زهرة المدائن..مدينة القدس.. من البداية حتى ميلاد المسيح عليه السلام
لا يوجد إنسانٌ بلا ماضٍ، كذلك المدن، حديثنا اليوم عن مدينة من أهم المدن في التاريخ البشري، تلك المدينة الغارقة في القدم والتي يتشرّف الجميع بانتسابهم لها ويبحث الكلّ عن موطئ قدمٍ بها بحقٍّ أو بباطلٍ.. بعزّ عزيزٍ أو ذلّ ذليلٍ، ولا توجد في العالم مدينةٌ ينطبق عليها ذلك الوصف أكثر من مدينة القدس.. زهرة مدائن العالم، صاحبة التاريخ وأولى القبلتين وثاني الحرمين، مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلّم، انتسبت إلى العرب منذ فجر التاريخ وتعاقب على حكمها الفراعنة والروم والفرس وغيرهم على مرّ التاريخ، وتبادل الجميع السيطرة عليها فتارةً تكون في قبضة الروم وتارةً أخرى تكون تحت سيطرة الفُرس، يكفي أن تعلم أنه تمّ احتلالها أكثر من 44 مرّةً، وشرّفتها العقائد السماويّة فلا تجد كتابًا مقدّسًا يخلو من حدثٍ أو قصّةٍ بأرضها المباركة، تحنو إليها القلوب وتتمنى صلاةً بمسجدها الأقصى المبارك، تلك الأرض الموعودة التي تحمل في طيّاتها الكثير من الصراعات في الماضي والحاضر والمستقبل، دعونا نقلّب في صفحات التاريخ ونتصفّح الماضي بعظمته وألمه بين من أحبَّها صادقًا ومن تصنّع الحنين إليها فهي كنزٌ لمن امتلكها ولا سعادة لمن فقدها.
القدس..ماضٍ تليدٌ وحاضرٌ أليمٌ
لا يوجد إنسانٌ بلا ماضٍ، كذلك المدن، حديثنا اليوم عن مدينة من أهم المدن في التاريخ البشري، تلك المدينة الغارقة في القدم والتي يتشرّف الجميع بانتسابهم لها ويبحث الكلّ عن موطئ قدمٍ بها بحقٍّ أو بباطلٍ.. بعزّ عزيزٍ أو ذلّ ذليلٍ، ولا توجد في العالم مدينةٌ ينطبق عليها ذلك الوصف أكثر من مدينة القدس.. زهرة مدائن العالم، صاحبة التاريخ وأولى القبلتين وثاني الحرمين، مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلّم، انتسبت إلى العرب منذ فجر التاريخ وتعاقب على حكمها الفراعنة والروم والفرس وغيرهم على مرّ التاريخ، وتبادل الجميع السيطرة عليها فتارةً تكون في قبضة الروم وتارةً أخرى تكون تحت سيطرة الفُرس، يكفي أن تعلم أنه تمّ احتلالها أكثر من 44 مرّةً، وشرّفتها العقائد السماويّة فلا تجد كتابًا مقدّسًا يخلو من حدثٍ أو قصّةٍ بأرضها المباركة، تحنو إليها القلوب وتتمنى صلاةً بمسجدها الأقصى المبارك، تلك الأرض الموعودة التي تحمل في طيّاتها الكثير من الصراعات في الماضي والحاضر والمستقبل، دعونا نقلّب في صفحات التاريخ ونتصفّح الماضي بعظمته وألمه بين من أحبَّها صادقًا ومن تصنّع الحنين إليها فهي كنزٌ لمن امتلكها ولا سعادة لمن فقدها.
مدينة القدس ..البداية
يصل عمر مدينة القدس إلى أكثر من 6000 سنة، لذا فهي تُعدّ من أقدم المدن المأهولة في العالم، وأول الآثار المكتشفة لاستيطان مدينة القدس ترجع إلى الألفيّة الرابعة قبل الميلاد وتحديدًا بين عامي 3500 – 4500 ق.م، وكان أول المستوطنين قبيلة من الكنعانيين (قبائل عربية سامية هاجرت من شبه الجزيرة العربية إلى الشام) وهم يبنون جدرانًا حول أسوار مدينة القدس القديمة التي بناها ملك منهم اسمه "ملكي صادق" وهو من قبيلة اليبوسيين العربية الكنعانية، وكان رجلًا مؤمنًا، وذكرت التوراة أنه استقبل نبي الله إبراهيم عليه السلام وقدّم له الخبز.
