثار والحفريات التي لم يكشف عنها بعد، ومازالت هناك العديد من الأسرار المتعلقة بحقب تاريخية غارقة في القدم.

الموريون والمكانة الاقتصادية الهامة للرباط

الصورة عبر wikimedia

في القرن الثالث قبل الميلاد أسس الموريون مدينة "موريا" كجزء من مملكتهم الذاتية الحكم وكانت عاصمة اقتصادية هامة وموقع للتبادل التجاري بين كافة مقاطعات الدول الرومانية، وظلت تلك المدينة محتفظة بمكانة اقتصادية هامة حتى عام 40 ميلادية حيث قام الامبراطور الروماني "كاليجولا" بتقسيمها إلى مقاطعتين هما موريطانيا الطنجية وموريطانبا القيصرية، وجعل وادي "ملوية" فاصلًا بين المقاطعتين.

أطيب التمنيات

ظهور النفوذ البربري على مدينة الرباط

الصورة عبر Wikimedia Commons

في القرن الخامس الميلادي ضعفت سيطرة الرومان بانهيار الإمبراطورية الرومانية الغربية، وأصبحت موريا والأراضي المجاورة لها خاضعة للنفوذ البربري، لكن الرومان كانوا قد أفقدوها أهميتها بتدميرها بعد أن خرجت عن سيطرتهم، وظلت في حالة من الضعف حتى مجيء الفاتحين المسلمين في القرن السابع الميلادي.

الفتح الإسلامي للرباط

الصورة عبر Wikimedia Commons

في عام 670 ميلادية، فتح الجيش الإسلامي بقيادة عقبة بن نافع رضي الله عنه مدينة الرباط، وكان هناك صراع في ذلك الوقت بين المسيحيين واليهود والبرابرة على أرض المغرب، وتلك المرحلة التاريخية غامضة بعض الشيئ حتى ظهور الموحدين الذين وحدوا الجيوش في تلك المنطقة لمواجهة قبيلة برغواطة. ويرجع تأسيس مدينة الرباط إلى السلطان الموحّدي "يعقوب المنصور" وسمّاها "رباط الفتح" تيمنًا بالانتصارات الإسلامية وكانت رمزًا للروح العسكرية للجهاد الإسلامي وفتح الأندلس، كما ذاع صيت مدينة الرباط في عهد الموحدين وخصوصًا في عهد "عبد المؤمن الموحدي" الذي حوّل المدينة إلى قلعة حصينة وجعلها مركزًا لجيشه وأحاطها بكل الوسائل الدفاعية الممكنة التي من شأنها أن تجعل العدو يفكر مراتٍ عديدة قبل أن يحاول اقتحامها، وهو من أطلق عليها اسمها الذي احتفظت به حتى الآن، وتعني في اللغة العربية أرض المجاهدين أو مربط الجيش الذي ينطلق منها للفتوحات، وكانت اسمًا على مسمى حيث انطلقت من مدينة الرباط العديد من الحملات الجهادية صوب الأندلس وبقية أراضي غرب إفريقيا، وظلت محط اهتمام لمدة تقارب الـ500 عام.

هجرة الموريسكيين وبداية الغزو الإسباني والبرتغالي

الصورة عبر wikimedia

في بداية القرن الخامس عشر الميلادي كانت البلاد تشهد نهب وتدمير مدن الساحل المغربي على يد النصارى الأسبان والبرتغالين الذين طردوا المسلمين الموريسكيين من الأندلس واضطهدوهم وظلوا يتقفون آثارهم في الأراضي المغربية والذين أُطلق عليهم الموريسكيين، وظل الأمر كذلك حتى ظهور جمهورية أبي رقراق في المنطقة بحلول القرن السابع عشر الميلادي في عهد الدولة السعدية التي وحّدت الصفوف وأعادت ترتيب الجيش المسلم واشتهرو فيما بعد باسم "قراصنة سلا" أو "قراصنة الرباط" ، وأذاقوا الإسبان والبرتغاليين الويلات في البحر الأبيض المتوسط، وكانت مدينة الرباط من المراكز الأساسية التي ينطلقون منها.

البصمة الأندلسية على مدينة الرباط

الصورة عبر wikimedia

في القرن السابع عشر الميلادي وصل اللاجئون المسلمون واليهود بأعداد كبيرة إلى المغرب هروبًا من محاكم التفتيش والغدر الإسباني للعهود والمواثيق، مما غيّر كثيرًا في تاريخ مدينة الرباط التي كانت مضيافةً لكل من لجأ لها من المسلمين أو اليهود المضطهدين في أوروبا. وصول الأندلسيين أثّر على الحياة في الرباط حيث تركوا بصمتهم وثقافتهم التي اختلفت كثيرًا عن السكان الأولين للمدينة مما أعطي لمدينة الرباط خصوصية كبيرة. وانتشر في تلك الفترة الجهاد البحري نتيجة الكراهية الشديدة التي كانت نتيجة الظلم الرهيب والأعداد المهولة للقتلى من المسلمين واليهود في الأندلس على يد الإسبان والبرتغاليين.

تعرضت مدينة الرباط للإهمال بعد القرن السابع عشر خاصة في فترة حكم العلويين الأولى حتى عام 1838م حيث لاحظ عبدالرحمن بن هشام وجوب الاهتمام بالمدينة من جديد ، فأقطع بعض الفلاحين أراضي جديدة لزراعتها بجوار المدينة واهتم بتطويرها، وعندما جاء السلطان مولي رشيد أنشأ دارًا له فيها، وبنى أسوارًا جديدة هو ومن تلاه من السلاطين العلويين، وأكثروا من بناء المساكن والزوايا مع الحفاظ على طابعها المميز وقواعدها الفنية المتوارثة عبر الأجيال.

الاحتلال الفرنسي باسم الحماية

الصورة عبر Wikimedia Commons

في بدايات القرن العشرين وتحديدًا في يوم 30 مارس 1912م ، تم توقيع المعاهدة التي وضعت المغرب تحت الاحتلال الفرنسي تحت مسمى الحماية الفرنسية، وكان لذلك تاثيرًا كبيرًا على الثقافة والتركيبة المجتمعية للمدينة. لكن مدينة الرباط لا تزال ترى فيها الطابع الأندلسي والموروث الموريسكي الذي كان من أكثر البصمات تميّزًا على مر التاريخ الإسلامي.

المزيد من المقالات