تنوع عمارة المساجد الإسلامية في أنحاء العالم

تطور فن العمارة الإسلامية، وخاصة عمارة المساجد، عبر العصور وتأثر بأساليب معمارية سابقة مثل العمارة الرومانية وعمارة بين النهرين والعمارة الصينية والمغولية وغيرها من الثقافات الأخرى. أضافت العمارة الإسلامية الكثير سواء من حيث تقنيات البناء أو التصميم أو الزخارف ليخرج نمط معماري مميز ومتجدد في نفس الوقت تتسم بألوان زاهية وتناسق هندسي ظهر جليًا في عمارة المساجد. لم تقتصر العمارة الإسلامية علي عمارة المساجد فقط ولكن أيضًا القصور والمباني العامة والحصون وحتى المقابر. تعتبر المساجد من أهم المباني الإسلامية فهي مكان يشترك فيه المسلمون في الصلاة والعبادة وهي من أكثر المباني التي تعكس مميزات فن العمارة الإسلامية. ولا يقتصر دور المساجد على العبادة فقط فهي أيضا منارة للتعليم ومركز اجتماعي وثقافي. يوم الجمعة من كل أسبوع يعتبر اليوم الأمثل للتعرف على المساجد حيث يشترك المسلمون في صلاة الجمعة وحضور خطبة الجمعة وقد كانت الخطبة قديمًا حدثًا سياسيًا مهمًا يتم فيه الإعلان عن الحاكم أو الملك. المساجد الإسلامية تتكون من غرفة لاجتماع المصليين مغطاة بقبة ومئذنة، بالإضافة لمساحة فارغة بأعمدة وهي مكان الصلاة وتلك المساحة تطل على الصحن وهي في اتجاه القبلة. يوجد أيضًا المحراب وأمامه مقصورة وهي المكان المخصص للخليفة سابقًا، ويوجد بجوار المقصورة المنبر الذي تلقى أعلاه الخطب وخاصة خطبة الجمع. التجسيد والتصوير والرسم أمور غير مقبولة بداخل عمارة المساجد الإسلامية بحسب العقيدة الإسلامية لذلك اعتمدت العمارة الداخلية على الزخارف فقط للتزيين. من أشهر الأمثلة على عمارة المساجد الإسلامية مسجد قبة الصخرة في القدس، وجامع قرطبة ومسجد السلطان أحمد بتركيا. يعد منزل النبي محمد عليه الصلاة والسلام أول نموذج لشكل المسجد المتعارف عليه، وخاصة المسجد ذا الأعمدة بالفناء الواسع المحاط بالغرف. أهم العناصر المميزة للعمارة الإسلامية هي القباب والأقواس والمقرنصات والمآذن والمحراب إلى جوار فن الأرابيسك المميز وقاعات الأعمدة والساحات والحدائق والإيوان.

الوطن العربي وعمارة المساجد الإسلامية الحديثة

بالانسجام مع الحياة المعاصرة اتجه الكثير من الدول العربية في الأعوام الأخيرة لتصاميم حديثة للمساجد مع الميل للتواضع في عناصر تزيين المبني من الداخل ليمكنك فهم هذه التغيرات يجب عليك النظر لما كانت عليه مساجد الدول العربية قديمًا والتغيرات التي طرأت على هذا التصميم.

كانت المساجد قديمًا مكانا للعبادة إلى جوار كونها مقرًا للتشاور ومناقشة التعاليم الدينية للمسلمين. كانت المساجد وقتها بدائية جدًا أسقفها من جريد النخيل والداخل عبارة عن أعمدة من جذوع النخيل لتقسيم المساحة الداخلية. بعد تلك الحقبة ضم المسجد الصحن والأروقة والميضأة (مكان الوضوء) من الداخل والقبة والمأذنة من الخارج. كان تصميم المسجد يتلأم مع الحي أو الشارع المتواجد به. علي سبيل المثال كانت المساجد المصرية القديمة يطغي عليها اللون الأبيض المصفر للاعتماد بصورة كبيرة علي استخدام الحجر كمادة البناء الأساسية وذلك لتوافره بكثرة إلي جانب الرخام بأنواعه.