السيطرة المصرية على مدينة القدس
ظهرت أوّل إشارةٍ لاسم المدينة في عصر المملكة المصريّة الحديثة تحت اسم "روساليموم" في نصوصٍ تسمّى بنصوص اللعنة، ثمّ تمّ ذكرها في خطابات تلّ العمارنة باسم " أورسالم"، وتؤكّد الآثار أن أول من سكن مدينة القدس هم العرب الكنعانيّون الذين أطلق عليهم المصريون اسم "دجاهي"، ثمّ أتت هجرات من غرب آسيا الصغرى لتسكن الأرض وأطلق عليهم المصريون اسم شعوب البحر أو " الفلستيين"، ثم أصبحت تحت الحكم المصري الصوري بعد توحيد المملكة المصريّة الحديثة في منتصف القرن السادس عشر قبل الميلاد في عهد الملك "أحمس الأول" بعد طرد الهكسوس، حيث تمدّد المصريّون إلى الشرق في تلك الفترة وأطلقوا عليها اسم " يبوس"، وتركوا لأهلها من الكنعانيين والفلستيين حرّيّة حكم أنفسهم واكتفوا بجمع الضرائب منهم، ومع مرور الوقت انحسر الحكم المصري في نهاية العصر البرونزي (القرن الثاني عشر قبل الميلاد)، وفي عام 1178 ق.م بقيادة "رمسيس الثالث" سجّل المصريّون معركةً أطلقوا عليها اسم "دجاهي"، وهو الاسم المصري القديم للقبائل الكنعانية، والتي كانت نهاية السيطرة الغير رسميّة على مدينة القدس، سجّل التاريخ أن القبيلة الكنعانيّة التي سكنت القدس في تلك الفترة كانوا يسمّون باليبوسيين، وأطلقوا على القدس اسم "سالم" أو "شاليم" التي أصبحت فيما بعد "أورسالم" ثم "أورشاليم" وكانت تعني السلام أو جبل السلام.
ظهور بني إسرائيل ودخولهم لمدينة القدس
دخل بنو إسرائيل (العبرانيّون) بعد عناءٍ شديدٍ إلى مدينة "القدس" في منتصف القرن العاشر عشر قبل الميلاد بقيادة نبي الله "داود" عليه السلام بعد أن رفضوا أن يدخلوها سابقًا مع نبي الله "موسى" عليه السلام بسبب خوفهم من مواجهة أهلها لشدّة بأسهم وقوّتهم، والذين أُطلق عليهم في كتب اليهود اسم "اليبوسيين" أو "الفلستيين" وفي كتب العرب باسم "العماليق" أو الكنعانيين، وتذكر التوراة غربة اليهود عن مدينة يبوس "القدس"، كما أنّ اليهود لمّا سيطروا على مدينة القدس لم يطردوا منها اليبوسيّين بل تعايشوا معهم، مما يؤكّد تواجد مدينة القدس قبل اليهود بما لا يقل عن 2000 سنة. استمرّ اليبوسيون في حياتهم داخل مدينة القدس مع القادمين الجدد حتى عصر نبي الله "سليمان" عليه السلام، فلما تُوُفّي انقسمت مملكة اليهود إلى مملكتين كانت مدينة القدس "أورشليم" عاصمة المملكة اليهودية الجنوبية التي أُطلق عليها اسم "يهوذا"، وهو اسم الابن الأكبر لنبيّ الله "يعقوب" عليه السلام، وتسمّت المملكة الشمالية الأخرى باسم مملكة "إسرائيل"، وهو اسمٌ آخر لنبي الله "يعقوب" عليه السلام.
سيطرة المصريين على القدس مرّةً أخرى
كانت هناك العديد من الخلافات بين مملكة "يهوذا" في الجنوب ومملكة "إسرائيل" في الشمال، وتعدّدت المناوشات والحروب بينهما حتى استعاد المصريّون السيطرة على مدينة "القدس" في أواخر القرن العاشر قبل الميلاد وعلى العديد من المدن الأخرى التي كانت تحت سيطرة مملكة "يهوذا"، مما دفع الملك "رحبعام" ملك "يهوذا" حينئذٍ إلى دفع كلّ الكنوز التي لدى المملكة كجزيةٍ للمصريّين فرضي المصريّون بالجزية وتركوا لهم حكم مملكتهم في مقابل دفع الجزية.
