تاريخ فاس: رحلة في تاريخ وحضارة مدينة عريقة
مدينة فاس هي واحدة من أقدم وأجمل المدن في المغرب والعالم. تمتلك فاس تاريخا غنيا ومتنوعا، وتراثا ثقافيا وفنيا وعلميا فريدا. في هذه المقالة، سنسافر معا في رحلة عبر محطات من تاريخ فاس السياسي والحضاري، ونتعرف على أسرارها وإنجازاتها. سنبدأ بتاريخ بناء مدينة فاس، ثم سننتقل إلى تاريخ مدينة فاس واشعاعها الحضاري، وننهي بتاريخ فاس في العصر الحديث. نأمل أن تستمتعوا بهذه الرحلة، وأن تتعلموا شيئا جديدا عن هذه المدينة العريقة والمدهشة.
تأسيس مدينة فاس
تأسست مدينة فاس في القرن الثامن الميلادي من قبل إدريس الأول، الحفيد السادس للنبي محمد صلى الله عليه وسلم. إدريس الأول هو مؤسس الدولة الإدريسية، أول دولة إسلامية في المغرب. بنى إدريس الأول مسجده الأول على الضفة اليسرى لنهر فاس، واختار هذا الموقع لأنه محاط بالجبال والأودية والغابات، مما يجعله مكانا آمنا وخصبا. كما أنه قريب من طرق التجارة الهامة بين أفريقيا وأوروبا والشرق الأوسط.
فاس عاصمة للمغرب
بعد وفاة إدريس الأول، ولي العهد ابنه إدريس الثاني، الذي كان في رحم أمه عندما مات أبوه. نشأ إدريس الثاني في مدينة وليلة، التي كانت عاصمة الدولة الإدريسية. ولكن عندما بلغ السن القانونية، قرر العودة إلى مسقط رأسه فاس، وجعلها عاصمة جديدة للدولة.
ازدهار مدينة فاس
بنى إدريس الثاني مسجده الثاني على الضفة اليمنى لنهر فاس، وأسس جامعة القرويين، التي تعتبر أقدم جامعة في العالم ما زالت تعمل. كما أنه دعا العلماء والفنانين والحرفيين من مختلف البلدان الإسلامية للهجرة إلى فاس، وأنشأ مدارس، ومكتبات، وورش عمل، وأسواق. بهذه الطريقة، أصبحت فاس مركزا للعلم والفن والتجارة في المغرب والمغرب الأقصى.
في القرون التالية، شهدت فاس تطورا وتوسعا عمرانيا وسياسيا ودينيا، بفضل الدول الإسلامية التي حكمتها، مثل الدولة المرابطية والموحدية والمرينية والوطاسية والسعدية. هذه الدول أضافت إلى جمال ورونق فاس، ببناء مساجد ومدارس ومقابر وحمامات، وقصور، وحدائق، وأسوار.
كما أنها ساهمت في توحيد المغرب ونشر الإسلام والعلوم والثقافة في العالم. من بين الشخصيات البارزة التي عاشت أو زارت فاس في هذه الفترة، نذكر الفيلسوف والطبيب ابن رشد، والمؤرخ والمسافر ابن بطوطة، والشاعر والسياسي ابن الخطيب، والملك والمحارب المولى إسماعيل.
اشعاع مدينة فاس الحضاري
تمتلك فاس تراثا ثريا ومتنوعا، يعكس تأثير الحضارات الأخرى التي تواصلت معها، مثل الحضارة الرومانية، والبيزنطية، والأندلسية، والفرنسية. فاس تحتفظ بمعالمها الأصيلة والفريدة، وتجدد بعضها وتروج لها كجزء من التنمية المستدامة والسياحة الثقافية. في هذا الفصل، سنستعرض بعض الإنجازات الحضارية لفاس، والتأثير الذي أحدثته على العالم.