اتجهت عمارة المساجد الإسلامية بعدها للمبالغة في التزيين الداخلي والزخارف، في العصر المملوكي بصفة خاصة حيث كانوا يتباهون ببناء مساجد مزخرفة لتعبر عن المستوى الاقتصادي وقتها. أما في عصرنا الحالي فمعظم عمارة المساجد الإسلامية أكثر بساطة وتميل لتصاميم مدارس العمارة الحديثة باللون الأبيض النقي من الخارج والاهتمام بتصميم داخلي يبعث علي صفاء الذهن والتأمل والتخلي عن المبالغة في الزخارف، واستبدال الثريات الضخمة بإضاءة أكثر تواضعًا مع توزيعها بشكل ملائم في أرجاء المسجد. ستلاحظ أيضا وضع الميضأة بمكان مخفي عكس المساجد القديمة حيث كانت توجد في وسط الصحن.

من أجمل التغيرات التي طرأت علي عمارة المساجد أيضًا الميل للمحافظة علي البيئة ويمكنك ملاحظة ذلك في التصميم الداخلي للأسقف بتقسيم الفراغات واستخدام لعبة النور والظل لتقنين استخدام المضاءة الصناعية والاعتماد علي الإضاءة الطبيعية. ذلك أيضا إلى جوار إعادة تدوير المياه المستخدمة في المضاءة (الوضوء) في ري الخضرة المحيطة بالمسجد.

أنماط متنوعة في عمارة المساجد الإسلامية الأفريقية

عند النظر لقارة أفريقيا ستجد أنك أمام أنماط متنوعة في العمارة وستجد صعوبة في توحيد تلك الأنماط تحت تصاميم بعينها حتى في نفس العصر عمارة مساجد الدول العربية ودول شرق ووسط وغرب إفريقيا لا تندرج تحت أي نمط موحد، وذلك يعود لأسباب متعددة وتأثيرات ملهمة لعمارتها عند فهمها ستتمكن من تقدير ذلك الاختلاف والتنوع.

entry-icon
entry-icon
entry-icon
entry-icon

الكثير من الدول الأفريقية اختبرت الحياة القبلية وكان لكل قبيلة أسلوبها المعماري المبني على ثقافتها الخاصة وعادات شعبها وحتى المواد الخام المتاحة للاستخدام في مبانيها. تلي ذلك عهود من الاستعمار من دول أوروبية مختلفة لكلا منها نمط معين في العمارة ولا يخفي على الجميع التأخر الكبير الذي عانت منه الدول الأفريقية بسبب الاستعمار مما أدي لتأخر تطوير فنون العمارة بها حتى الخمسينيات والستينيات.

بعد الاستقلال ستجد أن نمو فنون العمارة كان بطيء ولا يزال يحمل تأثيرات أجنبية. فنون وتقنيات العمارة التي يتم تدريسها في الكثير من الدول الإفريقية حتى بعد الاستقلال معظمها يعود لأنماط العمارة الأوروبية مثل العمارة القوطية وأسلوب الباروك والأساليب الحديثة مثل باوهاوس.

وقد تزامن مع ذلك بعض المحاولات لإعادة إحياء العمارة الأفريقية التقليدية والحرف اليدوية الأفريقية المرتبطة بها والمواد المحلية مع مزجها بتقنيات التصميم الحديث لمحاولة خلق أسلوب معماري إفريقي معاصر. هذا الأسلوب المعاصر لا يخلق فقط هوية أفريقية في العمارة وعودة للأصول، لكنه أيضا يوفر الكثير من التكلفة لاعتماده على مواد متاحة ورخيصة الثمن وأساليب معمارية بسيطة مستمدة من الطبيعة مع التأثر بالعمارة الإسلامية المعروفة.