سقوط مملكة إسرائيل بعد 90 عامًا
استمرّت محاولات مملكة "يهوذا" في فرض سيطرتها على مملكة إسرائيل بالشمال، حتى وصل الصراع إلى أوج قوّته في معركة "جبل زماريم" والتي انهزمت فيها مملكة إسرائيل أمام مملكة يهوذا بقيادة الملك "ابن رحبعام"، واستمرّت سيطرة مملكة يهوذا في تلك الفترة من القرن الثامن قبل الميلاد، وزاد من تثبيتها فشل الحملة العسكرة القدامة من إثيوبيا بقيادة "زارح" والتي كانت سببًا في توطيد حكم ملوك يهوذا لعدة قرون واستتباب الأمر لهم في مدينة القدس حتى مجيء الغزو البابلي.
مدينة القدس بين الآشوريين والبابليين
في عام 715 ق.م كان يحكم مملكة "يهوذا" ملك اسمه "حزقيا"، حيث قام بالتحالف مع عسقلان ومصر وغّره ذلك التحالف بالتمرّد على الدولة الآشورية التي كان يدفع لها الجزية بانتظام، فرفض دفع الجزية مما اضطر الملك "سنحاريب" ملك مملكة آشور إلى حصار مدينة القدس عام 701 قبل الميلاد، فرضخ "حزقيا" للملك الآشوري وأفرغ جميع كنوز المملكة لدفع الجزية وعادت مملكة "يهوذا" تحت السيطرة الآشورية حتى جاء عهد الملك "يوشيا" عام 640 قبل الميلاد والذي تغيرت فيه أوضاع الإمبراطورية الآشورية وأصيبت بالتفكّك والضعف وبدأت المملكة البابلية بالظهور، فاستغل "يوشيا" هذا التفكك وأعلن استقلال مملكة "يهوذا" عن الآشوريين ودعم البابليين ضد الآشوريين لكن ذلك لم يدم طويلًا، حيث تحرّك جيشٌ من مصر لمد يد العون للملك الآشوري في سوريا حيث قام الفرعون " نخاو الثاني" بتجهيز جيش كبير عام 609 قبل الميلاد واتجه شرقًا مستخدمًا الطريق الساحلي فحاول الملك "يوشيا" إيقاف الجيش المصري ومنعه من دخول أراضيه كدعمٍ للبابليين لكنه انهزم وقُتِل، ومع ذلك لم يستطع الآشوريون إيقاف الزحف البابلي لكن المصريين احتفظوا بحكم مدينة القدس وعينوا عليها "يهوياقيم" بعد أن عزلوا أخاه "يهوآحاز" وأخذوه أسيرًا معهم إلى مصر، وغيّر حكام مملكة "يهوذا" ولاءاتهم مراتٍ عديدةً في تلك الفترة من التاريخ، كلما رأوا ملكًا قويًّا سواءً كان مصريًّأ أو بابليًّا انضموا له، فينضمون لنبوخذ نصّر ملك البابليين ضد مصر لكن عندما فشل في احتلال مصر عادوا ليؤيّدوا المصريين ويعلنوا ولاءهم لهم، حتى استعاد "نبوخذ نصّر" توازنه وانتزع الشام من أيدي المصريين ثم اتجه لحصار مدينة القدس عام 599 قبل الميلاد التي مات ملكها "يهوياقيم" تحت الحصار الذي استمرّ 3 أشهر حتى سقطت مدينة القدس في يد البابليين عام 586 ق.م وتم اقتياد سكان مملكة "يهوذا" وممالك "مؤاب" و "عمون" المجاورة كسبايا إلى بابل فيما يعرف في التاريخ باسم السبي البابلي حيث أنهم جميعًا كانوا حلفاءً للمصريين في حربهم ضد البابليين، وكان عدد سكان مملكة "يهوذا" بما فيها مدينة القدس ما يقرب من 10 آلاف نسمة.
مدينة القدس والإسكندر الأكبر
مرّت مدينة القدس بفترةٍ من الصراعات بين الفرس والمملكة اليونانية التي نجحت في ظل قائدها الإسكندر الأكبر " الإسكندر المقدوني" أن تقضي على الامبراطورية الفارسيّة وتحتلّ جميع أراضيها بعد وفاة ملكها "داريوس" في سلسلة من المعارك بدأت عام 334 ق.م، وتصبح الأرض المقدسة ضمن الولاية الخامسة من المملكة اليونانية، خاصةً مدينة القدس قلب الأرض المقدّسة، والتي استقبل اليهود المقيمين فيها الإسكندر الأكبر بالترحاب وسلموه مفاتيح المدينة بالرغم من مقاومة قطاع غزة للغزو اليوناني لتبدأ فترة الحكم اليوناني لمدينة القدس وماحولها، ذلك الحكم الذي استمر لعشر سنوات فقط وانتهى بموت الإسكندر وتقسيم أراضي المملكة اليونانية بين قادة جيشه وقيام دولتين على أنقاضها.