الإنجازات الفنية
فاس تشتهر بفنونها وحرفها التقليدية، التي تعبر عن الذوق والإبداع والمهارة لسكانها. من بين هذه الفنون والحرف، نذكر الخزف والنحاس والنسيج والجلد والخشب، والزجاج، والمجوهرات، والمنسوجات.
هذه الفنون والحرف تستخدم مواد طبيعية وألوان زاهية وأشكال هندسية، ونباتية، وحيوانية، وخطية. كما أنها تحمل رموزا دينية وثقافية وتاريخية. بعض أشهر الأمثلة على الفنون والحرف الفاسية هي الزليج والفخار والدباغة، والنقش، والحياكة، والنول.
يمكنكم زيارة بعض المتاحف والورش الحرفية في فاس لمشاهدة هذه الأعمال الفنية الرائعة، والتعرف على طرق صناعتها ومعانيها.
الإنجازات الثقافية
فاس تعتبر مهد الثقافة المغربية، ومدينة العلم والحكمة. فاس تضم العديد من المؤسسات الثقافية والتعليمية والدينية، التي تسهم في نشر المعرفة والقيم والتسامح. من بين هذه المؤسسات، نذكر جامعة القرويين، التي تضم مكتبة ضخمة تحوي آلاف الكتب والمخطوطات النادرة في مختلف العلوم والفنون واللغات.
كما نذكر مدرسة العطارين، التي تعتبر مثالا على الهندسة المعمارية والزخرفية الإسلامية. ونذكر أيضا مسجد القرويين، الذي يعد أحد أقدم وأكبر المساجد في المغرب وأفريقيا. ولا ننسى مهرجان فاس للموسيقى العالمية، الذي يجمع كل عام فنانين وموسيقيين من مختلف الثقافات والديانات والأنماط.
الإنجازات العلمية
فاس كانت مركزا للعلوم والبحوث في المغرب والعالم الإسلامي. فاس أنجبت واستضافت العديد من العلماء والمفكرين والمبتكرين في مختلف المجالات، مثل الطب والفلسفة والفقه والتاريخ والجغرافيا والفلك والرياضيات، والكيمياء، والزراعة، والهندسة.
من بين هؤلاء العلماء، نذكر ابن الهيثم، الذي اخترع الكاميرا الفوتوغرافية ووضع أسس البصريات. ونذكر ابن خلدون، الذي كتب مقدمة تاريخية شاملة ومبتكرة. ونذكر ابن البناء، الذي اشتهر بمهارته في الهندسة والبناء والميكانيكا. ونذكر ابن النفيس، الذي اكتشف الدورة الدموية الصغرى. ونذكر ابن الطفيل، الذي كتب رواية فلسفية ممتعة عن جزيرة العرب.
تاريخ فاس: أهم الأحداث التاريخية في العصر الحديث
مدينة فاس ليست فقط مدينة تاريخية وحضارية، بل هي أيضا مدينة حية ونابضة بالحياة. فاس تمتلك هوية مميزة وجذابة، تجذب الزوار والمقيمين على حد سواء. فاس تحترم تاريخها وتراثها، وتتكيف مع التغيرات والتحديات الحالية.
في هذا الفصل، سنتحدث عن بعض الأحداث والجهود التي شكلت هوية فاس وسكانها، والتي تسعى إلى الحفاظ على روحها وتجديدها. فاس شهدت في تاريخها العديد من الأحداث التاريخية الهامة والمؤثرة، التي أثرت على مصيرها ومستقبلها. من بين هذه الأحداث، نذكر
الغزو الفرنسي
الغزو الفرنسي للمغرب في القرن العشرين، الذي أدى إلى تقسيم فاس إلى ثلاثة أجزاء: فاس البالي، وفاس الجديد، والمدينة الحديثة. هذا التقسيم أثر على هوية وثقافة واقتصاد فاس، وأحدث تغييرات عمرانية واجتماعية وسياسية.