من بعض نماذج عمارة المساجد المتميزة في أفريقيا نذكر مسجد مسالك الجنان في السنغال وهو أكبر مساجد غرب إفريقيا، جامع القيروان في تونس وهو من أقدم أماكن العبادة في العالم الإسلامي وقد اختارته اليونسكو كأحد مواقع التراث العالمي. مسجد لارابانكا في غانا وهو من أقدم مساجد غانا ويتبع النمط المعماري السوداني ويتميز بتصميمه. أيضا مسجد توبا الكبير في السنغال والذي يعتبره الكثير من أجمل مساجد العالم. نذكر أيضا الجامع الكبير في جينيه بمالي وهو أكبر صرح مصنوع من الطوب اللبن في العالم وله تصميم غريب، ومميز ومبني بأسلوب معماري فريد ويقيم الشعب مهرجانًا سنويًا موسيقيًا أثناء أعمال الترميم به. أخيرًا لا ننسي جامع أوغندا الوطني ويعتبر أحد أمثلة العمارة الحديثة بمساجد القارة السمراء. يمكنك بوضوح رؤية عدم وجود نمط معماري واحد يجمع هذه المساجد وإنما أنماط متنوعة.

عمارة مساجد آسيا تحف معمارية حديثة

صورة من pixabay

لا تكفي سطورًا محدودة للكلام عن روعة المساجد بقارة آسيا فهي ليست فقط تحف معمارية مميزة، وإنما قصص أسطورية كاملة يمكنك رؤيتها عند النظر لإحداها اعتمدت مساجد جنوب شرق آسيا علي سبيل المثال علي استخدام القباب والأقواس مع مزجهم بأنماط هندسية متعددة واستخدام المنحوتات الحجرية المعقدة مع البلاط المزخرف. دمج هذه العناصر سويًا يعطي مساحة مذهلة بصريًا وطابع روحي بصفة خاصة لوقوع المبني في أحضان الطبيعة التي تتميز بها القارة من غطاء أخضر كثيف.

عند النظر لبعض المساجد ستري لوح فنية مذهلة تختلط فيها العمارة الحديثة والعصرية بتراث تلك الشعوب. بالنظر لمساجد ماليزيا وإسلام أباد وسنغافورة وأدرنه في تركيا ستري تأثيرات الدول على بعضها البعض سواء فيما يخص العمارة أو التصميم الداخلي للمساجد. علي سبيل المثال فإن مسجد زاهر أحد أعظم مساجد ماليزيا وأقدمها ستجد أنه مستوح من عمارة المسجد العزيزي في إندونيسيا. المسجد بخمس قباب خضراء في إشارة واضحة لأركان الإسلام الخمسة ويتميز باللون الأبيض ومبناه مستقر على غطاء نباتي أخضر.

أما مسجد السلطان عمر بدولة بروناي بقبته الذهبية فيعد أحد رموز العمارة الحديثة وهو الأول من طرازه في آسيا. تصميم المسجد يجمع بين العمارة الإسلامية والروح المغولية إلى جوار الأساليب الإيطالية في كل من التصميم وعملية البناء. يعد هذا المسجد من اهم عوامل جذب السياح وهو مبني على بحيرة صناعية بالقرب من نهر بروناي وتحتوي مأذنته على مصعد يمكنك في قمته رؤية منظر بانورامي للمدينة. يتميز المسجد أيضا بإضاءته بشكل فريد ليعكس الضوء على البحيرة ليلاً ونوافذه زجاجية ملونة، وداخله مزين بأقواس وأشباه قباب وأعمدة من الرخام. مواد بناء المسجد مستورده بالكامل، الرخام من إيطاليا والجرانيت من شنغهاي والثريات التي تزين سقفه تم جلبها من إنجلترا، إما السجاد فمن السعودية.

لا يسعنا أيضا نسيان مسجد شيان الكبير وهو من أقدم مساجد الصين، والذي يتميز بطراز معماري مميز وقد استخدم في تشييده الخشب العطري ويزين جدرانه آيات المصحف بالكامل وهو تحفة معمارية في تاريخ عمارة المساجد.

أما بالنظر لعمارة مساجد الأمارات كإحدى الدول العربية بالقارة فسنلحظ الأنماط الهندسية المعقدة بخطوط عريضة مع دمجها بالرموز الإسلامية بطريقة تخلق نمطا معماريا فريدا يعكس تراث الأمارات الإسلامي وثقافتها.

مساجد أوربا لغة معمارية حديثة

صورة من unsplash

وجدت المساجد في الأراضي الأوروبية منذ قرون علي يد العثمانيين في البلقان والمرويين في إسبانيا والتتار في منطقة البلطيق. بالنظر للعصر الحديث وهجرة المسلمين للدول الأوروبية وكيف ظلوا عقودًا قانعين بالصلاة في الأقبية ظنًا منهم أن وجودهم مؤقت، إلا أنه بعد مرور الوقت أدركوا أن تلك البلاد أصبحت وطنًا دائمًا لهم، ومن تلك النقطة فكروا في بناء مساجد لممارسة الصلوات والعبادة.