القدس في العصر الروماني
بعد وفاة الإسكندر المقدوني عام 323 ق.م حدثت انقساماتٌ داخليّةٌ بين قادة جيشه واستحوذ "سلوقس الأول" على مدينة القدس كجزءٍ من المملكة السلوقية التي امتدت شرقًا لتشمل كل أراضي المملكة الفارسية بالإضافة إلى الأناضول (تركيا حاليًا) إيذانًا ببداية الحكم الروماني للأرض المقدّسة والذي سيستمر حتى الفتح الإسلامي. قام الرومان بعزل كل الحكام اليونانيين للأرض المقدّسة وما حولها وقامت بتغيير العملة وتثبيت أركان حكمهم في مدينة القدس وفرض ضرائب مرتفعة على سكانها.
الصراع الداخلي في الدولة الرومانية
في عام 48 ق.م حدثت ثورة في مدينة القدس على الرومان نتيجة لنفي "أرسطو بولس" كاهن الفريسيين في الأرض المقدّسة، فقاد ابنه ثورةً أدت إلى حشد جيش روماني كبير لوأد تلك الثورة، نجح الجيش الروماني في وأد الثورة وأخضع سكان مدينة القدس لسيطرة "يوليوس قيصر" قيصر روما، كما تحوّل قائد الثوار "أنتيباتر" إلى حليفٍ قويٍّ للقيصر ونائبٍ له على كل أرض فلسطين مما أدّى إلى استقرار حكم الرومان في الأراضي المقدّسة لفترةٍ من الزمن. بعد تولّي "أنتيباتر" حكم الأرض المقدّسة وتولية أبنائه على مدينة القدس والمدن الأخرى حتى تم اغتيال "يوليوس قيصر" عام 44 ق.م واختلاف القائدين الرومانيين " أنطونيوس" و "أوكتافيوس"، فاستغلّ "هيركانوس" كبير كهنة اليهود في الأرض المقدّسة ذلك الخلاف بالداخل الروماني وأشار إلى أبناء " أنتيباتر" حكام المدن بالأرض المقدّسة بالتحرّك والتعاون على قتل أبيهم " أنتيباتر" نائب يوليوس قيصر المقتول، فحدثت حالة من الفوضى بالأراضي المقدّسة وبدأ ظهور الدولة الساسانية في المشهد عن طريق مساعدة قائد الفريسيين " أنتيغانوس" الذي كان ابنًا لـ"أرسطو بولس" عدو الرومان، ساعد الدولة الساسانية بالمعلومات في مقابل توليته حاكمًا لمدينة القدس والأراضي المقدّسة عام 40 ق.م، ونجح الساسانيون في السيطرة على الأرض المقدّسة لمدة سنتين حتى تمّ طردهم منها على يد القائد الروماني "أنطونيوس" بعد أن تحالف مع "هيرودوس" أحد أبناء " أنتيباتر" الحليف القديم للرومان، لكن سيطرة "أنطونيوس" على الأرض المقدّسة لم تدم طويلًا ، حيث انهزم "أنطونيوس" على يد "أوكتافيوس" في معركة "أكتيوم" البحريّة عام 31 ق.م ليصبح "أوكتافيوس" امبراطورًا للرومان، ممّا دفع "هيرودوس" إلى المسارعة بإعلان ولائه لـ"أوكتافيوس" الذي غيّر اسمه إلى " أغسطس قيصر"، فأصبح "هيرودوس" ملكًا على الأرض المقدّسة بما فيها مدينة القدس وصبغ الأرض بالصبغة الرومانية لإظهار ولائه الشديد للرومان بالرغم من علو صيحات أهل الأرض المقدّسة بعدم طاعة هذا الامبراطور الروماني الدخيل ، لكن الامبراطور الروماني كان ذكيًّا فقام باستعطافهم ببناء هيكلٍ لهم في مدينة القدس ليشعرهم بأنه مهتمٌ بأهلها وتقاليدهم الدينية. توفي "هيرودوس" عام 4 ق.م وانتقل حكم المدينة المقدسة إلى أبنائه من بعده قبل ولادة المسيح "عيسى بن مريم" عليه السلام وخلال فترة دعوته لتبدأ قصة العقيدة السماوية الثانية على أرض مدينة القدس.