حركة الاستقلال
كما نذكر حركة الاستقلال المغربي، التي نشأت في فاس وانطلقت منها إلى باقي المدن والمناطق. هذه الحركة كانت تنادي بالحرية والكرامة والوحدة الوطنية، وكان لها قادة ورموز وشهداء بارزين.
ونذكر أيضا الزلزال الذي ضرب فاس في عام 1994، والذي تسبب في خسائر مادية وبشرية كبيرة، وألحق أضرارا ببعض المعالم التاريخية والثقافية للمدينة. هذا الزلزال دفع السلطات والمجتمع إلى العمل على إعادة بناء وترميم وتحسين فاس، وتعزيز قدرتها على مواجهة الكوارث الطبيعية.
صنيف فاس كموقع للتراث العالمي
فاس تشهد في الوقت الحاضر العديد من الجهود والمبادرات والمشاريع، التي تهدف إلى الحفاظ على تراثها وتجديده وترويجه، وتحسين جودة حياة سكانها وزوارها. من بين هذه الجهود، نذكر تصنيف فاس كموقع للتراث العالمي من قبل منظمة اليونسكو في عام 1981، والذي يعترف بقيمتها التاريخية والثقافية والفنية.
هذا التصنيف يلزم السلطات والمجتمع بالعمل على حماية وصيانة وترميم وتنمية فاس، وتعزيز جاذبيتها السياحية والاقتصادية. كما يشجع على التعاون والتبادل مع المواقع الأخرى المصنفة كتراث عالمي.
إطلاق برنامج فاس الكبرى
إطلاق برنامج فاس الكبرى في عام 2014، والذي يهدف إلى تحسين البنية التحتية والخدمات العامة والبيئة والتنمية الاجتماعية والاقتصادية لفاس. هذا البرنامج يشمل مشاريع متعددة ومتنوعة، مثل توسيع وتحديث المطار والميناء والطرق والسكك الحديدية والنقل العام، والماء، والكهرباء، والاتصالات.
كما يشمل تحديث وتجميل وتنظيف وتخضير وإنارة المناطق العمرانية والريفية والتاريخية، والثقافية، والرياضية، والترفيهية. ويشمل أيضا دعم وتشجيع وتنويع القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياحية والتعليمية، والصحية، والبحثية، والإبداعية.
تأسيس جمعية فاس سايس
تأسيس جمعية فاس سايس في عام 1986، والتي تضم ممثلين عن السلطات والمجتمع المدني والقطاع الخاص والأكاديمي والإعلامي والثقافي، والفني، والرياضي، والديني. هذه الجمعية تعمل على تعزيز هوية وانتماء وفخر سكان فاس بمدينتهم، وتشجيعهم على المشاركة في تطويرها وتحسينها.
كما تعمل على تعريف العالم بفاس وتاريخها وتراثها وثقافتها وإمكانياتها، وجعلها وجهة سياحية واستثمارية وتعليمية وبحثية وإبداعية مرغوبة.
في هذه المقالة، حاولنا أن نقدم لكم لمحة عن محطات من التاريخ السياسي والحضاري لمدينة فاس، ونبرز بعض الجوانب والميزات التي تجعلها مدينة مميزة ومدهشة. لقد رأينا كيف بنيت فاس وتطورت وازدهرت وتأثرت وأثرت في مختلف العصور والحقب والدول.
لقد رأينا كيف امتلكت فاس تراثا ثريا ومتنوعا، يشمل الفنون والحرف والثقافة والعلوم والمعمار والدين واللغة والموسيقى والأدب والمطبخ، واللباس، والعادات، والتقاليد. ولقد رأينا كيف تمتلك فاس هوية حية ونابضة بالحياة، تحترم ماضيها وتتطلع إلى مستقبلها. نأمل أن تكون هذه المقالة قد أعجبتكم وأفادتكم، وأن تكون دافعا لكم لزيارة فاس واكتشافها بأنفسكم. شكرا لقراءتكم.