لم يفرض الإسلام تصميمًا محدداً لمبني المسجد إلا أنه قد تم وضع ضوابط يجب احترامها وتلك الضوابط كانت لحفظ جوهر الهوية من أهمها اتجاه القبلة والطهارة. والحقيقة أن الأوربيين كانوا مولعين بثقافة الشرق حتى أنهم استوحوا بعض مبانيهم من عمارة المساجد مثل مبني مشيد داخل الحديقة الملكية بلندن في القرن الثامن عشر.

أيضًا مسجد حديقة قصر شفتسينجن بألمانيا والمسمى بالمسجد الأحمر. المساجد الحديثة بأوروبا هي لغة معمارية حديثة يألفها الجيل الجديد، وفي نفس الوقت مراعية لهوية الأماكن التي بنيت بها. تلك اللغة المعمارية الحديثة لم تلق القبول من الجميع فالبعض أنتقد التصاميم الحديثة التي تميل للثقافة الغربية بشكل كبير. أحد تلك المساجد هو مسجد رييكا الكرواتية وهو مصنف ضمن العمارة الإسلامية العصرية وله تصميم مختلف عن الطابع الإسلامي المعتاد. والمكان لا يقتصر علي المسجد فقط فهو أيضا مركز تعليمي وصحي وثقافي.

يرى البعض أن التصاميم الحديثة للمساجد بأوروبا ليست فقط اتجاه حديث في فنون العمارة بل أيضًا تهدف لتقديم فهم جديد للدين الإسلامي نفسه، بشكل لا يتعارض مع الثقافة الأوروبية ومفاهيم الديموقراطية، ومتوائم مع المجتمع دون التنازل عن العقيدة وأصولها. نخص بالذكر أيضا مسجد "كولونيا" المركزي المصمم بطراز العمارة العثمانية ويتميز بمزج خامات الزجاج والخرسانة والخشب. مسجد الملك عبد العزيز ماربيا في إسبانيا والذي بناه الأمير سلمان عندما كان أمير للرياض علي اسم والده وهو مركز ثقافي حيث يضم مكتبه بها 30 ألف كتاب عن الإسلام والتراث والتاريخ والأدب العربي.

صورة من pixabay

مما قرأت يمكنك إدراك رحلة فنون عمارة المساجد الإسلامية في الكثير من الدول، فهي متحفظة وملتزمة بالتقاليد القديمة وفنون العمارة الإسلامية الأولى في بعض الدول، مع التطوير المحدود والذي أعتمد على تطوير تقنيات البناء أو مواد البناء المستخدمة أكثر من تطوير التصميم، وعلى العكس الاتجاه لتصاميم وعمارة عصرية في مناطق أخرى، كذلك الاتجاه في بعض العصور للزخارف المعقدة والمبالغة في تزيين الداخل والاتجاه للمظهر الخاشع المتواضع في عصور أخرى.

ويتضح تأثر عمارة المسجد بثقافة وطبيعة مكان بنائه بشكل كبير مما ساعد على تقديم لوح ثرية. عدم فرض الإسلام تصميم محدد لمبني المسجد أعطي مجال من الحرية للمصممين من كل أنحاء العالم، حتى أن مصممي المساجد بعضهم لا يدين بالإسلام ومنهم المهندس المعماري أنجيلو كانداليباس، والذي قام بتصميم مسجد في سيدني به 99 قبة حجرية. المسجد مستوحى من أسلوب التصميم الوحشي والذي كان مستخدمًا بين خمسينيات وسبعينيات القرن الماضي. كما قام مصممون معماريون أوربيون بتصميم مساجد في دول قارة أسيا وغيرها من الدول غير الأوروبية، وقام عرب بتصميم مساجد بدول الغرب. أدى هذا التنوع ومزج الثقافات إلى تطور عمارة المساجد الإسلامية في العالم بشكل كبير لتثري تاريخ العمارة بشكل عام وعمارة المساجد بشكل خاص.

المزيد من المقالات